الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لا تصالح!

إكرام يوسف

2016 / 8 / 7
القضية الفلسطينية


درسنا في مادة الرأي العام والإعلام، كيفية تحويل اتجاهات الرأي العام من النقيض إلى النقيض.. وهي أليات لم تعد مجهولة على أي قارئ غير متخصص للعلوم السياسية، أو مهتم بعلم نفس الشعوب! وتعلمنا كيف تعمل القوى الكبرى بإعلامها ـ الذي تسيره أجهزة مخابراتها ـ بصبر ودأب قد يستغرق عشرات السنين لدفع غالبية شعب ما الى تقبل، وربما تبني، فكرة كانت محل ازدراء ونفور في فترة زمنية سابقة! وتتلخص الآلية في عدة خطوات: أولها السماح بكل وسائل التعبير عن النفور وازدراء الفكرة بشكل مكثف، بحيث تتعود الأذن والنفس على سماع الرمز او الاسم، حتى ولو مقرونا بالازدراء! حتى يتم التنفيس عن مشاعر النفور السلبية الى اقصى حد. ثم تبدأ الخطوة التالية، وهي البدء من حين لأخر في استخدام الاسم او رمز هذه الفكرة بشكل محايد ـ ولو عرضا في سياق الكلام ـ المهم ان يستمر تعود الناس على سماع الاسم او الرمز او تتعود أعينهم على رؤية ما يمثله من رسوم أو صور أو أفلام. ثم تأتي الخطوة الثالثة، وهي تغلغل بعض أشكال الترويج المخففة وغير الملحوظة للفكرة او الرمز، مع استمرار نقدها ـ بصورة يتزايد تخفيفها من وقت لآخر ـ وشيئا فشيئا، تتزايد بجرعات محسوبة أساليب الترويج والدعاية والتحبيب في الفكرة، الى ان نصل ربما بعد أجيال الى تبني الفكرة تماما واعتناقها!!
وكتبت اكثر من مرة، أذكر فيها بأننا من جيل كان لا يستطيع نطق اسم دولة معادية، فكنا نقول ـ مثلما يقول الاعلام الرسمي ومنابر الثقافة ودور التعليم في الستينيات ـ الكيان الصهيوني، أو الدولة المزعومة! وكان العداء للصهيونية سمة تغلغلت في وجداننا مع الفصل الكامل بين معاداتنا للفكرة الصهيونية والصهاينة الذين احتلوا ارض فلسطين، وخضنا ضدهم حروبا ـ سالت فيها دماء آبائنا واخوتنا ـ وبين اليهود أصحاب ديانة سماوية نحترمها ونجلها، وينتمي اليها شركاء لنا في الوطن، وكثيرون في العالم ممن يدافعون عن حقنا السليب، ويناهضون قيام الدولة الصهيونية.
ظل هذا اليقين قائما وثابتا، تلخصه عبارة العظيم أمل دنقل "لا تصالح"! لا يحتاج شرحا او تبريرا، لمن يعرفون كيف نجحت وكالة الصهيونية العالمية في جلب أغراب من مختلف بلاد العالم، لاغتصاب ارض فلسطين وطرد أبنائها وتشريدهم من بيوتهم فيحتلها هؤلاء المغتصبون الأغراب! لم يكن رفض التصالح والإصرار على تحرير كامل التراب الفلسطيني وعودة أبناء الأرض السليبة، بحاجة الى تبرير! فالحق كما يقولون أبلج ولا يحتاج توضيحا، والعائلات الفلسطينية تحتفظ ـ حتى الأن ـ بمفاتيح دورهم التي يحلمون بالعودة إليها مهما طال الزمان؛ ودماء شهدائنا البواسل مازالت تطالب بالثأر. ولم يكن الحلم بعيدا كما يعتقد البعض، فدرس جنوب أفريقيا التي احتلتها الأقلية البيضاء، ونجاح المقاومة والدول المحبة للحرية والسلام، في دفع المجتمع الدولي الى فرض العقوبات على دولة التمييز العنصري، حتى تحرير مانديلا، وتخليص بلاده من وصمة التمييز العنصري، ونجاح التعايش بين جيل البيض الذي ولد على ارض جنوب أفريقيا ولا يعرف له وطنا غيره، وبين السكان السود الأصليين في دولة واحدة تسودها المساوة على أساس المواطنة؛ ظل ماثلا امامنا نحلم بتحقيقه على ارض فلسطين، ونرد به على كل من يتنطعون بالحجة السخيفة "وما ذنب اليهود من الجيل الثالث الذين ولدوا على ارض فلسطين ولا يعرفون لهم وطنا غيرها؟" كنا قول بيقين، عليهم ان يقبلوا العيش في "دولة فلسطين" الواحدة من البحر إلى النهر، دولة ديمقراطية مدنية علمانية، يعيش فيها أصحاب الديانات المختلفة، على أساس المساواة في المواطنة!
إلى أن جاءت كامب ديفيد المشئومة، وما تلاها من محاولات التعامل مع الكيان الصهيوني باعتباره دولة نعترف بها واقصى ما نحلم به "حل الدولتين"، إن سمح الصهاينة، الذين أسموا الكيان الذي أنشأوه على أنقاض فلسطين "إسرائيل ـ الدولة اليهودية" في وثائقهم الرسمية! وصار علينا رسميا أن نقبل برفع علم هذه الدولة التي صار بينها وبين النظام الرسمي لدينا علاقات دبلوماسي، على أرضنا، رغم ان هذا العلم يؤكد بوضوح على حلم "دولة إسرائيل الكبرى من الفرات إلى النيل" ويصور نهري الفرات والنيل تتمدد بينهما نجمة داوود! غير ان جميع مساعي التطبيع الدبلوماسي والرسمي، واتفاقية الكويز وغيرها، لم تنجح في اختراق حاجز الرفض الشعبي للتعامل مع الصهاينة، رغم كل الجهود التي بذلها النظام، بداية من استضافة جناح إسرائيلي في معرض القاهرة الدولي للكتاب، الذي كان يقابل كل عام بمظاهرات عارمة، نجحت في الغائه! ومحاولات دفع صهاينة للمشاركة في مؤتمرات علمية، تعقد على أرض مصر، وما واجهته من رفض قاطع لأساتذة الجامعة المصريين من غير المأجورين للنظام، وصولا الى محاولات دفع الشباب المصري الرياضي إلى الدخول في منافسات رياضية مع رياضيين صهاينة!
دار في ذهني كل ما سبق، وأنا أقرا خبر مشاركة شاب مصري في مباراة لرياضة الجودو مع رياضي صهيوني ضمن أوليمبياد ريو دي جانيرو. ولم يشغلني التبريرات الرسمية لهذه الجريمة ـ فهذا ما دأب عليه النظام الرسمي منذ كامب ديفيد وحتى الحديث عن السلام الدافئ وتوسيع كامب ديفيد لتشمل عددا أكبر من الدول العربية!ـ لكن ما أفزعني حقا، هو تقبل مصريين، ممن لا يمكن التشكيك في مشاعرهم الوطنية، لهذه الجريمة، وصار كل ما يهمهم هو ان ندعو للشاب المصري كي يفوز على الصهيوني. ورفض بعضهم الدعوة للانسحاب بأنها ستعني خسارة المباراة امام الصهاينة وهذا ما لن يقبلوه! وأخذ البعض يدعو الله ليفوز الشاب المصري في المباراة! هكذا!! يحقق الصهاينة ما عاشوا عشرات السنين يحلمون به؛ التطبيع الشعبي مع المصريين، لتذوب القضية الفلسطينية ويضيع الحق الى الأبد! ميدان الرياضة ـ يا سادة ـ ليس ميدانا للقتال، وانما هي مجال من مجالات تمتين مشاعر الصداقة والمودة بين الشعوب! هل تتخيل ان يدخل ابنك المباراة مع شاب قتل ابوه عمك، وطرد ابناءه من بيتهم ليقيم فيه ويربي هذا الشاب الذي "سيلعب" مع ابنك؟ أن يدخل ابنك المباراة فيتبادل معه الانحناء والسلام الودي، وتنتهي المباراة بتبادل الانحناء والسلام الودي، ويتمنى المهزوم للفائز حظا سعيدا!! هكذا، ودم أهلكم مازال يلطخ ايدي الصهيوني وأهله؟ لقد نجح الاعلام المأجور في غسل أمخاخ البعض للأسف، حتى انهم يدافعون عن علاقات طبيعية مع الصهاينة بأمل ان يهزمونهم في مبارة!! وماذا عن الأرض؟ ماذا عن الدم؟ وماذا عن الحق؟ الأمور تبدأ هكذا، يتبادل الشابان التحية، ويتمنى المهزوم للفائز حظا سعيدا بمنتهى الروح الرياضية ـ وفي هذه الحالة ربما لا يمانع الصهاينة في ان يتعمدوا الهزيمة حتى تتمايلون رقصا ونشوة بالفوز في مباراة رياضية بينما هم مستمرون في بناء المستوطنات على جثث اخوتكم ـ وتنشأ في هذه المباريات علاقات الاعتياد والتألف، ان لم تكن الصداقات ـوأغلبها سيكون مخطط له ـ بين المشجعين من الطرفين!
وهكذا، ظهر جيل لا يمانع في نطق اسم دولة العدو كما قررته، ثم بعد تمنع يخفت قليلا قليلا، يصير التعامل التجاري امرا مقبولا وعاديا، وتصبح السلع الصهيونية مقبولة في متاجرنا، ومعها يتقبل المصريون شيئا فشيئا منافسات رياضية، يرفع فيها العلم الذي يؤكد اننا مستهدفون بالاحتلال، ومثلها مهرجانات فنية.. أدعو الله ألا يحييني إلى أن يأتي اليوم الذي نجد فيه لاعبا مصريا يدخل الاولمبياد وهو يحمل العمل الصهيوني، بأي ذريعة، ولو على سبيل الخطأ أولا، ثم بفعل الاعتياد يصبح الأمر مألوفا.. لا قدر الله.. لا قدر الله.. لا قدر الله.. ولا سمح شعب مصر الحر! علموا أبناءكم أن الكيان الصهيوني هو العدو الحقيقي، وأن فلسطين ستبقى عربية!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - هل حقا ان اسرآئيل عدوة العرب والمسلمين؟؟
فهد لعنزي ـ السعودية ( 2016 / 8 / 8 - 19:04 )
اختي الكريمة بعد التحية والسلام عليك وعلى ابناء الكنانة اقول ما سمعته باذني وربما سمعتيه انت هو قول صاحب السمو الملكي السعودي الوليد بن طلال بان لا عدواة بين العرب والمسلمين مع اسرآئيل والعدو الوحيد هم الفرس المجوس وعلى ضوء هذا زار وفد اسرآئيلي الرياض وحديثا زار وفد سعودي تل ابيب تمهيدا لتوطيد علاقات والاعتراف باسرآئيل علنا لان العلاقات بين السعودية والخليج مع اسرآئيل هي علاقات شبه سرية الى حد الآن.اما تحرير فلسطين من البحر الى البحر فهو امنية غير قابلة للتحقيق لان السياسيين الفلسطينيين لهم دور بارز في تمكين اسرآئيل من احتلال ما تبقى من فلسطين وما خلاف السلطة الفلسطينية وحماس على الحكم الا لاجل الامتيازات التي يحضون بها من هذا الانقسام والضحية هو الشعب المغلوب على امره.الا ترين ان بعض الفلسطينيين يقاتلون بجانب داعش في سوريا وهي من حمتهم واعتبرتهم كمواطنين. اختي الكريمه كيفما تكونوا يولى عليكم.الحلم جميل. اصبحت فلسطين الفتاة المدللة والكل يتغنى بها ويتخذها وسيلة لقهر الشعوب. هذا ما قاله محمد المقدسي في وصف القادة العرب.
يا قادة الافيون هذا نعيكم ** فالى الجحيم معاشر الخصيان


2 - خسارة..
معلق قديم ( 2016 / 8 / 8 - 19:49 )
خسارة...الحلو ما يكملش

بالرغم من تفتح ذهنك ورحابة فكرك يا أستاذة لكن التشنج السياسي الذي تسبب فيه الضباط الأشرار وعقد النقص بعد هزيمتهم الأولى منذ حوالي السبعين عاما وما تلاها من هزائم نكراء لايزال يمنعك ويمنع الكثيرين من طلب السلام الكامل الشامل أي بصريح العبارة: التطبيع

أي سلام بلا تطبيع يظل حبرا على ورق وعودة سيناء بعد كامب ديفد تكون سلبطة ونصباية كبيرة من مصر دفعت اسرائيل الثمن ولم تحظى مقابلها بالسلام

من لايزال يدعو للحروب والخراب لتحرير فلس طين هو العدو الحقيقي للشعب المصري الذي تكاد موارده تكفيه للعيش وعدم التعاون الفوري مع من يصفه متحجرو العقول بـ (العدو الصهيوني) سيزيد من خراب وافلاس شعبنا

السلام هو السلام مع التطبيع مع اخراس كل نعيق أو نهيق يقاوم هذا التطبيع وعلاقات سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية وعلمية لن تفيد اسرائيل بقدر ما ستفيدنا نحن المصريين

اخر الافلام

.. موسكو تنفي اتهامات واشنطن باستخدام الجيش الروسي للكيماوي في 


.. واشنطن تقول إن إسرائيل قدمت تنازلات بشأن صفقة التبادل ونتنيا




.. مطالبات بسحب الثقة من رئيسة جامعة كولومبيا الأمريكية نعمت شف


.. فيضانات عارمة اجتاحت جنوب البرازيل تسببت بمقتل 30 شخصاً وفقد




.. بايدن أمام خيارات صعبة في التعامل مع احتجاجات الجامعات