الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فرص التعديلات الديمقراطية المدنية على الدستور العراقي

عزيز الحاج

2005 / 12 / 19
مواضيع وابحاث سياسية


من التحديات الكبرى بعد تشكيل المجلس النيابي والحكومة الجديدين، معضلة تعديل الدستور كما وعدت وتعهدت الأطراف الديمقراطية والليبرالية قبيل الانتخابات، وهي الساعية من أجل قيام نظام مدني مستند إلى الإعلان الدولي لحقوق الإنسان، والفصل بين السلطتين الدينية والمدنية، والإقرار بحقوق المرأة والقوميات والأقليات القومية والدينية على أسس الديمقراطية ومبدأ المواطنة المشتركة.
إن مسألتي الانتخابات ومصير الدستور مترابطتان بحسب اجتهادي.
لقد ضم الدستور العراقي المعتمد مواد وبنودا متناقضة ومخالفة لمبادئ الدولة والنظام المدنيين. كما يتضمن بنودا تضعف لحد كبير دور السلطة المركزية الاتحادية، وإلى حد إعطاء المحافظات والفيدراليات صلاحية عدم التقيد ببعض القوانين الاتحادية، وكذلك حقها في أن تكون لها مكاتب ملحقة بالسفارات والملحقيات الاتحادية خارج العراق، وهذه بدعة عراقية بامتياز!! ـ حيث لا خبر لي عن وجود مثل هذه الصلاحية لدى أكثر الدول الاتحادية الغربية ديمقراطية!!
بالطبع إن فرص التعديلات بالاتجاه الصحيح ستعتمد على توازن القوى والتحالفات السياسية في المجلس النيابي والحكومة الجديدين. غير أن استقراءً أوليا استشرافيا يشير إلى أن المجلس القادم سيضم أكثرية إئتلافية، ولكن ليس بالحجم السابق، وإلى احتفاظ الجبهة الكردستانية بنسبتها أو ربما أكثر، وإلى نسبة قوية للأطراف التي دخلت الانتخابات كممثلة للسنة، وربما بالدرجة الرابعة قائمة الدكتور علاوي.
هنا نلاحظ أنه، بقدر ما يتعلق الأمر بتعديل المواد التي تنص على كون الشريعة "مصدرا أساسيا للتشريع" وعدم جواز مخالفة القوانين لأحكام الشريعة [ ثوابت أحكام الإسلام]، فلن يحصل دعاته على أكثرية الثلثين، والسبب هو أن الأطراف التي جاءت كممثلة للسنة تطالب بتقوية هذه المواد المخالفة للديمقراطية ولمبادئ النظام المدني، حيث طالبت بجعل الإسلام هو "المصدر الأساسي" للتشريع، بإضافة الألف واللام. وكان الدستور المؤقت قد نص على كون الإسلام "مصدرا" من مصادر التشريع. كذلك في نظرنا سيكون حظ تعديل المواد الخاصة بالأحوال المدنية وحقوق المرأة على أساس قانون مدني للأحوال الشخصية. فالطرفان [الإسلامي الشيعي والإسلامي السني] يعارضان مثل هذا التعديل. وقد نشر كاتب عراقي قبل يومين مقالا يتحدث عن احتمال قيام تحالف سياسي إسلامي سني وشيعي لفرض النظام الديني، رغم اعتقادي بأن مثل هذا التحالف، لو قام حقا، سينطوي على متناقضات وخلافات فقهية وسياسية كبرى تهدد بالانفجار بعدئذ.
ثمة مسائل كبيرة أخرى تخص الدستور، وهي متعلقة بصلاحيات الأقاليم والمحافظات، وصلاحيات الحكومة الاتحادية المركزية. إن الأطراف [السنية] سبق أن تقدمت بمقترحات معقولة ترمي لتعزير دور الحكومة المركزية، وترفض الفيدراليات على أسس مذهبية. هنا ستكون مواقف الائتلافيين حازمة في الرفض. أما الجبهة الكردستانية فهي تدعو لفيدراليات قائمة على أسس ديمقراطية ومدنية لا مذهبية، ولكنني أشك في قبولها لتعديلات مهمة على صلاحيات الأقاليم كما وردت في الدستور.
إلى جانب كل هذا هناك الخلاف حول صلاحيات رئيس الجمهورية، هل ستكون رمزية كما وردت في الدستور أم تعدل باتجاه الدستور المؤقت.
هذه في تقديري إشكاليات و فرص التعديلات على الدستور. وبالطبع فهذا مجرد تقدير استشرافي بانتظار نتائج الانتخابات وخريطة التحالفات البرلمانية القادمة.
وليسمح لي القارئ بربط هذه المعضلة بمبدأ الانتخابات نفسه كما قلت في بداية المقال. فمنذ أيام نشر الأستاذ عادل جندي [ إيلاف عدد 10 ديسمبر الجاري ] مقالا مهما عن الانتخابات المصرية التي حقق فيها الإخوان المسلمون فوزا لا ينكر. الأستاذ جندي يفتح النقاش حول مدى ديمقراطية انتخابات تكون نتيجتها فوز فئات لا تؤمن بالديمقراطية أصلا لكونها ذات مشروع سياسي إسلامي يعتبر الشريعة المصدر الرئيسي للتشريع، وينظر للمرأة نظرة دونية رجالية يجب فرض الحجاب عليها، إقناعا أو قسرا، حتى لو أقر أصحاب هذا المشروع بالحق الانتخابي للمرأة، بل وحتى لو خصصوا للمرأة "كوتا" من المقاعد؛ وذلك مادامت الانتخابات تأتي بأكثرية نسائية ترفض القانون المدني في الأحوال المدنية وتدعم كون الشريعة هي المصدر الأوحد للتشريع، وهذا هو حال أكثرية النائبات العراقيات اليوم.
إن الإشكالية التي يطرحها المقال تعتمد على تقسيم الانتخابات إلى "ديمقراطية صندوقية" وإلى انتخابات "الديمقراطية الحقيقية" في رأيه. يقول المقال تعليقا على نتائج الانتخابات المصرية:
" إن مثل هذه "الديمقراطية الصندوقية"، التي ليست سوى آلية انتخابية توصل إلى السلطة التشريعية، ثم التنفيذية، صورة لما هو موجود في المجتمع ـ حتى لو كانت القيم السائدة هي التطرف والفساد والجهل والعنصرية والتخلف ـ لا علاقة لها بالديمقراطية التي يعرفها العالم المتحضر؛ أي المبنية فوق أسس قيم الحرية والعدالة والمساواة طبقا لدستور مدني."
إن هذا الاجتهاد يفترض حتى لو كانت الانتخابات حرة مائة بالمرة، أي بعيدة عن الضغوط والرشاوى وتدخل المراجع والرموز الدينية وتهديدات المليشيات، كما هو الأمر مع الأسف مع الانتخابات العراقية، التي تنكشف كل يوم وقائع وفضائح من التدخل والرشاوى، وآخرها قرار محافظ النجف بتوزيع الأموال على أفراد ميليشيات بدر بحجة أن هذا تنفيذ لأوامر المرجعية العليا!!!
إن المقال المذكور يذكرنا بالانتخابات الألمانية الحرة في الثلاثينات، التي جاءت بالأكثرية الساحقة للنازيين؛ فهل كان ذلك لصالح الديمقراطية ومصالح الشعب والعالم؟؟ ويمكن كذلك الاستشهاد بالانتخابات الجزائرية التي جاءت بفوز الإسلاميين المعادين للديمقراطية والمؤمنين بالعنف من أجل "قيام حكم الله"!
لسنا في العراق لا هناك [ ألمانيا الثلاثين] ولا هنا [ الحالة الجزائرية]؛ ففي العراق قوى علمانية ومدنية لا تزال قوية، وفي أعماق المجتمع والشعب طاقات خيرة ونيرة يمكن أن تصعد تدريجيا وتقوى مهما طال الطريق، وبرغم الحالات الشاذة اليوم من الطائفية والتعصب الديني والمذهبي، وهي حالات جاءت نتيجة سياسات وممارسات النظام المنهار وكذلك بسبب تصرفات ومواقف الكتل والجماعات الإسلامية المتزمتة والمتطرفة من الطرفين.
إن قضية الدستور ونتائج الانتخابات قضيتان مترابطتان عضويا، وما يمكن قوله اليوم حسب رأينا هو أنه لا ديمقراطية عصرية وصحية بوجود دستور متناقض وشبه إسلامي، وبوجود المليشيات ونزعات الطائفية والتطرف الديني، وعلى أساس التراجع الصارخ لروح المواطنة على نطاق المجتمع كله، وغياب عام لاحترام القانون.
نلكم وجهة نظر مفتوحة لأوسع نقاش وتبادل للآراء بتواضع وموضوعية وبعيدة عن اتهامات وشتائم تعليقات لأصحاب التوقيعات المستعارة، الذين لا يجرئون على كشف أقنعتهم لكي يتعرف القارئ على سيرهم ومواقفهم وارتباطاتهم! فيا لبؤس هذا الابتذال والإفلاس!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الانتخابات التشريعية بفرنسا.. ما مصير التحالف الرئاسي؟


.. بسبب عنف العصابات في بلادهم.. الهايتيون في ميامي الأمريكية ف




.. إدمان المخدرات.. لماذا تنتشر هذه الظاهرة بين الشباب، وكيف ال


.. أسباب غير متوقعة لفقدان الذاكرة والخرف والشيخوخة| #برنامج_ال




.. لإنقاذه من -الورطة-.. أسرة بايدن تحمل مستشاري الرئيس مسؤولية