الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حلب تنتصر على القتل والتدمير والتقسيم

بدر الدين شنن

2016 / 7 / 31
مواضيع وابحاث سياسية


حلب ترقص فرحاً .. بانتصارها على الإرهاب الدولي .. وعلى القتل الهمجي .. وعلى التدمير المتعمد لعمرانها ، ومعالمها ، وقيمها الحضارية ، ولصناعتها المتطورة الشهيرة ، واقتصادها الواعد .
ولتقدير القيمة الإنسانية .. والوطنية .. والحضارية .. للفرح الحلبي العارم الصاخب الكاسر للخوف ، والممزق لحجب التخلف والهمجية ، يجب أن نضع الانتماءات السياسية المتوترة ، والانفعالات ، والعصبيات ، الناتجة عن حساسيات التنافس والصراعات السابقة ، والجديدة الناتجة عن الحرب ، وأسبابها ، ومكوناتها ، جانباً ..
ونجري بموضوعية .. وبروح عالية من المسؤولية .. مقارنة ، لما كانت عليه حلب قبل " هبة " الأحقاد ، والانحرافات ، والارتزاق المأجور ، والانخراط في حرب ، ليس لسكان حلب فيها أي مصلحة إيجابية متقدمة ، وإنما لم كان نصيبها فيها ، حسب مخططات هذه الحرب ، الاستهداف الدموي ، المدمر ، لصالح قوى إقليمية ودولية ، باتت لعبتها القذرة مكشوفة ، من خلال أفعالها ، وجرائمها ، وأسمائها .
لقد كانت حلب حقاً عاصمة الشمال ، باقتصادها المتنامي .. وعمرانها الجميل .. وتراثها التاريخي والثقافي . وحاضرها المتفاعل مع البنية السورية الحيوية النشطة في مختلف المجالات .
وكانت دائما ً القصد والسبيل ، للطموحين ، المتطلعين إلى المجد ، والتقدم ، والاستثمار ، والربح ، بالتعاون مع الخبرات الحلبية المتراكمة ، واليد العاملة الماهرة ، والعقول الذكية .
وكانت لعشاق التاريخ ، ومعالمه الحضارية ، ساحة رحبة ، للبحث ، والمتعة الاستكشافية والثقافية الثرية .

وهناك مواقع في حلب ، تتجسد فيها كل ما يرمي إليه ، الاقتصادي المنتج .. والفنان المبدع .. والمؤرخ النزيه .. والعالم العبقري .
أول ما يلفت عند الإطلالة على حلب ، هو قلعتها الشامخة ، التي احتضنت عبر التاريخ ، أبطال المدينة وقادتها ، والمدافعين عنها ، واحتضنت حضارات مرت وترسخت فيها . ما جعلها تنهد معبرة عن كبرياء ، وشجاعة ، وكرامة ، وصمود الحلبيين .. شعباً وجيشاً في مختلف العهود .
إن في متحف حلب الوطني ، الآلاف من الوثائق والمعالم الأثرية النادرة ، التي تتمثل فيها سيرورة الحضارات الإنسانية في سوريا .

وإلى جانب القلعة .. يتجسد الوجه الآخر لحلب . هو الوجه الذي يؤمن كل احتياجاتها . إنه سوق "" المدينة " الكبير ، الممتد مع أسواقه الفرعية عنه كيلومترات عدة . وهو يمثل أيضاً الروح الاقتصادية للمدينة . وبغناه ، وتنوعه ، وعلاقاته القديمة المستدامة ، استيراداً ، وتصديراً ، يمثل درع المدينة المعيشي ، والقوة الداعمة للقوى الضاربة في القلعة وفوق الأسوار .
وهناك المساجد والكنائس التاريخية العريقة . المتجاورة ، المعبرة عن التلاقي الجمعي التعددي ، من أجل حياة ملؤها ، المحبة ، والأخوة ، والسلام .
وهناك الأحياء القديمة ، مأوى ، ومفخرة الطبقات الشعبية ، التي يمثل نموذجها العمراني المتلاصق ، وبناها التحتية ، وحدات سكانية متكاملة . ويمثل نسيج سكانها ، مجتمعاً نوعياً فريداً . وفي هذه الأحياء هناك " الكتاتيب " التي تخرج منها ، حملة الفكر والقلم . وفي زواياها الصوفية ، برز فن الإنشاد والمنشدين .. وأبرز عطاءاتها كان " القدود الحلبية " .
وامتداداً للعمران ، وبالقرب من المدينة ، تنتشر كروم الفستق الحلبي الشهير ، وكروم الزيتون ، والعنب والتين ، وبساتين الخضار والثمار المتنوعة .
ويمر في المدينة من الشمال إلى الجنوب " نهر قويق " الذي كان " أبي العلاء المعري " يشتهي قطرة من مائه .
وقد برزت عظمة حلب ، في عهدين تاريخيين هامين . حيث كانت عاصمة سيف الدولة الحمداني .. وكانت المدينة الثالثة في الإمبراطورية العثمانية ، بعد استانبول والقاهرة .

هذه المدينة العظيمة ، بسكانها .. وعمرانها .. واقتصادها .. وبطولاتها بوجه موجات الغزو والاجتياحات الأجنبية .. صارت عام ( 2012 ) هدفاً مباشراً للإرهاب الدولي ، ومن خلفه الدول الإقليمية والدولية الداعمة له ، لاسيما إسرائيل ، وأميركا ، وتركيا ، والمملكة السعودية ، وقطر ، وفرنسا ، وبريطانيا . ولكل من هذه الدول مشروعها الخاص في حلب ، الذي يتراوح ، بين التوسع ، والطموح الإمبراطوري . لكن كل هذه المشاريع تتقاطع في مسألتين 1 - الطمع بالثروات السورية الطبيعية وخاصة النفط والغاز في البر والبحر ، 2 - العمل على إلغاء حلب التاريخية الكبرى ، والدوس على كل ما يمدها من مقومات البقاء . بمعنى تدمير كل ما يشكلها مدينة ، مؤهلة ، لتحتل مكانة عاصمة الشمال السوري ، عمراناً ، وسكاناً ، واقتصاداً . وتدميرها كجزء جغرافي سياسي ، يؤدي إلى تدمير الوجود السوري برمته .

ولتنفيذ هاذ المخطط الإجرامي ، كان ينبغي استقدام مجرمين غرباء .. لم يولدوا بحلب ، ولم يشربوا حليبها وماءها .. فالحلبي مهما جرى تحويله عقلياً وإجرامياً ، لا يمكن بالمجمل ، أن يدمر الحي الذي ولد فيه .. والمدينة التي منحته .. هويتها .. ونسماتها .. ورغيفها ليحيا .
وفي هذا المضمار جرت محاولات عدة من قبل الإرهابيين ، للسيطرة على قلعة المدينة ، لتدميرها ، بتحويلها إلى ميدان قتال ولما فشلوا ، حاولوا تدميرها بواسطة الأنفاق المفخخة . وقاموا بتدمير الأسواق القديمة ، بعد أن نهبوها بالكامل . وجرى قصف الأحياء السكنية واحتلال بعضها . ما أدى إلى سقوط عشرات آلاف الشهداء ، ونزوح وهجرة الملايين . وجرى تفكيك مئات المعامل وسرقتها ونقلها إلى تركيا ، وتحولت بعض الحدائق العامة إلى مقابر .

ولما استعصى على الإرهابيين السيطرة على كامل أحياء المدينة ، لجأوا إلى عمليات رماية القنابل والصواريخ وجرار الغاز المتفجرة ، على الأحياء التي بقيت خارج سيطرتهم . وقد تعرضت حلب أكثر من غيرها من المدن السورية لحرب القذائف اليومية . وسقط فيها العدد الأكبر من الشهداء والمصابين . وفي الأيام الأخيرة ، قام الإرهابيون بقصف المتحف الوطني بحلب ، في محاولة لتدميره ، كيداً ، وتخلفاً ، وانتقاماً من الوطن ، ومن تاريخه العريق .
ونتيجة لهذا العدوان الإرهابي الدولي التدمير المتواصل ، تحول عدد من الأحياء ، والأسواق ، والمدارس ، والمشافي ، إلى خرائب مثيرة مرعبة .

ولهذا رأينا بعد أن قضى الجيش السوري على المواقع ، الإرهابية ، التي تصدر منها قذائف الموت والتدمير ، وفي مقدمها " حي بني زيد " رأينا كيف فتحت الشبابيك ، في الأحياء التي كانت ضحية القصف الهمجي ، رغم ما في القلوب من أحزان وجراح على الشهداء والمصابين ، فتحت للوجوه المبتسمة الفرحة ، فتحت للزغاريد .. والتعبير عن أشكال لا حصر لها من السعادة والفرح .
وتحولت الساحات والشوارع ، التي كانت شبيهة بساحات إعدام ، نتيجة القصف الذي طاول العابرين منها .. تحولت إلى ساحات رقص ، وأناشيد معبرة عن حب الوطن ، وحب الحياة والبقاء . إن كل ما ألم بسكان حلب من قتل وتدمير وتقسيم ، يمنحهم الحق ، أن يعلنوا انتصارهم على القتل الهمجي المتوحش ، وعلى مخططات الضم والإلحاق بالمشاريع الإقليمية والدولية والإسرائيلية ، وحتى تقسيم المدينة نفسها .

ومن حق أبناء حلب أن يفخروا بصمودهم ، وشجاعتهم ، تحت قذائف الموت اليومي ، وأن يسجلوا في تاريخهم الحديث .. أن حلب باقية .. وستبقى موحدة .. عاصمة للصمود .. وعاصمة للشمال السوري .. وهي السور السوري التاريخي المقاوم .. ضد عدوانية روم بيزنطة ، وغزوات المغول والتتار ، والعثمانيين الظلاميين ، والفرنسيين المستعمرين . مؤكدين في الوقت عينه ، على حقيقة تاريخية ، وراهنة ، أن حلب هي سوريا .. وسوريا هي حلب . ولهذا إن انتصار حلب هو انتصار سوريا .

إن انتصار حلب في المواقع الإرهابية الخطيرة ، سوف يغير قواعد الاشتباك مع الإرهاب في أحياء أخرى بحلب وما حولها من المناطق . وسيغير كذلك قواعد الحوار في " جنيف 4 " حول الحل السياسي .

إن من قلب أعراس الفرح بالانتصار على القتل والقتلة ، يتدفق الرجاء النبيل الصادق ، أن يتم النصر في سوريا كلها .. وأن يعود النازحون والمهجرون آمنين مكرمين ، إلى حيث كانوا يسكنون ، وأن يعم السلام ، والتسامح ، كل المدن والأرياف .. وأن تفتح كل الشبابيك .. لأضواء ونسائم الحرية والأمان والأخوة في كل بيوت سوريا .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. انتخابات رئاسية في تشاد بعد 3 سنوات من استيلاء الجيش على الس


.. الرئيس الصيني في زيارة دولة إلى فرنسا والملف الأوكراني والتج




.. بلحظات.. إعصار يمحو مبنى شركة في نبراسكا


.. هل بات اجتياح مدينة رفح قريبا؟




.. قوات الاحتلال تقتحم مخيم طولكرم بعدد من الآليات العسكرية