الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الطابور الوطني الساذج

يوسف أحمد إسماعيل

2016 / 8 / 5
مواضيع وابحاث سياسية


الطابور الساذج هو فئة هامشية لمنحىً سياسي ، أو خطاب إيديولوجي ، أو نظام سياسي أو سلطة حاكمة أو تنظيم عسكري .... وليس من الضروري أن يلتزم هذا الطابور بفئة أو نظام أو سلطة ، لأنه يمثل ميلاً عاماً وفق اللحظات التي ينعكس فيها واقع الصراع ، وليس لذلك علاقة بالانتماء العضوي التنظيمي أو حتى القناعة الإيديولوجية ، وإنما يتسم الطابور الساذج بالهشاشة أو الطيبة أو الغفلة أو التعصب ، ولكن تأثيره كبير في مقاربة الأحداث وصور الواقع .
ففي الحالة السورية الراهنة ، مثلاً ، نلاحظ أن الطابور الساذج انقسم إلى قسمين ، وتلونت مواقعه ، ومالت مع أو ضد ، وفق اللحظة وما تنتجه . ويمكن تلخيص ذلك بما يلي :
في بداية 2011 لعله يمكن القول : إن المزاج العام للشعب السوري كان يميل إلى الرغبة في التغيير السلمي للسلطة، كُرها بالفساد الذي انتشر، ونفورا من استبداد السلطة الأمنية وتوابعها وهيمنتها على تفاصيل الحياة اليومية للمواطن . وكانت الرغبة في تحقيق النموذج التونسي محرِّضة انطلاقا من قدرة الشارع على الصراخ ضد الاستبداد ، والأمل بالخروج الآمن والسريع للسلطة الحاكمة .
ولكن التحول السريع من السلمية إلى الصراع المسلح أعاد صياغة المواقف والرغبات ، فتوسّع دور الطابور الساذج بألوانه وتبدلاته . فبعض من كان قبل 2011 يتسم بالسلمية ويطالب بالتعددية والحرية السياسية والدولة المدنية البعيدة عن العسكر والدين بدأ يطالب بإسقاط السلطة الحاكمة بقوة السلاح حتى وإن كان أمريكياً ، فكيف إن كان قاعدياً ، ومن الداخل السوري ! . ولذلك أغمض عينيه عن سلاح الإسلام السياسي وصوره ، من الإخوان المسلمين إلى جبهة النصرة فداعش . ولم يكن ذلك نتيجة تبدل في وعيه السياسي وإنما نتيجة تعصبه ضد السلطة الحاكمة فحسب ، على مبدأ عدو عدوي صديقي . ولذلك تم تبرير تطرف سياسة الجماعات المسلحة في إدارتها للمناطق التي سيطرت عليها ، بدءا من إنشاء محاكم شرعية وانتهاء بتدخلها في السلوك الفردي للمواطن ، بالإضافة إلى خطابها السلفي الطائفي المعلن . بل كان هناك من يقول : ( ننتهي الآن من إسقاط النظام ، ثم بعد ذلك نجد حلاً لـ " أخطاء " أولئك الجماعات .) ونضع هنا كلمة " أخطاء " بين قوسين ، لأنها ليست مجرد أخطاء ، وإنما هي رؤية واستراتيجية وإيديولوجية مهيمنة لدى جماعات الإسلام السياسي. وعليه أصبح أي انتصار على الأرض تحققه الجماعات المسلحة يُسمى " فتحاً " أو " تحريراً " ولا يغيب عن الذهن النسق السلفي المرجعي للمفردتين .
وبذلك بدا الخط العام للصراع المسلح يُخالف ما نهض عليه الحراك السلمي الثوري في بداية 2011 وما يرغب فيه الشارع السوري من تغير نحو الحرية والديمقراطية والدولة المدنية . وحين طال الصراع ، ولم تستطع جماعات الإسلام السياسي المسلح أن تحقق النصر الذي تريده ، بغض النظر عن الأسباب ، وبدأت تتراجع وتنكسر بما يوحي باضمحلالها بدأ الطابور الساذج الذي كان يشجعها يراها بصورتها العارية المعبرة عن تطرفها ، وهذا ما توضحه التعليقات التي صدرت عبر وسائل التواصل الاجتماعي بعد تصريحات الجولاني عن فك ارتباط جبهة النصرة مع القاعدة وتغيير اسمها من " جبهة نصرة أهل الشام" إلى "جبهة فتح بلاد الشام " على أساس أن سورية جزء من مشروع إسلامي خلافي أوسع! !!
والصورة الثانية للطابور الساذج هي الصورة الممثلة بالدفاع عن سلاح السلطة الحاكمة تحت سيادة "الجيش العربي السوري "، ومن بعد ذلك " الجيش العربي السوري وحلفاؤه " ولو جردنا ذلك الصراع من الطموحات السلمية المشروعة التي كانت في وجدان الشارع السوري في بداية 2011 ، وجردناه أيضاً من النزوع الفردي والاستحواذ الاستبدادي للسلطة المطلقة في دمشق ، لقنا : إن الجيش العربي السوري يقوم بواجبه الوطني على أكمل وجه ، وما يحتفي به الطابور الساذج الحاضن لسلوكه وتوجهاته وانتصاراته وإخفاقاته هو محل تقدير كبير . غير أن التعصب الذي اتسمت به الفئة الأولى من الطابور الساذج أصاب الفئة الثانية منه أيضاً ؛ فالرغبة في القضاء على المجموعات المسلحة للإسلام السياسي منعتها من رؤية الوطن بعيدا عن فردية السلطة واستحواذها وغايتها وأدواتها في ذلك ، فأصبح كل سلاح قادم من خارج سورية هو سلاح مقاوم ،وشرعي ، وكل قتيل مدني هو قتل للبيئة الحاضنة الشريرة ،ويُشرّع تدميرها بشرا وحجراً ، ولذلك شُرّع قصف المدارس والمشافي ودور العبادة ، على الرغم من تحريم ذلك في الاتفاقات الدولية ، وإن تم استغلالها ، في الصراع ، لصالح هذه الجبهة أو تلك .
وكما في الفئة الأولى قال المتعصبون في الفئة الثانية جوابا على طموحاتهم السابقة في الدولة المدنية : ( حين ننتهي من الجماعات المسلحة ننظر في أمر التعددية ونطالب بها ) ونسوا أن الحراك الثوري بدأ في 2011 بعيداً عن الجماعات المسلحة ، ولو بادرت السلطة السورية بإرادة سياسية جادة في الإصلاح السياسي لجنبت البلاد ذلك الدمار ، ودخلت التاريخ من باب الإخلاص للوطن بدلا من باب الحرب والتدمير .
إن ما يجمع الفئتين ، هو السذاجة والطيبة وحب الوطن . ومن المؤكد أن القادة في الجبهتين ؛ النظامية والمعارضة ، يضحكون في سرهم من مواقف مؤيديهم في الطابور الساذج . فالجماعات المسلحة أعلنت توجهها العقدي والسياسي منذ أن تكوّن لها وجود في أرض الواقع ، بل إن الجولاني أعلن على الجزيرة أنه سييحارب العلمانيين بعد إسقاط النظام . والسلطة السورية تُدرك أنها لا تستطيع العيش في ظل الحرية السياسية والتعددية ، وأي مشروع إصلاحي جاد في هذا المنحى سيؤدي إلى خروجها من النظام ، كما أن مؤيدوها يدركون أنها لن تقدّم أكثر مما قدمته سابقا في مجال حقوق الإنسان والحريات السياسية ، ولكنهم يدركون أيضا أن ما يطرحه الإسلام السياسي لا يناسب توجهاتهم ، وإذا كان لابد من الاختيار بين الأمَرَّيْن، فليكن الأقل مرارة .
وخارج الطابور الساذج بفئتيه ، نلحظ المؤيدين للجماعات المسلحة ، عقديا ، انطلاقا من توجهاتهم الدينية السلفية في إدارة المجتمع ، وكذلك المؤيدين للسلطة الحاكمة بسماتها الشخصانية أو الطائفية أو الانتهازية . وهؤلاء يمتازون بالوضوح ، وإن كان خطابهم يُغطى ، عند المعارضين ، بالجهاد في سبيل الله ، وعند المؤيدين ، بالتضحية في سبيل الوطن .
وخارج الطابور الساذج أيضاً ، يبقى جزء كبير من الشعب السوري خارج التصنيفات السابقة وهو الفئة الحالمة بالأمن والسلام والحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية ، وهذه الأحلام لن تتحقق في أحضان الإسلام السياسي وجماعاته ونهجه ، ولا في أحضان النظام الفردي لأن الاستبداد أسّ الفساد، كما يقول الكواكبي , وفي ظل الفساد لا وجود للحرية والعدالة وبالتالي لا وجود للأمن والسلام .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نارين بيوتي تتحدى جلال عمارة والجاي?زة 30 ا?لف درهم! ??????


.. غزة : هل تبددت آمال الهدنة ؟ • فرانس 24 / FRANCE 24




.. الحرس الثوري الإيراني يكشف لـCNN عن الأسلحة التي استخدمت لضر


.. بايدن و كابوس الاحتجاجات الطلابية.. | #شيفرة




.. الحرب النووية.. سيناريو الدمار الشامل في 72 دقيقة! | #منصات