الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حدّثتْني شهرزاد البوذية فقالت :

ليندا كبرييل

2016 / 8 / 5
الادب والفن


كأن قوة خفيّة كانت تدفعني إلى اكتشاف أعماق " مينامي "، فوجدتُ نفسي بعد يومين من لقائنا الأول أهرع إلى رؤيتها . بدا أمرها يستحق أن أوليه الاهتمام.

http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=525704
سلام عليك .. يا ابنة بوذا وحفيدة آلهة الشمس

خرجتُ كعادتي لرياضة الصباح، ورأيتها كعادتها تلتقط أوراق الشجر المتساقطة.

حالَ إلقائي التحية أدخلتْني في فيلم عن جارتها الجديدة !
كانت تتكلم بكل عضو في جسمها ؛ تقدّم رجلاً ثم تؤخّرها، ترسم إشارات بيديها لتعمّق معنى قولها، تدور حول نفسها، يغلبها تداعي الأفكار فتنتقل إلى قصة أخرى، إذا سهوتُ عنها لكزتْني برفق في كتفي لأتنبّه، ثم تعود إلى قصة الجارة الجديدة لتكملها، وتسترسل في الحديث، وبين كل هذا تطلق غاز بطنها فتعتذر وتتابع، تزدرد ريقها ثم تستردّ نفساً عميقاً يساعدها على الكلام حتى يختنق صوتها.
نفَس واحد لقصة واحدة مع فروعها ! حتى شعرت بالدوار من ملاحقة نظري لحركاتها.
الآن أعرف لمَ تبتعد عنها الجارات . هذا الإسهاب والإطناب والتطويل والتصرّف العفوي، يفقد أعصاب منْ يتناول الحوادث الهامشية ببرود وترفّع، ويثير الأقاويل حتماً.

قبل أن نخرج من فيلم الجارة الجديدة إلى فيلم آخر عرضتُ عليها أن نتنزّه معاً، فشبكتْ يديها فوق رأسها كالدائرة بمعنى : أوكيه.

نظرتْ إلى نفسها وهي تستشيرني في مظهرها، فقلّبتُ نظري بين المنديل المنتصِب كالعَلَم على رأسها، ومريولها الملبوس على قفاه، وبنطلونها الملفوف حتى ركبتَيها، فاستأذنتها بتعديل لباسها . وكأني ألقيتُ عليها الأمر ( استعدْ ) فوقفتْ كالعسكري رافعة الرأس منضبِطة.
ألبستُها مريولها بشكل صحيح، واكتشفتُ وأنا أرخي أطراف بنطالها أنه رجالي، فقالت بلهجة عسكرية :
ــ هذا بنطلون زوجي المرحوم وكذلك المريول والجوارب، وأحياناً أضطر إلى ثيابه الداخلية !
لم تأبهْ لضحكي، وظلت ثابتة صامتة وأنا أنزع نظارتها المكسورة من جانبيها، المربوطة بمطاط خلف رأسها، ورفعتُ أخيراً منديلها الهابط الذي بالكاد تظهر تحته حدقتا عينيها، وأنزلتُ بضع خصال من شعرها على جبينها وأطراف وجهها وأنا أقول : شعركِ رائع جداً.
أخذتُ أدور حولها لأطمئن على مظهرها، ثم وقفتُ أمامها لأعلن أنها جاهزة، فوجدتُ عضلات وجهها تضطرب بعصبية وقد مطّتْ شفتيها المرتجفتَين عن آخرهما وأغمضتْ عينيها بشدة والدموع تسيل على وجهها !

ــ ما بكِ ؟ صحتُ بها.
لكنها كانت تحرّك فمها وتجيب بصوت غائب.
جلستُ أرضاً ريثما تنتهي من وَصْلتها، فالتمّتْ فجأة على بعضها وتوقفتْ عن البكاء لتسألني بصوت جامد :
ــ ما بكِ ؟ ألنْ نتنزّه ؟
ذهلتُ من تحوّلها .. فسألتها بحيرة :
ــ ما بكِ أنتِ ؟
أجابتْ وهي تمسح دموعها وكأنها ليست منْ كانت تبكي بحرارة قبل لحظات :
ــ تذكّرتُ أمي . هي أيضاً كانت تقول لي : شعركِ رائع جداً.

رفعت المنديل من على رأسها ثم نزعتْ مشبَك الشعر .. فانسدلَ ستار كثيف من الساتان الحريري يحدّق في الضوء البازغ، غطّى جبينها ومقدمة صدرها، وتجاوزَ طوله منتصف ظهرها، لم أرَ في جماله إلا في دعايات الشامبو التلفزيونية، فبدَتْ في سكينتها كراهِبة في محراب الصلاة !!
هتفتُ :
ــ يا لروعة هذا الشَعر !
ابتسمتْ وقالت بخجل :
ــ لا أملك من الجمال إلا ( هذا ) . هيا بنا.
انطلقنا جرْياً وال ( هذا ) مكشوفٌ، يتماوج، يتطاير، تتسابق أحصِنته الجامحة مع الضوء ونسمات الهواء.
أشكُّ أن هذا الأسودَ شَعرٌ ! إنه حِبال ضوئية من شمس في كسوفها !!

" مينامي " عُمْران بشريّ سخَتْ الطبيعة في تشييد قمّته بآية من الذوق والجمال . فإن انحدرتَ بعينيك قليلاً ، ظننتَ أن التطور الوراثي فاتَهُ أن يطول شجرتها بالتعديل الأنثوي !

مضينا ... ومضى حذاؤها يُزقزِق رشّاً دِراكاً حسب سرعتها . أدركتْ بعد دقائق قليلة أن اختيارها الجري حرمَها من نعمة الكلام فعدلْنا عنه.
وما أن مشينا حتى استنام ال ( هذا ) حجاباً أسود وقوراً يغطي جبينها وكتفَيها، وقد كلّلتْ الشمس رأسها بتاج ذابَ ذهباً من وهْجها على سطح الحجاب !!

ظلّ لسانها الرياضي منطلِقاً يطوي الزمن بسرعة الغزال، وبأحاديث متداخِلة متلاطِمة . عصفور رأى باب القفص انفتحَ فأطلقَ جناحَيه للريح، أو كأن هذا اللسان ليس لهذا الفم .. خرج ولم يعُد.
مع بشائر الصباح الطالِعة كان الكلل قد نال من لسان شهرزاد، فاستسلمتْ بوداعة لرائحة القهوة الذكية عندما جلسنا نشربها في الحديقة.

كانت تحْتسيها باستمتاع وتعْقب فحيح رشفاتها أحححح ~~
فجأة كادت تختنق وهي تضحك وتقول :
ــ تذكرتُ زوجي المرحوم .. لم يكن يحب أبي، فكان يتقصّد إغاظته بصوت رشفاته الشاي.
ثم نظرتْ في وجهي وتابعتْ :
ــ وأنا أيضاً .. هاهاها .. لا أحب أبي ! اسمعي اسمعي .. إنها قصة طريفة.
اعتدلتْ شخصيتها في لحظة كمفكّر طلبوا رأيه في موضوع هام . قالت :

يتبع








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - شكرا
عبد القادر أنيس ( 2016 / 8 / 6 - 01:21 )
شكرا ليندا على إمتاعنا بهذه المقالة الجميلة، سأنتظر بشغف المقالة أو المقالات اللاحقة لأتعرف أكثر على مينامي الحكيمة غريبة الأطوار ذات الشعر الجميل ولو (أن التطور الوراثي فاتَهُ أن يطول شجرتها بالتعديل الأنثوي!) وهو مبعث خيبة بالنسبة لي أنا الذي أزعم أني ذواق كل جميل. خالص تحياتي


2 - الاديبة اللامعة ليندا كبرييل المحترمة
وليد يوسف عطو ( 2016 / 8 / 6 - 07:12 )
استمتعت كثيرا بالقصة..

تمتازين بسعة المخيال ومطواعية الحروف واللغة ..

والايقاع الداخلي للقصة الذي يسير حسب احداث القصة..

ننتظر منك المزيد.. ..


3 - غريبة عفوية فهل هي مريحة؟
نضال الربضي ( 2016 / 8 / 6 - 12:02 )
يوما ً طيبا ً لك ِ أيها العزيزة ليندا و للعزيزين عبد القادر و وليد،

في العادة يكون الأشخاص المتصفين بهذا النوع من العفوية مريحين في التعامل، و يجد الشخص معهم اطمئنانا ً ألا تُحسب عليه كل حركة و كل كلمة، و يجري الوقت في صحبتهم جريا ً سارقا ً، فهل هي كذلك؟

هذه المرأة جميلة الداخل، و لتكن الطبيعة ُ في عونك على احتمال رائحة الغاز.

دمت ِ بود!


4 - تعليق الأستاذ ماجد جمال الدين
ليندا كبرييل ( 2016 / 8 / 6 - 14:39 )


لا يمكنني إلا أن اصفق بيدي
Friday, August 5, 2016 - ماجد جمال الدين




ويدي بعيدة

الأستاذ ماجد جمال الدين المحترم

سلاماً لشخصك العزيز
يداك بعيدتان، لكني يدي طويلة وأستطيع أن أتلمّس أطراف أصابعك وأشكرك
لم تعد تشارك بحماسك المعهود، وهذا شيء مؤسف
أنا من (الحواريين) الذين تتلمذوا على فكركم الراقي، فأرجو لك عودة متواصلة لنزداد سعادة بحضورك الكريم
تفضل احترامي


5 - قارئة الحوار
عدلي جندي ( 2016 / 8 / 6 - 15:37 )
قارئة الأغوار
صُحبة كلماتك ممتعة
في إنتظارك
تحياتي 


6 - وجدت راحتي مع ذوي الإعاقة الذهنية الخفيفة
ليندا كبرييل ( 2016 / 8 / 6 - 15:46 )
تحياتي أيها الكرام
الأستاذ عبد القادر أنيس
الأستاذ وليد يوسف عطو
الأستاذ نضال الربضي

أشكركم على المشاركة الطيبة
الواقع أني أعتبر ذكرى مينامي من أروع ما مر في حياتي
هذه الذكرى سجّلتها في مقال قبل خمس سنوات، وكنت أنوي أن أتابع ما سجلته في مذكراتي عنها فلم أتمكن من ذلك
عدت قبل شهور لأتوسع في قصتها مستخدمة ملاحظاتي التي تمنيت ذات يوم أن أكتبها
وها هو المقال الثامن الذي بفضل ذكرياتي معها وصلت إليه

كانت هذه الصديقة الوفية خير معين لي،
ثرثرتها مرض،
هي كانت بحاجة لمن يسمعها، وكنت أنا،
وأنا كنت بحاجة لمن يتكلم معي بدون حساب وكانت هي

وكان من حسن الحظ أنها قارئة ممتازة للفلسفة، وابنة كاهن بوذي،فتعرفت من خلالها، ومن ثرثرتها غير الطبيعية على أمور كثيرة لم أجدها عند آخرين
تحلّلتُ في حضورها من الشكليات والرسميات
في أواخر حياتها ثقل المرض العصبي عليها حتى أفقدها إمكانية التواصل مع الناس مع تراجع قدراتها الذهنية

مينامي جميلة الروح والعقل رحلت لكنها اليوم إلى جانبي تراقب ما أكتبه عنها

شكراً لحضوركم العزيز وتفضلوا خالص التقدير والاحترام




7 - السلام لذكراها الطيبة
نضال الربضي ( 2016 / 8 / 6 - 15:52 )
العزيزة ليندا،

الطيبون يغادرون باكرا ً أو تُثقلهم الحياة في أواخر أيامهم بما لا يُحتمل، و لربما هي ضريبة ُ معاندة الشر، لا من باب ِ أن َّ الشر شئ ٌ عاقل ينتقم ُ لنفسه، أو من باب ِ كارما سادية، لكن من باب ِ أن َّ الشرَّ جزء ٌ من الحياة، له وزن، قوَّة، حضور، وجود، قدره على تغير الناس، و ليس كتفسير دراويشنا البسطاء -غياب النور-،،،،

،،، قوة الشر تتطلَّب ُ قوَّة ً معاكسة تعادله، ثم تتفوق عليه، و تظهر ُ هي بثقلها، و هذا الثقل هو ما شاهدتيه في صديقتك ِ الراحلة، أنظري تحت ما ظهر َ لك ِ سترين َ ما اختفى من الجبل الجليدي الصلب من كل ِّ الخير الذي قاومت به، لقد استهلكت نفسها، فالطوبى لها.

فلترقد بسلام و لك ِ كل العزاء و الذكريات الطيبة.

دمت ِ أيتها الجميلة بكل الود!


8 - شكراً لتعليقك أستاذ عدلي جندي
ليندا كبرييل ( 2016 / 8 / 6 - 15:54 )
تحية لشخصك العزيز أيها الجندي الشجاع
أتمنى أن تنال بقية قصة مينامي إعجابك
أطيب سلام وتقديري لحضورك أيها الصديق الكريم


9 - الربضي(قوة الشر تتطلب قوةمعاكسة تعادله ثم تتفوق ع
ليندا كبرييل ( 2016 / 8 / 6 - 16:10 )
الأستاذ الربضي:
قوة الشر تتطلَّب ُ قوَّة ً معاكسة تعادله، ثم تتفوق عليه، و تظهر ُ هي بثقلها، و هذا الثقل هو ما شاهدتيه في صديقتك ِ الراحلة .....

رائعة قراءتك للنفس الإنسانية أستاذ نضال الربضي

أردت أن أضع لكم رابط الأغنية التي كانت تحبها كثيرا لكني لم أعثر على الأغنية المترجمة
أرجو أن أتمكن من ذلك في الحلقة المقبلة
أشكرك من أعماقي أيها القدير


10 - وكأني كنت معكن
فؤاده العراقيه ( 2016 / 8 / 7 - 00:03 )
علقت في ذاكرتي مينامي وليندا وهما يتنزهان في الصباح الباكر منذ أن قرأتها قبل 4 سنوات واعدت قرائتها قبل فترة وها انت تعيدين صقلها بشكل اروع لتحيين مينامي التي صارت قريبة علينا ...وكأنني كنتُ معكن في ذلك الصباح الجميل


11 - الأستاذة فؤادة العراقية المحترمة
ليندا كبرييل ( 2016 / 8 / 7 - 06:03 )
تحياتي الطيبة

حسناً أن أدركت قراءة تعليقك قبل سفر طارئ
أشكر حضورك الكريم وأتمنى أن أعود قريبا لقراءة مقالاتك الهادفة
فؤادة ، العراقية العزيزة شكراً لك من القلب

اخر الافلام

.. -بيروت اند بيوند- : مشروع تجاوز حدود لبنان في دعم الموسيقى ا


.. صباح العربية | الفنان السعودي سعود أحمد يكشف سر حبه للراحل ط




.. فيلم تسجيلي عن مجمع هاير مصر للصناعات الإلكترونية


.. جبهة الخلاص الوطني تصف الانتخابات الرئاسية بالمسرحية في تونس




.. عام على رحيل مصطفى درويش.. آخر ما قاله الفنان الراحل