الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


انقلاب ..وموجة عكسية مرتدّة

سماح هدايا

2016 / 7 / 31
مواضيع وابحاث سياسية


انقلاب ..وموجة عكسية مرتدّة
الوقوف عند حدث الانقلاب الفاشل على الحكومة الشرعيّة المنتخبة في تركيا، ضروري، لفهم تأثيره التاريخي على تركيا ووحدتها وديمقراطيتها، وعلى الحراك الثوري السوري والعربي، وعلى الواقع الاقليمي. سأبيّن، بإيجاز، أهميّة الحدث ، وسأعلّق على التفاعل السوري معه، ثم أوضّح ضرورة القراءة السورية الهادفة للحدث.
بداية:
الشخص المتابع للحراك الثّوري العربي والسّوري ومحيطه الاقليمي، والقارىء للتاريخ السّوري والعلاقات العربيّة التّركيّة منذ قرن ونصف، خصوصا مرحلة اليقظة العربية وصعود القوميّات العربيّة والتركيّة وغيرها؛ سيرى موضوعيّاً أنّ الحدث المضاد للانقلاب العسكري تاريخيّ، سواء في طبيعته التي تحمل تغييرا واسعاً وعميقاً وسريعاً في البنى السياسية الاجتماعية النافذة، أو في مفاعلاته لصياغة الهوية التركيّة وحسم مقولاتها الفكرية والسياسية المتصارعة، منذ أكثر من قرن، أو في تأثيره على مسار الثورات العربية والثورات المضادة لها.
الانقلاب سقط، كما بدا، بفعل الإرادة الشّعبيّة التركيّة المنظّمة، ونتيجة الوعي الجماهيري الوطني، وبحكمة القيادة السياسية؛ فأعطى دفعاً للسير المدني ولتمتين المؤسسات المدنية والمجتمعية ومرجعياتها القانونيّة، أمام قوة العسكر وحلفائها من التيارات العاملة على السّيطرة وتفكيك الدولة الديمقراطيّة وتقسيمها اثنيا. الانقلاب وضع تركيا في مواجهات مباشرة مع الغرب السياسي، بسبب موقف الحكومة الحاسم والصارم في التصدي للانقلابيين ولحواضنهم وارتباطاتهم، وقد يغيّر لاحقا في الاصطفافات الإقليميّة السياسية، وفي اتساع النّزاعات والحروب.
الثورة السوريّة نالت دعماً معنويّا عاليا، نتيجة فشل الانقلاب وفشل حلفائه المعادين للثّورة السوريّة، سواء النظام السّوري، أو الأطراف التّركيّة المعادية للثورة، التي كانت تهدّد بطرد السوريين والانتقام منهم في حال سقوط حكومة العدالة والتنمية والرئيس التركي" أردوغان". ولن يكون الحدث بمنأى، أيضا، عن مستقبل الثورة المصريّة التي حاول السيسي العسكري الاستيلاء على قرارها. فالمواجهة الإعلاميّة المباشرة للسيسي وتأييد الانقلاب، ضد الحكومة التّركيّة الشرعيّة المنتخبة شعبيّا وديمقراطيّا، وقادتها المتصديّة للانقلاب هو موقف غير ديمقراطي، وجزء من الحرب على الحراك الثّوري المصري، لكيلا يستلهم ممّا حصل، بما يفيده في ثورته وفي خطابه السياسي.
وانتقالا إلى التّعاطي السوري مع فشل الانقلاب
طبيعي أن يؤيّد الانقلاب على الحكومة التركيّة، النّظام السّوري وعصاباته وشبيحته، لأنّ الانقلاب سيصبّ في مصلحة النظام ضد حزب العدالة التنميّة الحاكم، وضدّ تركيا الديمقراطية الموحدة التي تدعم الثورة السورية والمعارضة، وتحمي ملايين اللاجئين السوريين، وتساعد في إغاثة الشعب المنكوب. وطبيعي أن يحدث، أيضا، انقسام شعبي على موضوع الانقلاب؛ فالثورة المضادّة ربطت الإرهاب بالحكومة التّركيّة وبشخص الرئيس أردوغان وحزبه. وكثيرون من الذين كانوا مع الانقلاب، وضد الحكومة التّركيّة ورئيسها أردوغان، إما موالون لنظام الأسد، أو رماديون، أو محبطون مغرّر بهم ، أو تائهون يفقدون النظرة الموضوعيّة والتاريخيّة، أو مؤدلجون مضادون للإسلام، وللإسلام السياسي، بحق وغير حق، يضعون حزب العدالة والتنمية في رأس قائمة الإرهاب السياسي الإسلامي، أو إعلاميّون تسيّرهم إرادة التمويل الاستخباراتية.
وطبيعيّ أن تقف جموع واسعة من الشعب السوري ومن الشعوب العربية ضد الانقلاب وتفرح بفشله وتؤيّد الحكومة التركيّة وقائدها أردوغان؛ لأنّها تعاني من ويلات الحكم العسكري المستبد وتحكّم الدكتوريات في بلادها وإجرام الطغمة العسكريّة، وترى في الديمقراطية التركيّة وقيادتها أملا وأمانا. وطبيعي، أيضاً، أن ينبري جزء من المثّقفين الديمقراطيين للنقد والتخويف من التطرّف في ردة فعل الحكومة التركيّة على الانقلاب، خوفا على مصير الديمقراطيّة في تركيا؛ لاهتمامهم الديمقراطي النظري... لكنْ، غير طبيعي أن تنجرف أطياف من السوريين في اتجاهات متطرّفة غوغائية عصبويّة، بين من يجعل الرئيس أردوغان منزلا من السماء، أو سلطان المسلمين، أو الخليفة المنتظر، والقائد الأعظم، ويعدون حلقات المديح القدسي، وبين من يشيطنه ويجعله إرهابيا مجرما، وحاكما يدير المؤامرات على شعبه وعلى العالم ليتحكّم ويبطش باسم الإسلام، ويشيدون له حلبات الرجم. فهذه المناظير في غاية الخطورة والسوء، تعكس ذهنية جاهلة وعصبويّة وفاسدة ومنافقة، تحوّل القضايا المصيريّة للأمم أشخاصاً ومنظورات شخصيّة.
واللافت الخطير رؤية أشخاص لهم صبغة فكرية مضادة للإسلام والأسلمة، وأعداء أي طرح إسلاميّ سياسي وغير سياسي، وأي شعار ديني، وضد أردوغان ومشروعه، وضد تركيا التي، كما يقولون، غرّرت بالشعوب واستخدمت الثورات للتخريب، يخرجون الآن في المهرجانات، وعلى مسارح الساحات التركيّة، يصفقون تعبيرا عن تضامنهم مع الحكومة والشعب، ومع القائد أروغان، ومع شعارات الله اكبر. هؤلاء هم المنافقون الذين يندسون في الجماهير، وفي المعارضة السورية، وفي معارضة المعارضة السورية ويمثّلون. وهم الخطر الكبير، لأنهم يتلونون، بحسب مكاسبهم الشخصيّة، وكجزء من أي ثورة مضادة توافق مصالحهم وأهواءهم.
ووصولا للخلاصة؛ فما حصل في تركيا من انتصار الديمقراطية السياسية على الانقلاب العسكري وعلى التيار الذي سعى إلى بناء دولة داخل دولة، بغية تفتيت الدولة الموحدة، وتقسيم تركيا ثم سوريا والمنطقة، أمر مهم جدا، ويستوجب من العقل السوري على جميع المستويات إعادة قراءة التجربة بموضوعيّة؛ خصوصا أنّ:
- تأليه الأشخاص وعبادة الأفراد صفة العبيد لا الأحرار. تضرّ بمشروع الوطن. الثورة على الانقلاب التركي، ليست لأجل شخص، بل لأجل دولة ديموقراطية موحّدة. وفهم الأمور من زواية الشخصنة تضليل، ويزيد في إشكاليات الصراع.
- الوعي الشعبي المنظم هو القوّة في حمايّة الدول. الديمقراطية لا تحصل بغمضة عين، ولا تأتي بأوامر فوقيّة، وليست لمصلحة فصيل ديني أو قومي او حزبي، إنما هي محصّلة خبرة اجتماعية وسياسية تفاعليّة بين الجماهير وقياداتها في مسار وطني، ولتدوال للسلطة وفق الأسس القانونية والدستورية.
- الحرية من دون قانون ومرجعيّة أخلاقيّة فوضى وغوغائية. فالخصومات والنزاعات وحراك البغضاء بالتشهير والإساءة والتحطيم تحت مسمى حرية الرأي والتعبير فوضى وتفكيك للروابط الوطنيّة. والإعلام النبيل لا يكون في هذا المصف.
- هيمنة العسكر على الحراك المدني والحياة الثقافية، تعرقل نمو الحريات وقيام العدل والديمقراطيّة، ونهضة المدنيّة والتحديث، لاسيما عند انصباغها بأيديولجية مستبدة؛ علمانيّة أو دينيّة.
- الإسهام الإيجابي للمرأة التركيّة والشباب في حماية الديمقراطية والدولة ضد الانقلاب، درس للعقلية السورية ولمعارضتها الرسمية، لكي تخلع عنها أحمال العقل الذكوري والأبوي، في الذهنية السياسية والمجتمعية، وتعيد النظر، مبدأيا وعمليّا، في أهمية مشاركة المرأة والشباب سياسيا.
الثّورة المضادة بدأت بإغلاق فصلها، والفصول الآن مفتوحة لنهضة الثورة، ما يستوجب تجديد الفكر الثوري ومقولاته، والاستقامة في الفعل السياسي والاجتماعي بنبذ النفاق والخيانة والتمزّق والتوحّش، والتحرر من التبعية العصبويّة لشخص أو حزب أو جماعة أو عرق أو مذهب، أو دعوة انفصاليّة.
د. سماح هدايا








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيل مستعدة لتوسيع عملياتها العسكرية في غزة إذا فشلت المف


.. واشنطن متفائلة وإسرائيل تبدي تشاؤما بشأن محادثات هدنة غزة




.. التصعيد العسكري الإسرائيلي مستمر في رفح .. فماذا ستفعل واشنط


.. الصفدي: نتنياهو يتجاهل حتى داعمه الأول.. ومواصلة اجتياح رفح




.. الجيش الأميركي: الحوثيون أطلقوا 3 مسيرات من اليمن دون خسائر