الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أغنية البجعة الليبرالية

عبد الناصر حنفي

2016 / 7 / 29
الادب والفن


مع ترسخ حضور ما هو إرهابي أكثر فأكثر، أصبحنا جميعا نرقص على نحو متفاوت في حيويته وجديته حول ثغرات محيط تلك الدائرة التي تبدأ من لحظة: "كان يمكن أن نكون هناك"، والتي عادة ما تنزلق إلى لحظة: "ينبغي ألا نكون هناك .. أبدا"، إلى أن تتسارع الرقصة بحيث تلتئم هذه الثغرات فجأة، ويلتف محيط الدائرة حول أجسادنا خانقا، وبلا فكاك: "ينبغي ألا يوجد هناك أصلا ... مهما كان الثمن" ومن ينهي هذه الرقصة سيجد "أغنية البجعة" بإنتظاره.
وهذا ما حدث –ربما- مع "هدى بركات" في مقالها: "لقد غيرونا إلى ما نكره" (موقع المدن، 25-7-2016)، والذي تواجه فيه بجرأة نادرة –ولكنها مرشحة للتكرار- تسلل الرعب إليها كإنسان، وأم، وجدة، حتى تخلص إلى: "هكذا شيئا فشيئا تغيّرنا، نحن ... المحبّون للحرية والحريّات. ... كنّا في السابق نميل إلى إعمال العقل وأساليب الفهم. كنّا، حبّا بالديمقراطيّة، ندعو إلى البحث عن الأسباب ومعالجتها قبل الدعوة إلى الحروب والإجتثاث. إنّنا تدريجيّا نخسر عقلانيتنا وننزلق إلى منطقهم"!!
هذا المقال هو لحظة إلتفاتة حميمية وحزينة من الذات إلى ما أصبح يمس عالمها المعاش من تبدل طارئ، فبعيدا عن ترسانة الأفكار والمقولات الصلبة التي لازالت تملك "حتى الآن" ما يكفي للدفاع عن نفسها، سنجد هنا رصدا لتغير عميق بقدر ما هو بطيء وحاسم، فما يمكننا تسميته بعالم القيم الليبرالية المشتقة من "النزعة الإنسانية"، والذي كنا نعتقد بيقين دائم، أو حتى نحلم، أنه سيشكل ما "يأتي"، قد بات فجأة وكأنه يمثل ما "كان"، مما يفجر شعورا بالحسرة التي ستبدو وكأنها رثاء سيتكرر كثيرا في الفترات القادمة، فثمة عالم كان ممكنا، ولكنه لم يعد كذلك، ولا يوجد سبيل واضح لاستعادته!
والواضح أن توالي الموجات الإرهابية الأخيرة في الغرب قد خلقت مجالا مختلفا للهموم اليومية هناك، إن لم نقل أنها تستهل حركة إعادة بناء هذا المجال بالكامل، وهذه الحركة قد تدخل في دورة تباطؤ -كما حدث كثيرا من قبل- إذا هدأ ذلك الاندفاع الارهابي، وخفت إلحاحه في استعراض ذاته على هذا النحو الفظ، ولكن في كل الأحوال ثمة حركة ما قد بدأت تجاه تباعد العالم عما هو ليبرالي وإنساني، وثمة لحظة تاريخية مختلفة تماما تطالب بحقها في الحضور، وكما نعلم، فالتاريخ "الماكر" لا يهمل أبدا تلك المهام التي يختارها لنفسه، حتى وإن منحها وقتا أكثر مما يمكننا تصوره.
ولأغنية البجعة دلالة مزدوجة، فهي إما أن تكون بمثابة نعي ذاتي، نهائي، أو صرخة إنقاذ، تشير إلى ما بات عرضة لخطر لا يخصه، خطر ناجم عن إلتباس من النوع الذي نجده في خرافات ايسوب، حيث تلك البجعة التي تم اصطيادها بإعتبارها أوزة، وقبل ذبحها أطلقت اغنيتها التي أكدت هويتها وإختلافها وعلاقتها بما يستحق "الحياة"، والإستمرار. وشيئا من هذا أو أكثر سنجده في آراء "سلافوي جيجك"، الذي يعتقد أنه يطلق نداء الانقاذ الليبرالي مركزا على جلب الإلتفات إلى تلك الأوزة التي تطير تجاه الغرب حاملة اللاجئين والارهاب الإسلامي معا، مما يعرض القيم الأوروبية لخطر يمكن تجنبه عبر قص أجزاء "بسيطة جدا" من أجنحة البجعة الليبرالية، ولكن هذا يعني أن الإختيار قد اصبح بين قتل البجعة وإنتحارها، أو إفقادها قدرتها على التحليق! (ما جدوى بجعة لا تطير إلينا؟)
ليس للأغنية إذا إلا معنى واحد فحسب، فايسوب الأسطوري قادر بفضل "خرافيته" على الاندفاع خارج العالم تجاه "أمل" بلا شروط ولا حسابات، حيث لا يوجد سوى خفة تناجي ذاتها، أما "جيجك"، ونحن جميعا، فلم يعد لدينا بجعة ننتظرها لتذهب بنا إلى هناك.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا


.. فنانون مهاجرون يشيّدون جسورا للتواصل مع ثقافاتهم الا?صلية




.. ظافر العابدين يحتفل بعرض فيلمه ا?نف وثلاث عيون في مهرجان مال


.. بيبه عمي حماده بيبه بيبه?? فرقة فلكلوريتا مع منى الشاذلي




.. ميتا أشوفك أشوفك ياقلبي مبسوط?? انبسطوا مع فرقة فلكلوريتا