الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كاديما: اجماع اسرائيلي جديد

يعقوب بن افرات

2005 / 12 / 18
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم


انتخابات 2006
كاديما: اجماع اسرائيلي جديد

بتشكيل "كاديما" لم يبحث شارون عن حل مع الفلسطينيين، بل عن خلق اجماع اسرائيلي جديد، يستثني معارضي الانفصال من اليمين المتطرف واليسار الصهيوني الداعم لاتفاق جنيف. الاساس السياسي لحزب شارون هو مواصلة نهج الانفصال لرسم الحدود الثابتة لاسرائيل، دون اتفاق مع الفلسطينيين، طبقا لتفاهمات سابقة بين شارون وبوش.

يعقوب بن افرات

قيام رئيس الوزراء الاسرائيلي، اريئل شارون، بتأسيس حزبه الجديد "كاديما"، هو التعبير عن الانفجار السياسي الكبير الذي روّج له حاييم رامون (حزب العمل)، على خلفية الانفصال الاحادي الجانب عن قطاع غزة. وكان شارون قد فشل في الحصول على دعم مركز الليكود في الاستفتاء الذي اجراه للحصول على دعم لبرنامجه السياسي. ومع هذا قرر شارون تنفيذ خطته مستندا في ذلك الى دعم حزب العمل والبيت الابيض الامريكي.

خطة الانفصال لم تكتمل بعد، بل يسعى شارون لرسم حدود اسرائيل الثابتة. ويستند في ذلك على المبادئ التي تم اعلانها في المؤتمر الصحفي المشترك له وللرئيس الامريكي، جورج بوش، في 14 نيسان 2004، وجوهرها ضم الكتل الاستيطانية الكبيرة للسيادة الاسرائيلية، والاعتراف بالقدس عاصمة موحدة ابدية لاسرائيل.

ورغم التصريحات الرسمية بان الجدار الفاصل هو حاجز امني لا سياسي، يتضح اليوم ان الجدار آخذ بالتحول الى حدود دولية تفصل بين الضفة الغربية واسرائيل. ويعني هذا ان الدولة الفلسطينية اذا قامت، ستقوم في المناطق الشرقية من الجدار.

ورغم ان شارون اعلن عن خريطة الطريق اساسا برنامجيا لحزبه الجديد، الا ان هذا المخطط ليس اكثر من تصور عام يسعى للانسجام مع الموقف الدولي والتأكيد على التزام اسرائيل تجاه العملية السلمية. ولا يمكن اعتبار خريطة الطريق مخططا ملموسا قابلا للتنفيذ، وذلك لانها تشترط التقدم في العملية التفاوضية بسيطرة السلطة الفلسطينية على الوضع الامني في المناطق الخاضعة لتصرفها، وهو ما يبدو مستحيلا في الظرف الراهن.

شارون اذن لم يكن يبحث عن حل مع الفلسطينيين عندما شكل حزب "كاديما" (الى الامام). كل ما هناك انه سعى لخلق اجماع اسرائيلي جديد، يستثني معارضي الانفصال من اليمين المتطرف المتمثل بمتمردي الليكود والمستوطنين، وكذلك من اليسار الصهيوني المتمثل بما تبقى من حزب العمل وميرتس الذي روّج لاتفاق جنيف.

ومع ان اليسار الاسرائيلي يدّعي ليل نهار ان شارون ينفذ مخططا يساريا، الا ان العكس هو الصحيح. فشارون هو الذي يقود واليسار هو الذي يلتحق به، كما ان مخطط الانفصال يعتمد على التصور اليميني الذي يقول بعدم وجود شريك فلسطيني لاتفاق دائم. وهو نفس التصور الذي جعل شارون في حينه يعارض اتفاق اوسلو ويحرض ضد رئيس الوزراء السابق رابين الذي وقعه. انضمام شمعون بيرس لحزب شارون، كان اكبر اعتراف بموت اتفاق اوسلو، وبضرورة انتهاج السياسة الاحادية الجانب ضد الفلسطينيين.

لقد انهار اوسلو لان اسسه كانت غير سليمة. فقد فرض موقف اسرائيل على الفلسطينيين، وتجنب معالجة اهم القضايا العالقة بين الطرفين، وهي الاستيطان، القدس واللاجئين. من خلاله اوهم الاسرائيليون انفسهم بامكانية العيش بامن وسلام مع سلطة فاسدة، استيطان زاحف، خمسة ملايين لاجئ، وقدس خاضعة للسيطرة الاسرائيلية. وقد دام هذا الوهم حتى انفجر الشعب الفلسطيني في اكتوبر 2000 مع دخول شارون الحرم الشريف.

وهم اوسلو تبدّل بوهم اخطر منه هو الانفصال الاحادي الجانب. ففي حين غيّب اوسلو القضايا الجوهرية، فان الانفصال الاحادي الجانب والجدار الفاصل يغيّبان الشعب الفلسطيني نفسه.

الغريب ان الاجماع الاسرائيلي الجديد مبني على الحكمة التي تقول "ما لا نراه لا وجود له"، او كما قالها رئيس الوزراء السابق، ايهود براك (حزب العمل): "هم هناك ونحن هنا". ولكن المشكلة ان "ما لا نراه" ومن يعيش "هناك" هو شعب كامل محاصر في مناطق معزولة، دون مصادر عيش، دون سيادة حقيقية وتحت سلطة منهارة. ان هذه السلطة هي بلا شك ضحية اخطائها، ولكن لاسرائيل كان دور رئيسي في اضعافها وإفساح المجال لفوضى السلاح.

لقد جرّ شارون حزب العمل مرتين الى صفه. الاولى كانت عام 2001، عندما منح حقيبة الدفاع لفؤاد بن اليعزر (العمل)، وشن عملية "السور الواقي" على السلطة الفلسطينية في نيسان 2002. وادت هذه العملية لخلق واقع جديد وفراغ سلطوي، استفادت منهما حماس التي تحولت الى منافس قوي في الساحة الفلسطينية.

ولكن رغم رحيل الرئيس الفلسطيني السابق، ياسر عرفات، وحلول محمود عباس (ابو مازن) محله، تعذر وصول اسرائيل للحل الذي تريد. وتبين بشكل ساطع ان العقبة لم تكن عرفات، بل تقويض اسرائيل للسلطة الفلسطينية. ابو مازن يريد ان يسيطر ولكنه لا يستطيع، ومن هنا توصلت اسرائيل للاستنتاج بعدم وجود شريك فلسطيني، وبان عليها ان تفاوض نفسها وتقرر مصير المناطق الفلسطينية. وكانت هذه المرة الثانية التي احتاج فيها شارون لبيرس، والسبب لتشكيل حكومة الوحدة في عام 2005.

لقد تمكّن شارون من تحويل نهجه الى اجماع جديد في اسرائيل، وقضى بذلك على احتمالات اي منافس له في الانتخابات. فقد ضعف حزب العمل بعد انضمام اهم زعمائه بيرس ورامون الى حزب شارون. اما الليكود فتحول لحزب صغير، ورهينة بيد بنيامين نتانياهو الذي فقد مصداقيته منذ هزيمته في الانتخابات امام براك عام 1999. ويعتبر نتانياهو شخصية انتهازية تضع مصلحتها فوق اي اعتبار آخر، فقد كان شريكا اساسيا في حكومة شارون، ولم يتركه الا لنفاذ صبره واستعجاله لخلافة شارون في منصب رئاسة الليكود والحكومة.

لقد جرّبت اسرائيل مع رابين نهج التضليل والتسويف عام 1992، ولم يدم هذا اكثر من سبع سنوات حتى انفجر في اكتوبر 2000. واليوم تتقدم مع شارون بثبات نحو تنفيذ نهجها الانفصالي الجديد، هذه المرة بهدف تغييب الشعب الفلسطيني، وكما يبدو سيفوز هذا النهج بالاغلبية في الانتخابات القادمة.

ان نهج الاعتراف بالشعب الفلسطيني وحقوقه الكاملة لم يجرَّب حتى الآن، وربما لن يجرب ابدا، لأن الصهيونية مبنية على انكار هذه الحقوق. لقد بنت اسرائيل الجدار الفاصل، وهي تتقدم باتجاهه بكل ما اوتيت من قوة، حتى يصطدم رأسها بجدار الواقع، كما اصطدم اول الامر بوهم اوسلو. ان حزب شارون اذن، ليس واقعا ثابتا بل ظاهرة عابرة تعبر عن الطريق المسدود الذي وصلت اليه الساحة السياسية في اسرائيل.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المجر بقيادة أوربان تتسلم الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي..


.. الانتخابات التشريعية الفرنسية.. التجمع الوطني: الإغواء الأخي




.. انتخابات فرنسا.. ماذا سيحدث إذا لم يحصل أحد على أغلبية مطلقة


.. مستقبل غزة في -جيوب إنسانية- .. ملامح -اليوم التالي- تتكشف




.. إسرائيل تعتزم بدء المرحلة الثالثة من الحرب على غزة خلال أيام