الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تطرف... تطرف

عماد حياوي المبارك
(Emad Hayawi)

2016 / 7 / 30
مواضيع وابحاث سياسية


تطرف... تطرف
التطرف يعني الأبتعاد لآخر حد بأحد طرفي معادلة بالرأي والرأي المضاد، ويمكن أن يخصنا التطرف نحن البشر بأنتمائنا العقائدي والفكري والديني والمذهبي والعشائري... أو أن يتعلق ببقعة من الأرض بمناخها وتضاريسها أو بالمواد في تفاعلها وبالحيوانات في سلوكها... وهكذا.
والتطرف هو شأن خاص بالشخص بما يحمله من أفكار وتوجهات و(أيدلوجيات) قد أتخذها بنفسه أو من خلال فلسفات أمليت عليه، وغالباً ما يعبر عنه بالكلمات النابية والحركات المتشنجة والتلويح بأصبع السبابة أو بالسلاح فتجعلنا نحكم من خلالها وبنظرة خاطفة على متبنيها بأنه متطرف*.
ومع أن صفة التطرف غالباً ما تأخذ معاني سيئة أو غير مفيدة لكنها ـ وأرجو أن لا يزعل مني البعض ـ تنطبق علينا نحن العراقيون، لماذا؟ نحن العراقيون أناسُ متطرفون في الكره والحب والعداء وبالعلاقة والتعامل مع الآخرين ومع الأشياء وحتى مع ذاتنا ومع الحيوانات.
شاهدتُ مرة ببغداد صبيتين تمسكان بكلب صغير حينما ركبتا حافلة نقل عام، كل ممن يستقل الباص كان يرميهن بنظرات ثاقبة تكاد تأكلهن، أنا متأكد بأن تلك الصبيتين لو أنهن أكبر بقليل لتلقين ردة أفعال أكبر من مجرد كلام بذئ سمعنه، مع أننا نقول بأن الكلب أوفى المخلوقات ولنا عنه قصصاً تعجبنا حينما نقرئها من على الورق ونشاهدها على الشاشة. جميعنا يمقت الخنزير ويستبعده عن كل مرافق حياتنا، مع أنه حيوان وديع قابل للأستأناس والتربية ويعيش بداخل بيوت هنا بأوربا، تصوروا ، تصوروا ردة الفعل تجاه بيت بالعراق يربي خنزيراً. لم تحرم الأديان كالمندائية واليهودية والأسلام التعامل معه بل فقط تناوله، لكننا أمتنعنا من الأقتراب منه وعدم التعامل حتى مع منتجاته، للعلم فإن صمام قلب الخنزير هو الأقرب والأصلح لقلب البشر. لو أننا كنا يوماً على محك وفُتحَ قلب عزيز علينا، طفلنا الصغير، وليس من حل سوى زرع صمام من قلب خنزير، هل ننتظر فتوى لا تصلنا إلا بعد أن يوارى عزيزنا الثرى؟ ربما تربية الحيوانات داخل جدران البيت تترك آثاراً بحاجة لمتابعة وتنظيف، وتنشر رائحة لا يحبها الناس لكن كل ذلك يحسبون مربيها في الدول المتحضرة حسابه وتجدهم ينفقون أموالاً لشراء أطعمة ووسائل أيواء ولهو وطبابة ومعطرات ومعقمات متوفرة بمحلات متخصصة لحيواناتهم وتجدهم غاية بالسعادة والفخر بأحتضانهم حيوان.
العراقي متطرف بحب الخطيبة ومصاحبة الحبيبة والزوجة والألتزام بمعايير فائقة الحدة في الدفاع عنها أمام الآخرين، لقد رأيتُ في بلدان ومنها عربية بغرب العالم العربي حينما تتلقى الرفيقة بعض كلمات الأعجاب أو المعاكسة والمشاكسة، أن الخطيب والرفيق وحين يسمعها يبتسم لتفسر لك أبتسامته بأن قلب فتاته مشغول معه، حتى هي تتقبل التصرف على أنه بنيّة صافية فيمر الأمر كما بدأ بشكل بسيط دون ألفات نظر البقية من حولهم. لنتصور أننا بالزوراء وتحدث المشاكسة ولنرَ الدور الذي يقوم به الرجل وقد فتل عظلاته وبتشجيع بل ومشاركة آخرين ليس لهم علاقة بالموضوع وكأن الأمر يعنيهم فينتهي الأمر بعد أن يحصل الرجل على تأييد كل من حوله بشكل مباشر وعفوي بالبهذلة وتقطع الأزرار، ويكون بالنتيجة قد أخجل البنت التي كانت تود أن يمر الأمر وتستمر نزهتها على ما يرام مع أنها عند البداية كان لها يد بإثارة ذكرها لينفش ريشه كالديك الهراتي!
لو تتعرض سيارتان بأحد شوارع بغداد لحادثة ولو بسيطة، سيضيع الحابل بالنابل وكل من بالسيارة الأولى يرمي الذنب على المقابل والعكس بالعكس مع أن أحد الأطراف يعلم بأن الخطأ خطأه، السبب أننا ذو نزعة هجومية وذو طاقة قابلة للتفريغ بأي لحظة وفي أية ظروف، أي ليس لضياع النظام والألتزام ولا لعدم وجود تأمين يعالج أية حالة ببساطة كما هو الحال بأوربا هو سبب النزاع، بل يوحي الموقف وكأن الطرفان كانا مستعدان له قبل وقوع الحادثة. حادثة أصطدام على شارع داخلي بمدينة خارج العراق لا تأخذ من الطرفين سوى خمس دقائق وتنتهي بتوقيع المذنب ليقوم بعد ذلك بإرسال أوراق التأمين للشركة التي تقوم باللازم. طالما تنحو حوادث السيارات بالعراق وحتى البسيطة منها بالعراك والشتائم وتنتهي أسوء مما بدأت بكونه حادث عابر غالباً ما يكون غير مقصود ومبني على مخالفة أحد الطرفين لقوانين السير، ولو لم (يتطرف) أحد الطرفين وكان متسامحاً أكثر أمام غلطة المقابل، لمر الأمر على خير وما كان هناك حادثاً أصلاً.
عداء على أمر بسيط بين جيران، شجرة أحد البيتين ترمي بأوراق الخريف داخل حديقة الجار، ماذا يمكن للأول أن يفعل والشجرة مثمرة وعزيزة عليه، هل يقطعها أم يشوهها؟ كلما تكون أحتمالات معالجة الأمر ضيقة كلما تطرف الطرف الآخر وزاد عناداً ليصل به الأمر لجمع التأييد اللازم وصولاً إلى سابع جار، بينما في أيام طرحها الثمر يسمح لأولاده أن يتذوقوه بينما يحتمي هو في الظهاري بظلها. عرك بين طفلين يؤدي لنزاع بين الجيران، وتجدهم يستمرون بأنتقاد الأخر وتعريته أمام الآخرين وكشف عوراته وكأنه عدو، في وقت تجد أن الطفلين قد تصالحا وعادا يلعبان مع بعض!
في حبنا وفي كرهنا وعدائنا وتأييدنا، في أختيار صديق مقرب والحكم على عدو، على تربية حيوان بالمنزل وتشذيب حديقة وتربية أبن وطلاء لون وشراء سيارة... ربما نختلف بدرجة الفعل وردة الفعل لكننا وأنا على يقين متطرفون... متطرفون!
التطرف الذي يسري بدمائنا لم يأتِ من فراغ، فالعراق كبلد متطرف بأرضه وبأجواءة، فالأرض تمتنع عن أحتضان الأشجار حتى تنبت فيها بعناد لكنها حين تنبت تقوم برعايتها لتطرح الذ الثمار وأرقى المحاصيل، لنجرب أن نزرع فسيلة نخلة، هذه الشجرة الجميلة المفيدة المباركة، نجد أنه وفي أحيان كثيرة تعجز الشجرة أن تجعل الأرض تتقبلها، لكنها لو مسكت بالأرض نجد أن الأرض تدافع عنها لتحيا رغم الأهمال بدون حتى سقي وتسميد، ونجد الشجرة تكبر وتثمر في يوم دون أن تتلقى منا أي رعاية، هو نوع من التطرف بأمكانية البدء بالتمسك بالأرض وبالصمود عليها.
الجو والطقس، وهل يختلف معي أحداً بتطرف جو العراق؟ نقول أن مناخ العراق هو بحر متوسطي، أي أنه بارد ممطر شتاءاً وحار جاف صيفاً، وجو البحر المتوسط يعني تركيا واليونان وتونس ومصر والأردن... حتى جو كاليفورنيا يسمى مناخ البحر المتوسط لآنه يتميز بهاتين الصفتين. لكن لنأخذ البرد ولنرَ أن درجة الحرارة تنخفض تحت الصفر لبضعة أيام من كانون وشباط، العراق يتحلى بهذه الصفة التي تتطلب أن نهيأ وسائل تدفئة للمنازل والمرافق الأخرى ونوفر ملابس صوفية من الجوارب والبوتات حتى القماصل الجلدية، ومن المظلات والعوازل على الأبواب والشبابيك حالنا حال البلدان الباردة. أما بالصيف فبالوقت الذي تصل الحرارة بعمان لمنتصف الثلاثينات وبالليل تنخفض تحت العشرين مما يتطلب فقط توفير مراوح لبعض ظهاري تموز وآب، ونفس الأمر بمصر وفي جنوب أيطاليا وغيرها، حتى أن ربط مكيف في الدور يدفع البعض للنظر بأنه أمر كمالي، لكن هل يمكن أن نكتفي بمروحة في بيت ببغداد والبصرة وحتى بالسليمانية بأيام الصيف الملتهبة وفي لياليه؟ في الخليج لا يعرفون الشتاء بل أن السياحة تنتعش بأشهر الشتاء بدبي لأنه جو مثالي وربيعي، كل مرافقهم نخلو من أي وسيلة تدفئة، أي أنهم يعرفون الصيف ولا يعرفون الشناء، إذاً لماذا هذا التطرف فقط بجو بلدك أيها العراقي؟
سياسة الدولة بالسابق وسياسة الأحزاب اليوم كلها متطرفة، إما قريبة جداً من الآخرين أو معادية لهم بشدة، كرهنا الغرب وأميركا سابقاً لأنهم يدعمون إسرائيل، مع أن بقية العرب بنو سفارات لها، حملنا راية الجهاد والتحرير التي نظر لها حتى الفلسطينيون بحذر وعدم قناعة، أحببنا الأتحاد السوفيتي وأدخلنا شركاته وملأنا شوارعنا بسيارات صُممت لأجواءه الباردة فأستغاثت من الظلم الذي أوقعناه عليها فكرهناها بتطرف. كرهت حكومتنا إيرن يوماً وحرّمت علينا حتى (المينو) الذي هوعبارة عن حبات قهوائية لذيذة الطعم يتذكرها جيلنا ويبحث عنها بالسر في أسواق شقلاوة وأربيل، الغريب بأن بلد نعاديه بالأمس نصادقه اليوم وفي الحالتين يكون ذلك بقوة... وبتطرف.
تقول أجاثا كريستي أنها حين عاشت سنوات بالموصل وكان زوجها عالم آثار يقوم بالتنقيب عن حضارة الآشوريين التي ياريتها لو بقيت يحفظها التراب لكان خيراً لها من أهمالها اليوم وتدميرها، ماذا سيقول عنا (أشور بانيبال) لو يحيا اليوم؟ أنتم تصوروا ردة فعله! تقول (أجاثا) بأنها كانت تظن بأن العراقيين كلما يلتقون يتبادلون الشتائم والعراك، وحين فهمت طباعهم وتقربت من الناس العامة أكثر، وجدت أنهم إنما كانوا يتبادلون التحايا لكن بوجه عبوس وبحدة فائضة، فهم لا يمكن أن يسترخون ويكونون (ريلاكس) أبداً. صحيح، تجدنا حتى بالتعامل مع أبنائنا فإن ثقافة الـ (لا والممنوع والعيب) هي الغالبة والتوبيخ على أشده حتى يألفه الطفل ولم يعُد يكترث به.
ليس هناك من يقول ويعترف أو أحياناً حتى يعرف بأنه أنسان متعصب أو متطرف، ومع أني شخصياً أقول بأني لستُ بمتعصب أو متطرف، لكنني أشهد بأن حبي للعراق جعلني متطرف بكل ما يتعلق به، أحب بشدة كل من ساعده يوماً وهم قلائل، وأكره كل من ناصبه العداء وأضر بسمائه وبمياهه وبزرعه... وهم للأسف كثرة، هل وجدتم أكثر من العراقيين، فنانون وأدباء وغيرهم، يتغنون بحب بلدهم الذي لم تسقِهم الأنظمة فيه غير الذل والعذاب والسجون وكتم الحريات والجوع والمرض؟ لم أقرأ بحياتي أشعاراً كتبت بمدينة مثل بغداد ولا بلد ونهر مثلما عن وطننا!
علمني العراق أن أتحمل وأتعامل وأعيش التطرف وكأنه أمر واقع، لكني لم أتعامل معه خارج حدود محبة وعشق هذا البلد الذي زرع فينا جميعاً التطرف بحبه. ربما حرارة بلدنا ترفع من سخونة دمائنا لنصبح من اللبائن (متغيرة) الحرارة، هذه الطاقة الأضافية يجب (تفريغها) بأحد من حولنا، وإن لم نجد فيجب علينا تفريغها بأقرب الناس لنا أو حتى بذاتنا، ربما لحكمة من رب العالمين!
عماد حياوي المبارك
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
× مفهوم التطرف Extremity يعني أن أفعال الشخص مرهونة بأفكاره التي غالباً ما تكون مظاهره متشنجة ولجوءه أحياناً للعنف في التعبير عنها. لا يمكننا تعيين حدود دنيا للتطرف فهي مرهونة بردة أفعال نتيجة ظيم يقع عليه أو غسيل أدمغة أو مصالح ذاتية ومجتمعية. يذهب البعض للإنغلاق والجمود Dognatism وتبني فكر جهادي يؤدي لدفع أثمان باهضة تصل لحياتهم.
× الفدائيون في ساحات الوغى، اليابانيون بالحرب العالمية الثانية الذين قاطعوا الطائرات الأمريكية (البي 52) القاذفة العملاقة بطائراتهم الحربية الصغيرة هم شهداء يفخر بهم تاريخ اليابان، كذلك شهداء القضية الفلسطينية وغيرهم ربما تبنوا أفعالهم بحالة حب أوطانهم ووجدوا الوسيلة للتعبير عنه، وحتى لو أنه نوع من التطرف، فهو مبرر من أجل قضية ونضال من أجل شعب، لذا لا يمكن المزج بينهم وبين متطرفون يقتلون الأبرياء داخل المدن الآمنه من أجل قضايا خاسرة أول ما تُسيء لهم ولأفكارهم المتطرفة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تفاصيل بنود العرض الإسرائيلي المقدم لحماس من أجل وقف إطلاق ا


.. أمريكا وفرنسا تبحثان عن مدخل جديد لإفريقيا عبر ليبيا لطرد ال




.. طالب أمريكي: مستمرون في حراكنا الداعم لفلسطين حتى تحقيق جميع


.. شاهد | روسيا تنظم معرضا لا?ليات غربية استولى عليها الجيش في




.. متظاهرون بجامعة كاليفورنيا يغلقون الطريق أمام عناصر الشرطة