الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شواطئ الستينات-مقتطفات من السيرة الذاتية

عبدالجواد سيد
كاتب مصرى

(Abdelgawad Sayed)

2016 / 8 / 3
الادب والفن


شواطئ الستينات - مقتطفات من السيرة الذاتية
كان هناك هواية أثيرة أخرى من هوايات الصبا ، قد توارت إلى الأبد خلال تلك المرحلة من عمرى، كانت تلك هى هواية صيد السمك. لاأعرف كيف بدأت ولا متى بالتحديد قد نشأت هذه الهواية ، لكنها كانت هواية شائعة فى ذلك الزمن، بين الصغار والكبار، وكان زحف هواة الصيد القادمين من حى باكوس إلى شاطئ جليم عند الفجر ظاهرة يومية، ولم يكن ذلك قاصراً على باكوس وجليم ، فقد كان فجر الإسكندرية فى الستينات صفوفاً من الصيادين على كل الشواطئ. كان سمير، الأخ الأكبر لصديقى رفعت رسمى، صياداًً ماهراً ، وذلك بحكم نشأته الأولى بحى جليم ، ولذا فقد كنا نتبعه هو وأصدقائه فى البداية ، حتى تعلمنا بعد ذلك أن نذهب بمفردنا ، أنا ورفعت وكمال. كانت الشواطئ فسيحة تمتلئ بكثير من الأسماك ، قبل أن تهدمها يد العمران ، أسماك مختلفة الأحجام والأنواع ، وكان للجميع نصيب منها ، الصغار والكبار، الهواة والمحترفون. كان هناك محل صغير فى شارع عمر طوسون، الواقع بين حى باكوس وحى جليم ، والذى كان يعرف أيضاً ، بشارع الإذاعة ، كان يبيع كل مستلزمات الصيد من الأدوات ، حتى طعم الصيد، فكنا نصحو عند الفجر ونتوجه إلى شارع عمر طوسون ونشترى من حسين صاحب المحل ما نحتاجه من شعر أو سنانير أو فلل وكمية الطعم التى نحتاجها من الجمبرى الصغير، ثم نتوجه إلى شاطئ جليم يحدونا الأمل بصيد وفير.كان الفجر جميلاً ساحراً وكان هواء البحر، وعندما يهب علينا ونحن نقترب من حى جليم، يخبرنا بإذا ماكان البحر هادئاً أم ثائراً. كانت أيام هدوء البحر أكثر متعة، حيث كانت فرص الصيد تبدو أكبر، وكذلك الإستمتاع بالسباحة، كما كانت تكشف قاعه الجميل ، الذى يبعث فى النفس شعوراً بالراحة والسعادة ، وذلك بعكس أيام ثورانه ، إذ كانت فرص الصيد فيها أقل، وكذلك فرص نزول البحر للسباحة ، ومع ذلك أذكرأن شباب حى جليم الأصليين ، ومنهم سمير أخو رفعت ، كانوا يرون عكس ذلك ، فقد كانوا ينتهزون فرص تلك الأيام التى يكون فيها البحر ثائراً، ليتحدوا راية التحذير السوداء ، التى تنهى عن نزول البحر ، وينزلون بالفعل، ويتوجهون إلى الجزيرة الكبيرة ، ومنها يسبحون ذهاباً وإياباً إلى شاطئ سان إستفانو القريب ، فى خضم هدير الأمواج المرتفعة. كانوا سباحين مهرة ، وقد نشأوا على حب البحر والمخاطرة بالسباحة فيه فى الأيام الصعبة ، وكنا نراقبهم بإهتمام وإعجاب أثناء سباحتهم الخطرة ، التى كانت تشعل الشاطئ إثارة ، لكننا لم نجرؤ على أن نفعل مثلهم أبداً.
كانت أسعد اللحظات تلك هى التى تلتقط فيها الصنارة سمكة، كان هناك صيادون مهرة يلتقطون رمية مع كل سمكة ، ولكن حتى صغار الصيادين أمثالنا ، كان لهم أيضا نصيب من لحظات الفرح الغامرة ، التى يبعثها إلتقاط سمكة. كان هناك أسماك مشهورة ، مثل الميرمار والدنيس والشرغوش والكحلة والموزة والبطاطا، وكان للموزة والبطاطا مواسم تهاجم فيها الشواطئ بأعداد غفيرة، وكانت سمكة البطاطا تتميز بلونها البنى المائل إلى السواد وبقدرتها على شد السنارة لدرجة تجعلك تتصور أنك قد إلتقطت سمكة ضخمة ، ثم تكتشف فى النهاية أنها مجرد سمكة صغيرة. أما سمك الموزة فكان يهاجم الشواطئ بأعداد غفيرة فى فصل الصيف وكان سمكا أصفر اللون، رفيع مستطيل ، يعلق بالصنانير بسهولة وكثيراً ماكان يعلق بأكثر من صنارة فى الرمية الواحدة. كان سمكاً ساذجاً وكان حظ الجميع معه حسناً . كان الدنيس هو أحب الأسماك إلى قلبى ، لاأعرف لماذا ، كان يقترب من الشواطئ عند الفجر ثم يهرب إلى الأعماق عندما تبدأ الشمس فى الشروق مثله مثل معظم الأسماك. وأذكر إننى ذات مرة قد حصلت على كمية كبيرة منه من شاطئ البحر الصغير، تجاوزت الثمانى سمكات، وكانت تلك أكبر كمية سمك نجحت فى إصطيادها فى حياتى ، وذات مرة وبشكل مشابه ، حصل صديقى كمال على كمية كبيرة من سمك البطاطا، لكن تلك المصادفات السعيدة ، ظلت مجرد مصادفات ، فلم ينجح ثلاثتنا أبداً ، أنا ورفعت وكمال ، فى أن نكون صيادين مهرة ، ظللنا هكذا منذ البداية وحتى النهاية ، مجرد هواة. كان هناك نوع آخر من الأسماك إسمه الصرب ، كان أشهر الأسماك ، حيث كان ضخم الحجم بالنسبة لباقى الأسماك ، ذا لون أبيض يميل إلى الصفار، وكان يحتاج إلى مهارة خاصة لإصطياده ، فلم يكن يقترب من الشواطئ فى العادة ، كباقى الأسماك ، فكان يجب إصطياده من الجزيرة الصغيرة أو الكبيرة وكان له ُطعم خاص، يتكون من أعشاب البحر ذاته ، وله صنارة خاصة ، فكان إصطياده من نصيب الكبار فقط. ظللت أحلم طوال فترة عشقى للصيد بصيد سمكة صرب واحدة ، لكن ذلك الحلم لم يتحقق أبدا. كانت أتعس اللحظات عندما تعلق سمكة بالصنارة ثم وعندما تبدأ فى محاولة إخراجها تفلت منك وتهرب فى البحر. كانت لحظات ندم تخيم على باقى اليوم، تجعلك تظل تفكر كيف ياترى كان حجم ونوع تلك السمكة ؟
وأحيانا كنا، وعندما لايحالفنا الحظ فى شاطئ جليم، نتوجه إلى الشواطئ القريبة ، سواء إلى شاطئ الخربان المجاور، أو إلى شاطئ سان إستفانو، وهناك كنا نجرب حظنا مرة أخرى، ولكن البحر كان واحداً فى معظم الأحيان، فإذا كان كريماً فى أحد شواطئه فإنه فى العادة يكون كريماً فى باقى الشواطئ، وإذا بخل على شاطئ فإنه فى العادة كان يبخل على باقى الشواطئ. وهكذا كان إنتقالنا من شاطئ إلى شاطئ يدل على أن يوم الصيد قد فشل. وكنا إذا فشلنا فى الصيد ، نلقى بعصا الصيد على الرمال ، ونقضى باقى اليوم فى اللعب والسباحة ، أما فى حالة نجاحنا فى الحصول على صيد وفير، كما كنا نراه ، فكنا نعود به إلى منازلنا مبكرين، فرحين بصيدنا الوفير، وأحيانا كنا نحمل كمية أسماكنا كلها إلى أم بسيونى لتعده لنا ، ونجلس جميعا لتناوله مستمتعين بطعمه الطازج اللذيد، وبشعورنا الفخور أمام أم بسيونى بأننا قد أصبحنا صيادين ، مثل شباب الحى الكبار. وهكذا ففى هذه السنوات من عمرى، وصل عشقى لصيد السمك ذراه، ثم خفت وإختفى مع بداية المرحلة الثانوية ، لكن ذكراه ظلت حية فى نفسى حتى اليوم ، أسترجعها كلما رغبت فى لحظة راحة من هموم الحياة!!!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. غياب ظافر العابدين.. 7 تونسيين بقائمة الأكثر تأثيرا في السين


.. عظة الأحد - القس حبيب جرجس: كلمة تذكار في اللغة اليونانية يخ




.. روبي ونجوم الغناء يتألقون في حفل افتتاح Boom Room اول مركز ت


.. تفاصيل اللحظات الحرجة للحالة الصحية للفنان جلال الزكى.. وتصر




.. فاق من الغيبوية.. تطورات الحالة الصحية للفنان جلال الزكي