الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تعثّر رؤية النخب السياسية الفلسطينية بمرجعية أوسلو

عماد صلاح الدين

2016 / 8 / 5
مواضيع وابحاث سياسية


انس صلاحات**
كانت تجربة المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية منذ مدريد 1991 إلى أوسلو 1993 وحتى اليوم، دون مرجعية واضحة في القانون الدولي. وتفسر إسرائيل، بحكم أنها الجهة الأقوى، بنود اتفاقات أوسلو بما فيها ملاحقها السياسية والأمنية وحتى المالية، كما تشاء هي، وبحسب مصالح مشروعها الاستيطاني الكولونيالي.
وهي في المحصلة، وحتى عام 2016، تريد فقط حكما ذاتيا في بعض التجمعات الفلسطينية في الضفة الغربية، بالإضافة إلى قطاع غزة؛ لاستمرار رفع الأعباء المدنية والخدمية عنها كجهة محتلة بموجب القانون الدولي الإنساني واتفاقيات جنيف الأربعة خصوصا الرابعة منها، وتحميلها بدلا من ذلك للفلسطينيين وللسلطة الفلسطينية، وفوق ذلك تحميل السلطة الفلسطينية مسؤولية جزء من أمنها، من خلال التنسيق الأمني معها.
هذا الأمر جار منذ عام 1993- وحتى اليوم، وما رفضه الفلسطينيون عام 1983، بشأن روابط القرى، تجرّعوه دفعة واحدة، وبشكل متفاقم، وعبر عمر سلطة الحكم الذاتي، وفي أكثر من ناحية منذ بدء الشروع بتنفيذ اتفاق أوسلو عامي 1994،1995، بما فيه الشق الاقتصادي، من خلال اتفاقات باريس الاقتصادية.
وحتى أدلل على عمق وعقم الخلل البنيوي في منظومة قيومة الإنسان الفلسطيني كإنسان فاعل وكمناضل فاعل، وأنها لا تقتصر على حركة بعينها أو منظمة كفتح ومنظمة التحرير الفلسطينية والفصائل المنضوية في إطارها، سأورد هنا موقف حركة المقاومة الإسلامية حماس من اتفاقات أوسلو والمفاوضات مع إسرائيل، وبالتالي موقفها من حركة فتح ومنظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الفلسطينية.
فحركة حماس رفضت منذ البداية اتفاق أوسلو والمفاوضات مع إسرائيل. وقد تم قمع الحركة وملاحقتها، وفي أحيان أخرى قتل بعض عناصرها الفاعلين في العمل النضالي من قبل الأجهزة الأمنية الفلسطينية. وقد كانت المرحلة الانتقالية لأوسلو 1995-1999 سنوات صعبة على حماس وقياداتها وعناصرها. وكانت الحركة قد رفضت فكرة الانخراط في انتخابات المجلس التشريعي للسلطة الفلسطينية عام 1996، لأسباب اعتبرتها الحركة شرعية وسياسية في آن معا.
وقد كان الراحل ياسر عرفات راضيا عن عدم اشتراك حماس في تلك الانتخابات؛ لقناعته بوجود معارضة ضامنة لأي طارئ يمكن أن يحدث خلال الفترة الانتقالية لأوسلو، ولما يمكن أن يحدث مستقبلا بعد انتهاء تلك المرحلة، وعلى فرض عدم التوصل إلى اتفاق مع إسرائيل يفضي إلى دولة فلسطينية مستقلة على الأراضي المحتلة عام 1967.
وبالفعل فشلت مفاوضات كامب ديفيد الثانية 2000-2001، وبقيت المرحلة الانتقالية معلقة إلى أن تحولت إلى مؤبدة بعد ذلك، وقامت الانتفاضة الثانية(انتفاضة الأقصى)، وانخرط الجميع فيها تقريبا بما فيهم حركة حماس وفتح، وجزء معتبر ومهم من عناصر بل وقيادات من الأجهزة الأمنية الفلسطينية في ذلك الوقت؛ وقد أصبح – وقتها- هناك نوع من التباري والسباق في التخطيط والتنفيذ لعمليات نضالية واستشهادية ضد المستوطنات والمدن والبلدات الإسرائيلية( الفلسطينية المحتلة).
وبقيت الانتفاضة مشتعلة وحامية الوطيس إلى أن تم اغتيال وتصفية عديد قيادات فلسطينية من كل الفصائل، وإلى أن تم اغتيال ياسر عرفات بالسم نهاية عام2004، وحتى اللحظة، لا يزال ملف اغتياله وتصفيته جسديا وسياسيا، لم يفصل فيه – بعد- من الجهة الفلسطينية التي تتولى التحقيق بوفاته.
وقد يمكن فهم لماذا قبلت بعض فصائل العمل النضالي الفلسطيني، بما فيهم حركتا حماس والجهاد الإسلامي قبول نخبهما الدخول في تهدئة من طرف واحد عام 2005، من خلال اتفاق القاهرة مع بقية الفصائل الفلسطينية، وبطلب في حينه من الرئيس محمود عباس، وبعض أركان السلطة الفلسطينية، وبتشجيع عربي رسمي خصوصا مصر والسعودية والأردن، ويتأتى هذا الفهم بسبب ما فرضته ظروف الميدان من وحدة وتلاحم عاطفي في انتفاضة الأقصى، أو ما كان رؤية لبعض الأطراف الفلسطينية؛ بالنظر إلى طبيعة ميزان القوى المائل كثيرا لصالح إسرائيل، وما استجلبته العمليات الاستشهادية من خطوة الحسم الإسرائيلي العسكري، باجتياح مناطق السلطة الفلسطينية، وبالتالي حجم الخراب والدمار الهائلين، اللذين لحقا بالفلسطينيين ومصالحهم ومؤسساتهم الرسمية، وغير ذلك من أسباب أخرى.
لكن غير المفهوم من ناحية أخرى هو قبول حماس الدخول في الانتخابات التشريعية للسلطة الفلسطينية عام 2006، وقد قالت حماس في تبرير ذلك أنها تريد أن تقف حاجزا أو معطلا لأي تنازلات مستقبلية خطيرة من منظمة التحرير والسلطة بخصوص حقوق وثوابت الشعب الفلسطيني، وعلى رأسها الحق في العودة للاجئين الفلسطينيين.
والسؤال المطروح هنا: هو أنه كانت هناك تنازلات خطيرة وحقيقية من م.ت.ف باعتبارها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، ومس ذلك حق اللاجئين الفلسطينيين من الناحية النظرية والحقوقية والسياسية قبل انتفاضة الأقصى، من خلال اتفاقات أوسلو، هذا دون أن يكون هناك في المقابل أي اعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني من قبل إسرائيل، وبالتالي كان أولى على حماس أن تنخرط من جهة المصلحة الوطنية في انتخابات المجلس التشريعي عام 1996؛ إذ إنّ التنازلات كان متخوفا منها – جديا- عقب البدء في مفاوضات الوضع الدائم أو الحل النهائي. وكان يمكن للثلث المعطّل في التشريعي أن يلعب دوره مبكرا في منع أي تنازل مفترض.
والغريب أن حماس، ومن خلال نخبها، قبلت المشاركة الانتخابية عام 2006، في ظل وجود الرئيس محمود عباس، الذي لا يؤمن بخط المقاومة لا العسكرية بالمعنى الكفاحي التقليدي ولا بالمقاومة الشعبية السلمية بمفهومها العلمي وسوابق التجربة فيها، وما جاءت به السنوات التالية وحتى العام 2015، تؤكد ذلك، ومع ذلك دخلت الانتخابات التشريعية وصارت هذه المرة شرعية وواقعية سياسية. كاتب هذا المقال كان قد سأل أحد قيادات حماس في مدينة نابلس عن السبب الوجيه للمشاركة في انتخابات كانون ثاني 2006. فأجابني بأنهم في حماس يريدون تغيير إستراتيجية السلطة بإنهائها، والمشكلة أن هذا الإنهاء يخالف مبادئ وأصول القبول في دخول المنظومات السياسية بحسب الدستور والقانون الأساسي الناظم لشكل الدولة وماهيتها الكلية.
هذا – بالإضافة- وبحسب التفكير الاستراتيجي الوطني، فان عدم مشاركة حماس في انتخابات عام 2006، كان سيفتح المجال لانهيار حقيقي للسلطة الفلسطينية، بعد أن تستنفد مجالها ويثبت عقم مشروعها التفاوضي، وسيكون الانهيار ايجابيا - وبما لا يقاس- في مقابلة خيار حلها بالمعنى الطبيعي الواقعي والقانوني والسياسي ومترتباتهم، ويكون دور حماس –عندها- ايجابيا ومقنعا كخط آخر في مواجهة المشروع الإسرائيلي الصهيوني؛ ذلك أن حماس كان لها شبكة من المنظمات الخيرية والأهلية معتبرا وفاعلا، في توجيه الناس والمساعدة على سد احتياجاتهم المختلفة، بل وحل مشاكلهم الاجتماعية المختلفة والمتنوعة. وكان سيكون دورها المقاوم أكثر تحررا من كل القيود، التي تعاني منها منذ سنوات طويلة، بعد انخراطها في انتخابات 2006.
ولا يعرف المراقب كيف لحركة مثل حماس ببرنامجها الديني والوطني المقاوم؛ المطالب بكل فلسطين من بحرها إلى نهرها، أن لا تتوقع مسألة الحصار عقب الفوز، فهذه مسالة بدهية، ولا عن عدم فحصها عن ترحيب الرئيس أبو مازن بمشاركتها، وعدم مضايقتها واستهدافها من قبل إسرائيل أثناء الحملة الدعائية والانتخابات، أليس هذا فخا نصب لحركة تحرر وطني إما لتخضع، وإما ليحصل معها عملية ترانسفير نهائي من عالم السياسة والنضال والوجود؛ إنها الآن محشورة في قطاع غزة محاصرة، ومحاصر الجميع هناك معها. كان هذا الفخ باتجاهين؛ الأول إما لترويض حماس في المشروع السياسي الرسمي في الأراضي المحتلة عام 1967، والثاني ترحيلها نهائيا أو إضعافها إلى درجة الوهن غير المؤثر في الساحة الفلسطينية.
وكان الرهان الفلسطيني الرسمي، من الرئيس محمود عباس، وقطب الحل السلمي مركزا على إزالة العقبة الكأداء، من طريق الوصول إلى حل الدولتين، بصيغ اقل تشددا من منهج الراحل ياسر عرفات، ولا مانع من تبادل أراضي في هذا السياق.
وهذا الرهان لم يتحقق؛ من ناحية تحول السلطة الفلسطينية إلى دولة؛ بسبب تعنت إسرائيل، ومشروعها القائم على سياسة قضم الأرض والفصل والتمييز العنصري، ومن ثم أصبح بقاء السلطة هو الهدف والغاية، والترويج السياسي والإعلامي بأنه انجاز وطني لوحده، وفي المقابل تكرّس الانقسام الفلسطيني الفلسطيني، وأصبحت القوى المقاومة غير قادرة على الفاعلية المطلوبة، وبالتالي تحقيق الثمار الوطنية المقصودة؛ بسبب الحصار، وقطع الطريق عليها، واشتدادهما بعد موجة الردة على الثورات العربية في مصر وغيرها. وأصبح هناك خلق شرعية من اللاشيء، وتبرير وجود واستمرار لقوى وأطراف، شوهت الحالة الفلسطينية، وشوهت النضال الفلسطيني وأصبح مجاله قائما على ردات الفعل، دون رؤية وتخطيط وإستراتيجية وحتى قيادة؛ حتى أن الأكاديمي السياسي وصاحب الاختصاص في التحليل السياسي والتصويب اللغوي والاصطلاحي، وصاحب التقويم القانوني والحقوقي بات عاجزا ومترددا في توصيف الحراك المحدود الأخير؛ فهل هو انتفاضة أم هبة أم ثورة أم موجة نضالية، أم غير ذلك.
وهذا – أيضا- هنا يدل على خلل فادح، في البنية التركيبية للذهنية الأخلاقية والاجتماعية والفكرية، عند النخب السياسية لدى حركة المقاومة الإسلامية حماس، باعتبار الأخيرة جزءا من النسيج الكلي للمجتمع الفلسطيني، الذي يعاني كنمط سائد من منظومة غياب الإنسان، بفعل فواعل السلب التأسيسية في الفقر والجهل وعدم الوعي، وما يستتبعه ذلك من وجود طبقية مادية واجتماعية ومعظمها متوارث، وحتى دينية بمعايير التدين الشكلي، وما ينبني على ذلك من استفراد إلى حد ارتجال المواقف والقرارات المصيرية، لعموم الناس اجتماعيا وسياسيا واقتصاديا، من الفئات الاحتكارية القليلة، دون مرجعية واضحة في الرؤية والدراسة والاختصاصية. وهذه الفئات الاحتكارية؛ مرة باسم الوطن، ومرة باسم الدين، هي الأخرى بدرجة أو بأخرى، لديها مشاكل بنيوية إنسانية وفكرية من نفس المعين، الذي يستقي منه البقية الغالبة حجما وكما من المجتمع.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اتفاقية الدفاع المشترك.. واشنطن تشترط على السعودية التطبيع م


.. تصعيد كبير بين حزب الله وإسرائيل بعد قصف متبادل | #غرفة_الأخ




.. نشرة إيجاز بلغة الإشارة - الحكومة الإسرائيلية تغلق مكتب الجز


.. وقفة داعمة لغزة في محافظة بنزرت التونسية




.. مسيرات في شوارع مونتريال تؤيد داعمي غزة في أمريكا