الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تشوهات التحول الديمقراطي

جهاد الرنتيسي

2005 / 12 / 19
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


وسعت الظروف المصاحبة للتحولات الديمقراطية التي تمر بها المنطقة دائرة الاسئلة حول النجاحات التي يمكن تحقيقها لانجاز اصلاحات حقيقية يمكن البناء عليها لاجتياز المنعطف الحضاري الراهن .
فلم تبق الممارسات التي حدثت في اكثر من بلد عربي خلال الاسابيع الماضية مجالا للتفاؤل بقرب تهيئة الظروف لقطيعة تاريخية مع ثقافة الاستبداد المتاصلة في الذهنية العربية الي الحد الذي يتيح لها التحكم بمختلف مسارات الحياة .
ووضع ظهور هذه الممارسات كقواسم مشتركة لسلوك الحكومات والاحزاب والناخبين مختلف اطراف المعادلة السياسية العربية في زوايا الاتهام .
ورغم ضعف الذاكرة العربية هناك ما يوحي ببقاء الحدث الذي استحوذ علي اهتمام الفضائيات خلفية للمشهد السياسي المرتبك مما يعني ولوج اطراف المعادلة مجبرة دوامة التبرير ورد الاتهامات .
وقد يكون منع وصول الناخبين الي صناديق الاقتراع في الجولة الثالثة من الانتخابات المصرية النتوء الاكثر بروزا في هذه الخلفية لعدة اعتبارات ابرزها حضور مصر في الحياة العربية ، وتراكمات حراكها السياسي ، والشوط الذي قطعته في بلورة مؤسساتها الاهلية .
ولكن بروز هذا النتوء لم يخف نتوءات اخري خلفت حالة من الاحباط في اوساط الحريصين علي تجذير الحياة الديمقراطية في مصر .
ففي سياق اندفاعها نحو مقاعد مجلس الشعب انقلبت جماعة الاخوان المسلمين علي حزب التجمع الطرف الاكثر نزوعا نحو التعددية ليكون العشب الذي يتضرر حين تتصارع الفيلة .
ويكمن في تفاصيل الماراثون الانتخابي المصري ما يوحي بان العشب الذي اقتلعه صراع الفيلة لم يكن سوي الجزء الظاهر من جبل الجليد .
فمن اللافت للنظر ان الهامش الذي تحركت فيه جماعة الاخوان المسلمين المحظورة يفوق اضعاف هامش حركة الاحزاب المرخصة مما يكشف عن خلل في تطبيق القوانين و يعيد الي الاذهان استخدامات الاسلام السياسي خلال العقود الماضية .
وتترك هذه التفاصيل انطباعا بخضوع التحولات الديمقراطية في المنطقة لذات الضوابط التي تحكم الايقاع السياسي منذ عقود .
وفي بعض جوانبه يتداخل المشهد الانتخابي المصري مع بعض تفاصيل المشهد العراقي رغم الفوارق المتعلقة بالاستقرار الامني المصري والصخب المصاحب لعملية التحول التي يمر بها العراق منذ انهيار النظام السابق .
فقد حاولت جماعة الاخوان المسلمين في مصر استغلال الدين الي اقصي الحدود بملامستها حواف تكفير الخصوم .
ومن ناحيتها القت احزاب الاسلام السياسي الشيعي بثقلها لانتزاع فتوي تتيح لها احتكار الدين الامر الذي ادركت المرجعية الشيعية خطورته وتجنبت تكرار خطا الوقوع في شراكه مرة اخري .
ولم يكن استخدام الدين في الدعاية الانتخابية جانب الشبه الوحيد بين الانتخابات المصرية والعراقية .
فالعنف الذي تعرض له زعيم القائمة العراقية الوطنية اياد علاوي في النجف لا يختلف كثيرا عن اعمال البلطجة التي شهدتها محطة التحول الديمقراطي المصرية .
ويعيد الاعتداء علي علاوي الي الاذهان اعراض التشوهات التي تلحقها المحاولات الخارجية لوضع العصي في دواليب التطور الديمقراطي .
فالمعروف عن مدينة النجف حيث تعرض علاوي للاعتداء انها تقع في احدي مناطق النفوذ الايراني .
وطهران واحدة من عدة عواصم شرق اوسطية تخشي عملية التحول السياسي الجارية في العراق .
و يعني ذلك ان الانظمة التي تمثل قوي الشد العكسي تحتفظ بفعالية عالية لفرملة اليات التحول بين الحين والاخر .
وتبدو الحالة الفلسطينية الاكثر وضوحا حين يتعلق الامر بالمؤثرات الخارجية علي عملية التحول الديمقراطي .
فما زال الوضع الداخلي الفلسطيني اسير التدخلات اليومية الاسرائيلية مما يغلق الافق السياسي الفلسطيني .
ويتيح وضع انغلاق الافق السياسي في عين الاعتبار ـ عند البحث في معيقات تطور التجربة الفلسطينية ـ ما يساعد علي تفسير ظواهر فوضي السلاح ، واقتحام المراكز الانتخابية ، وتحطيم صناديق الاقتراع .
وقد يحتاج الامر بضعة سنوات لكي تصل القيادة الفلسطينية الي قناعة بعبثية انضاج تجربة ديمقراطية في ظل الاحتلال .
وتثير تشوهات التحول الديمقراطي مخاوف النخب السياسية العربية من اعادة انتاج المشهد في دول عربية اخري .
كما تضيف جديدا الي الشكوك التي تدور حول جدية الولايات المتحدة في اشاعة الديمقراطية .
ومن شان هذه الشكوك تعزيز مواقف الاصوليات السياسية العربية التي تطمح للوصول الي السلطة والاحتفاظ بها دون ان تتوفر لديها القناعات الحقيقية بحاجة المجتمعات للتعددية السياسية .
وفي المقابل تثير الانتقائية التي تطغي علي تفكير الاصوليات القومية والدينية مخاوف القوي الديمقراطية .
فهناك ما يكفي من المؤشرات للدلالة علي ان الديمقراطية التي تتعاطاها الاصوليات هي الديمقراطية التي تتيح لها فرص الاستحواذ علي السلطة وليست الديمقراطية التي تنطوي علي احتمالات خسارتها سدة حكم عاصمة ما او انحسار حضورها في سلطة تشريعية .
وامام هذه المعطيات يتساوي خطر المواصفات الاميركية للتحول الديمقراطي مع شروط تعاطي الاصوليات السياسية مع التجربة الديمقراطية .
ففي الحالتين هناك ما يقوض فكرة التعددية السياسية ويقلل من احتمالات توطينها في البيئة السياسية العربية .
وتتجاوز تبعات تقويض الفكرة وعزلها عن مقومات البقاء في الحياة السياسية العربية تجميد عملية التطور الديمقراطي الي حدوث انكسارات وارتدادات عن خطوات محدودة قطعتها بعض التجارب .
والي جانب العوامل الموضوعية المعيقة لتجديد الحياة السياسية العربية هناك عوامل ذاتية يصعب اغفالها .
فمن غير الممكن مناقشة قضية مصيرية بهذه الحساسية دون الالتفات الي الارث السياسي العربي المثقل بثقافة الاستبداد ، والبني الاجتماعية ذات الابعاد القبلية ، والاوضاع الاقتصادية ذات البصمة الواضحة علي سلم الاولويات .
ورغم اهميتها تغيب المعيقات الذاتية في بعض الاحيان عن السجال السياسي العربي المتحمس للجوء الي تفسير المؤامرة و تعليق الازمة علي الشماعة الاسرائيلية .
وفي كثير من الاحيان يقود الكسل الفكري والنزعة الانطوائية الي تحريم كل ما ياتي من الغرب بما في ذلك فكرة الديمقراطية .
وربما يترافق هذا النزوع مع ميل للتقوقع والعزلة وكبح رغبات المساهمة في الفعل الانساني .
ولا تقتصر تشوهات التحول وانتكاسات التجارب الديمقراطية علي المجتمعات العربية .
فقد ظهر في الاسابيع الاخيرة المزيد من المؤشرات التي تتجه نحو تكريس زعامة الفرد في المجتمع الاسرائيلي ، وظواهر انعدام الثقة بالطبقة السياسية ، والمضي قدما في سياسة التمييز بين مواطني الدولة .
وفي تجربة اخري مجاورة تاخذ الديمقراطية طابعا مذهبيا بخضوعها لنظرية ولاية الفقيه الامر الذي يقصي فئات واسعة من المجتمع عن التفاعل مع الحياة السياسية .
ولكن انتكاسات وانكسارات وتشوهات الاصلاح في بعض دول البؤس الديمقراطي لا تعفي النخب السياسية العربية من دورها في اخذ زمام المبادرة ودفع ضريبة التحول حتي لا تنطبق علي دول المنطقة المقولة الغربية التي تري في الديمقراطية فراء لا يصلح للدول الحارة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. معركة ساخنة بين بايدن وترامب؟ | المسائية


.. الإصلاحي بيزشكيان والمحافظ جليلي يتأهلان للدور الثاني من الا




.. ميقاتي: لبنان سيتجاوز هذه المرحلة والتهديدات التي نتعرض لها


.. حماس تدعو الأردن للتحرك من أجل مواجهة مشروع ضمّ الضفة الغربي




.. أبرز التحديات التي تواجه الديمقراطيين في حال أرادوا استبدال