الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل جاء العبيدي بجديد ؟!

عارف معروف

2016 / 8 / 2
مواضيع وابحاث سياسية




مَنْ عبّر َعن الدهشة او المفاجأة مما ورد من فضائح على لسان وزير الدفاع خالد العبيدي انما يعبر عن ضعف الاحساس او قلة المعرفة بالواقع الذي نعيشه ونكتوي بناره منذ ثلاثة عشر عاما . فمن لا يعرف ان عقود التجهيز المليونية هي موضوع فساد هائل وصراع ضار بين الكتل البرلمانية النافذه ورؤساءها ؟ومن لا يعرف ، مثلا ، ان الكرابلة يبيعون ويشترون الوزارات ؟ ومن لم يسمع ان وزارة الدفاع الحالية كانت قد بيعت بأثني عشر مليون دولار، وان وزارة التجارة كانت قد اشتراها السيد ملاس الكسنزاني من الكتلة التي كانت هذه الوزارة من حصتها بعشرة ملايين دولار كما قيل في وقتها ؟ بل من يجهل ان مناصب المديرين العامين في معظم الوزارات وخصوصا الوزارات ذات التخصيصات المالية الكبيرة واوجه الصرف الواسعة وعقود التجهيز المليارية مثل الدفاع والنفط والتجارة والمالية والصحة والداخلية وغيرها هي مناصب تباع بالسرقفلية ؟
يبدو ان النسيان والاستسلام قد تغلب علينا وطبع وعينا اليومي بطابعه ، ففضيحة تلزيم السيد يزن ابن مشعان الجبوري بإطعام افواج الحمايات للمنشآت اوالانابيب النفطية بل وتوليه تشكيل افواج الحمايات والفارق الهائل بين العدد الوهمي المسجل والموجود الحقيقي ، وفضيحة وزير الدفاع العبيدي الاول وقبله ايهم السامرائي وفضائح الاعرجي والمطلك والملا وبيع اياد علاوي للمقاعد او الترشيحات النيابية على قائمته وفضيحة وزير التجارة الاسبق عبد الفلاح السوداني والذي صرح امام ملأ من معارفه ان ما أخذه من كومشنات بتوجيه ولصالح حزب الدعوه وحملته الانتخابية ، بل ان عتّالا بسيطا بدأ حياته بعقد تنظيف ارصفة بقيمة خمسمئة دولار فقط مع الامريكان هو السيد العقابي تحول الى ملياردير تعادل ثروته الثمانية مليارات دولار وصاحب شركات استثمارية كبرى وشركات حماية امنية عجز حتى رئيس الوزراء عن اعتقاله او اخراجه من المنطقة الخضراء بسبب عقود الفساد وشبكة علاقات الفساد الاخطبوطية التي كان يتخادم من خلالها مع رؤوس ومفاتيح في العملية السياسية والاجهزة الامنية بحسب ادعاءالمالكي؟
من نسي ما صرح به باقر جبر صولاغ عن فساد العقود في وزارة الدفاع وكيف نقل له ضابط كبير فيها انه شهد انفجار الطائرة الاوكرانية او البيلوروسية التي كانت موضوع عقد مع وزارة الدفاع في الجو وكيف قُتل الكادر العراقي الذي كان يحاول تجربتها مع كادرها الاجنبي لأنها كانت قديمة ولا تصلح للطيران غير انها طليت لغرض غش الجانب العراقي وتوقيع عقد ملياري بتوسط وتسهيلات احد النواب واحدى الكتل البرلمانية ؟!
ان كل مواطن بسيط ، يعرف ويتحسس الفساد السرطاني المستشري ،اذ هو يرى ويعرف ، يوميا ، وفي كل مفاصل حياته عشرات النماذج لموظفين صغار ومتوسطي الدرجات في هذا المفصل او ذاك بدأوا ببناء بيوت اسطورية تكلف ملايين الدولارات وعمارات واستثمارات هنا وهناك ، اما المدراء العامين ومعاونيهم فحدث ولا حرج ناهيك عن وكلاء الوزارات والوزراء. وان لهذا الفساد " الصغير " الملموس مثاله وحافزه ونماذجه المرّوعة في المؤسسات والهيئات العليا التشريعية والتنفيذية والقضائية ، وانها كلها وبمعظم اعضاءها او على الاقل قواها الفاعلة واساطينها كيان واحد متكافل ، متفاعل ،متخادم ،متحاصص الصفقات والعقود والمنهوبات مثلما هو متحاصص المناصب والدرجات وان الفضائح التي تحصل احيانا ويطلع الشعب على بعض وقائعها وتزكم الانوف روائحها العفنة ما هي الّا غيض من فيض ينتج عن سوء التوافق او عدم الاتفاق !
يبدو ان فضائح الفساد تنحو ، بالنسبة لوعينا ، منحى المجازر ، فمثلما تنسخ كل مجزرة جديدة ما قبلها وتركز كل انتباهنا على وقائعها الحيّة الحالية ،متناسين ، الى حين ،ما قبلها من كوارث ، تفعل فضائح الفساد الفعل ذاته بنسخ ماقبلها وتركيز اهتمامنا على الفضيحة الحالية خالقة نماذج كريهة نصبُ عليها جام غضبنا وابطالا زائفين يحضون بتعاطفنا وحماسنا ، متناسين ان هذه الواقعة ، مثل غيرها ، حلقة في سلسلة واحدة مترابطة .
لقد سرى هذا الفساد في كل مفاصل العملية السياسية حتى ان جهات كانت تحسب في غير متناوله قد غرقت في لجته بفعل طبيعة وآليات هذه العملية نفسها . لقد جرت تصفية بعض الاشخاص والرموز ، قبل ايام ، تصفية جسدية ، لأنهم تعملقوا مالا واجراما واصبحوا يتحكمون في مافيات شخصية ذات سطوة وتأثير حتى في داخل تلك الكيانات بل وباتت تشكل تهديدا قويا لها وتحديا لزعاماتها والتي فوجئت ، مثلا ، بان احد عرابي القوة والمال والنفوذ فيها هو شخص مجهول بالكامل لديها وانه منبّت ومقطوع الجذور ودعي ّ حتى بالنسبة لأسمه ونسبه ؟!! وهذا مؤشر على الفجوات الكبيرة التي تتيح الاندساس والتحكم ، لأن الكل مشغول بلعبة القوّة والمال ...
لقد تفاعل البعض بعاطفة مشبوبة مع ماكشفه السيد العبيدي ، الذي لا يكشف مستورا ، باعتقادي ، حتى ان احد النواب السذج او الكذابين عن سابق دراية وتصميم وصف ما حدث بأنه ثورة تؤسس لمسار جديد لدور مجلس النواب كهيئة رقابية !
ان هذا الفساد بصورته التي عرفناها خلال العشرات من الوقائع التي كُشفت او تسربت بعض تفاصيلها هو نتاج طبيعي وملازم لعملية سياسية تُضعف بل تفكك فيها الدولة لصالح كيانات ثانوية ، وتوزع فيها السلطات توزيعا متناحرا ومتقاتلا على الاسس القومية والطائفية والسياسية ، وتوكل مفاصلها الحيوية ومراكزها الحاكمة ،كلها ، للاكثر فسادا وارتباطا بالاجندات والمصالح الاجنبية. لقد مضى على الانظمة المستبدة ، انظمة الادعاءات الثورية ، بضعة عقود في السلطة ، قبل ان تفسد تماما وتتعفن متخلية عن كل ادعائاتها لصالح استحواذ كامل من قبل عوائل الطغاة ومحاسيبهم على مصادر الثروة والقوة ، اما " الطبقة السياسية " السائدة في عراق اليوم فقد وصلت الى السلطة وهي فاسدة ومتعفنه اصلا. ان القول بأن الزمن كفيل بجعل العملية السياسية تبرأ من ادرانها تدريجيا قول لا يستند الى اي استشراف واقعي او تحليل منطقي. ان اكثر من نصف قرن من عمر النظام السياسي المشابه في لبنان لم يحسن من اداء العملية السياسية القائمة على تشابه واضح مع اختها في العراق او يقلل من روائح الفساد في مفاصله، كما ان جمهوريات الموز في امريكا اللاتينية لم تتلمس حتى اليوم طر يقها نحو الهواء النقي بعيدا عن الفساد المتفاقم الذي يعيد انتاج نفسه عبر العقود . ان ماسمعناه من العبيدي، هو غيض من فيض ونقطة من بحر مما لم نسمع وطالما ان شجرة الفساد متجذرة في تربة النظام السياسي القائم للاسباب التي قدمنا فلن نفاجأ بثمرات اكثر تعفنا وقيحا .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -لن أسمح بتحطيم الدولة-.. أمير الكويت يعلق بعض مواد الدستور


.. في ظل مسار العمليات العسكرية في رفح .. هل تطبق إسرائيل البدي




.. تقارير إسرائيلية: حزب الله مستعد للحرب مع إسرائيل في أي لحظة


.. فلسطينية حامل تودع زوجها الشهيد جراء قصف إسرائيلي على غزة




.. ما العبء الذي أضافه قرار أنقرة بقطع كل أنواع التجارة مع تل أ