الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العراق بين مطرقة التخبط الأمريكي و سندانة القوى الظلامية

بهاءالدين نوري

2005 / 12 / 19
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


تستمر عمليات التخريب و الإرهاب الدموي في العراق، و بلاخص في المناطق التي يسكنها العرب السنة . ويواصل مناهضو الديمقراطية و الاستقرار والبناء نشاطهم المحموم داخل العراق و حواليه ، و الضحية دوما هوالشعب العراقي . ويستمر نشاط أجهزة الأعلام الداعمة للإرهاب (من فضائيات و صحف و غيرها ) داخل العراق وفي إيران وسوريا وقطر و غيرها من الدول في الدعاية التضليلية لصالح الإرهابيين بزعم أن ما يرتكبون من الجرائم يمثل (المقاومة الوطنية ) ضد (قوى الاحتلال الأجنبي) . وإذا امعنا النظر اكثر وجدنا أن هناك توزيعا للعمل-عفويا كان أم مبرمجا – بين أقسام القوى الشريرة ، التي ترفض الاعتراف بسقوط نظام صدام و تراهن على استعادة السلطة الى أيدي أناس من حملة ذات العقلية الصدامية ، فينشغل فريق في التخطيط و الدعاية و الدفاع عن الإرهابيين و يندفع فريق اوسع ممن يأتون عبر الحدود السورية و الايرانية و غيرها او يلتحقون من فلول النظام البعثي المنهار و من الإسلاميين المتطرفين المتعطشين الى السلطة ، لتنفيذ الجرائم حيثما امكن لهم دون أن يعيروا ادنى انتباه لما إذا كانت الضحايا من الأجانب أو من العراقيين ، مدنيين أو عسكريين، نساء أو أطفالا .....الخ . فالشعار هو ((اقتل ثم اقتل ثم اقتل دون تمييز)) والسفاح الزرقاوى يدعي بأنه يحارب الشيعة في العراق دون ان يتورع في قتل الأبرياء السنة في الاردن و غير الاردن ... فيما يختص فريق أخر من دول ومؤسات وأفراد أثرياء بتمويل الإرهابيين بسخاء و أيجاد السبل السرية و المناسبة لدفع المال و توفير العتاد الحربي لهم .
قد تختلف الأسباب والدوافع وراء مساهمة هؤلاء في تنفيذ العمليات الإرهابية ا وفي دعمها المادي و المعنوي . لكل فريق ستراتيجيته و هدفه الخاص . فلول البعث تريد العودة إلى سلطتها و امتيازاتها ، و الإسلاميون يرون أنفسهم أولى بالسلطة و اقدر، والحكام البعثيون في سوريا ، ورغم انهم كانوا على خلاف حاد و توتر شديد دائم مع البعث العراقي الحاكم طوال سيطرتهم على الحكم ، يجدون في سقوط النظام البعثى في العراق خطرا على نظامهم في الشام واقترابا من مصيرهم المحتوم . و يتناسى حكام طهران ما فعله صدام ضد بلادهم من إشاعة الموت و الدمار طيلة سنوات الحرب القذرة التي شنها عليهم ، و يفضلون - إذا أخفقوا في إيصال الإسلام السياسي الشيعي الى دفة الحكم – عودة اعوان صدام إلى الحكم بدلا من بناء نظام ديمقراطي في العراق أو وجود لامريكا التي يرون فيها خطرا على نظامهم . و تنظر الجماعات شبه الاقطاعية من حيث عقليتها في بلدان الخليج نظرة القلق و الارتعاب الى العراق الديمقراطي لما يشكل من خطر على أنظمتهم الاتوقراطية الاستبدادية فيفضلون قيام نظام بترأ سه صدام جديد . وعندئذ لا يعترضون على وجود قوات أمريكية في العراق .
ولم يجرا عمرو موسى علي كشف نفسه كقومي عربي متعاطف مع إرهابيي العراق القوميين و الإسلاميين السنة . كما لم يجرأ على البوح بكرهه للأكراد و للشيعة العراقيين فقدم نفسه كحمامة سلام و نظم باسم الجامعة العربية و باسم الدول العربية اجتماع القاهرة الذي تقرر فيه عقد مؤتمر للمصالحة الوطنية في العراق . وهذه طريقة لمحاولة إنقاذ الإرهابيين من المأزق الذي يعيشون فيه و لاستعادة بعض القوة لانصار النظام المنهار .ومن الواضح أن ما يجمع اليوم بين هولاء في تأييد الأرهاب وتنفيذه إنما هو العداء للديمقراطية و الخوف من قيامها و ليس العداء لامريكا كنظام سياسي و اجتماعي . وما من شك في أن صراعا دمويا حادا سينشب بينهم فورا إذا تسنى لهم تحقيق هدفهم القذر في التغيير نحو الاستبداد . ذلك لان كل فريق يريد الانفراد بالحكم ولا يقبل بأي شريك ولا بأي تعددية أو تداول للسلطة .
* * *

ما هو مفهوم "الأرهاب" ومفهوم "المقاومة الوطنية" و"طرد قوات الاحتلال " و "تحرير الوطن " و "وحدة العراق" ......الخ ؟
هذه مصطلحات قديمة في الحركات السياسية ذات مفاهيم واضحة تفهمها الناس في التطبيق العملي . فالشعوب العربية – على سبيل المثال – أقدمت على المقاومة الوطنية قبل و أثناء الحرب الكونية الأولى بهدف التحرير من ريقة الاحتلال التركي – العثماني . والشعب العراقي راهن ،اثر الاحتلال البريطاني عام 1917 ، على المقاومة الوطنية المسلحة كسبيل لانتزاع الاستقلال الوطني . والجزائريون عملوا الشيء ذاته ضد الاستعمار الفرنسي في ستينات القرن الماضي . ويمكن القول إن الشعوب حققت ، بالا خص خلال النصف الثاني من القرن العشرين ، مرحلة التحرير الوطني ونالت قدرا لا باس به من الاستقلال الوطني . وإذا كانت الجماهير العراقية قد أنجزت في ثورة العشرين خطوة كبيرة نحو التحرر والاستقلال فانها استكملت هذا الاستقلال في ثورة 14 تموز 1958. لكن حزب البعث الحاكم أساء إلى هذا الاستقلال مرتين ، مرة في عام 1963 حيث نفذ مخططا استعماريا دمويا عن طريق انقلاب الردة في 8 شباط ، وأخرى في 17 تموز 1968 حيث عاد إلى الحكم عن طريق انقلاب عسكري جديد و بمشروع شبيه بما كان عام 963 ، مع الاستفادة بذكاء من تجربة الإخفاق عام 1963.
خلال عقود من سني حكمه فرط البعث الحاكم بالاستقلال الوطني ووقع الدكتاتور صدام ،اثر هزيمته في حرب الكويت ، على وثيقة الاستسلام . وانتهت مغامراته العسكرية بالخنوع للدول المتحالفة و بتجويع الناس اشد ما يكون التجويع في هذا البلد الغني بالبترول و الثروات الطبيعية ، فيما كانت الحريات السياسية سلبية طيلة العهد البعثى . فاية وطنية يمكن التحدث عنها في ظل دكتاتورية صدام ؟ ما هي تلك "الوطنية" التي يمكن تصور وجودها بمعزل عن وجود الإنسان ، وجود المواطن الحرالذي يمنح له الحد الادنى من الحقوق السياسية والاقتصادية و الثقافية ؟ وهل من المنطق في شيئ ا ن تعتبر القوى القمعية التى استخدمها صدام لصيانة نظامه الدموي "قوات وطنية " لمجرد إن رجالها حملوا الجناسي العراقية ، حتى ولو حولهم النظام إلى وحوش مفترسة ضد الشعب والوطن ، وان ندين ونقتل البشر الذين حرروا العراقيين من ذلك الكابوس الرهيب بزعم انهم قوات الاحتلال الاجنبى ؟ وهل يريد من يسمون هذا الارهاب المنفلت ب"المقاومة الوطنية " اليوم أي شيء سوى طرد القوات التي أسقطت نظام صدام واستعادة السلطة للزمرة الصدامية ؟ انني لم ولن ارفض القيم الوطنية ، لم ولن أريد دخول قوات أجنبية الى وطني ... لكنني لن انحاز أبدا إلى وطن تسلط على رقابه دكتاتور فاشئ ارعن من قبيل صدام اننى اكرر ما قلته سابقا : تبا لذلك "الوطن " الذي يصبح سجنا كبيرا للغالبية الساحقة من قاطنيه ويفرض على مواطنيه الجوع والفقر فيما ينهب نفر من الطغاة ثرواته ليثيروا بها الحروب و يبنوا بها القصور الشاهقة .....الخ . إنني اخجل من أن ادافع عن " وطن " كهذا وارى من واجبى ، أولا ، أن أناضل لإسقاط الدكتاتور المستبد لكي لا يبقى الوطن جحيما لاهله ، لكي يعود الوطن إلى أصحابه الشرعيين . إن الشعب الذي يبتلى بسفاح دكتاتور مثل صدام التكريتى حري بان يطلب من المجتمع الدولى و من الأمم المتحدة إرسال القوات العسكرية لتحريره من طاغية البلد ،حرى بان يستقبل بالازهار محرريه . فالوطن ليس مجرد التربة و الصخور و ما فيها من الجماد ، بل هو الماوى للانسان والمنبع للحياة السعيدة . يريد الإنسان أن يكون له وطن لكي يجد لنفسه مقاومات العيش الكريم ،وليس لكي يقتل و يطارد و يجوع و ينهب لا لذنب ارتكبه ، بل لان الحاكم مجنون مستبد من قبيل صدام . ولم يكن من وليد الصدف أن غادر و يغادر الملاين من الناس أوطانهم حتى دون أن يكرهوها و دون ان يكونوا مبتلين بحاكم كصدام ، بل لمجرد البحث عن عيش أرفه و حياة اسعد في بعض البلدان الأخرى الأكثر تطورا.

من المؤكد أن تحرير الوطن – العراق – على أيدي العراقيين و دون تدخل من المجتمع الدولى و من القوى الخارجية كان هو الحل الافضل لمشكلة العراق . ومن المؤكد أيضا إن الاوساط الأمريكية – و البريطانية ومن شاركها في عملية إسقاط النظام الصدامى أقدمت على التدخل و تحرير العراق ، اولا و قبل كل شيئ ، بدافع من مصالحها الخاصة ( التى تلاقت مع مصالح الجماهير العراقية )
بيد ان من المؤكد ايضا ان اسقاط النظام على ايدى العراقيين كان صعب المنال و فوق قدرات المعارضة العراقية في الظرف الراهن و في المستقبل المنظور . فالمسالة كانت تظل لسنوات اخرى طويلة على الوجه التالي : اما ان يبقى نظام صدام بكل ما كان فيه من الجوانب السلبية التدميرية او يسقط على ايدى قوى خارجية هى القادرة على اسقاطه . و بديهى ان جميع المرتبطين من حيث مصالحهم بذلك النظام كانوا والى جانب بقائه و رفض كل تدخل اجنبى . كان هؤلاء يدافعون عن مصالحهم الشخصية و الفئوية . وكانوا يحاولون تبرير ذلك بذريعة الدفاع عن "الوطن" و " الاستقلال الوطنى " و " رفض التدخل الأجنبي " و كان لغالبية العراقيين راى مغاير اذ وجدوا في هذا الموقف دفاعا عن النظام الفاشي الممقوت الجدير بان يسقط و يرسل الى الجحيم .
اننى اقول لاولئك الذين يدافعون اليوم عن العمليات الارهابية الجارية في العراق بزعم انها " مقاومة وطنية " ونضال سياسى – عسكرى ضد الاحتلال الاجنبى :
لا ايها السادة ! لستم حريصين على مصلحة هذا الوطن ولاتعتبرون العراق بشكله الحالى و طنا لكم ، بل تريدون ذلك " الوطن " الذي كان ايام حكم صدام ،وطن الحروب و الارهاب و التجويع و المقابر الجماعية و الذي تمارسون اليوم ضد الوطن العراقي ليس الا امتدادا لذلك الارهاب الذي كان بالنسبة اليكم بقرة حلوب ! والارهاب الهمجي الذي كان يمارسه بالامس نظام صدام في العراق و نظام طالبان في افغانستان . و الفرق الوحيد بين ارهاب اليوم و ارهاب الامس هو انه كان بالامس ارهاب الدولة المنظم المبرمج الاوسع بكثير ، فيما تشكلون انتم اليوم عصابات ارهابية خارج السلطة و تمردا عليها و على "الوطن"
ا ن مؤيدي المعسكر الارهابي في العراق يرفعون و يرددون بكثافة شعارات "وحدة العراق " و " الوحدة الوطنية " و "العراق اولا " .....الخ كستار لتغطية نواياهم الحقيقية و الحاحهم على استعادة المعادلة القومية – الطائفية السابقة التى غدت فيه زعامة السنة العرب للعراق ، رغم التفوق العددى الكاسح للشيعة العرب ، امرا مسلما به و غير قابل للنقاش او للتغيير . وهم يفسرون دون وجه الحق اي موقف من غيرهم ولا يروق لهم بانه يهدد وحدة العراق و يرمى الى تقسيم العراق وينعتون كل مطالبة كردية بالحقوق القومية المشروعة ، بل بابسط هذه الحقوق ،بانها "ميول انفصالية " و " محاولات للانفصال " وكأن مطالبة شعب ما بالانفصال و تكوين دولة مستقلة جريمة لاتغتفر !! ان هولاء يجيدون انفسهم الاصحاب الشرعيين للعراق بجميع مكوناته القومية و الطائفية و الدينية . وهم ينظرون الى الفدرالية كخطر وكخطوة نحو التقسيم و يؤيدون العمل الارهابى كوسيلة – حسب زعمهم – للحيلولة دون التقسيم وللاحتفاظ بالزعامة السنية العربية . ان التعصب القومى – الشوفينى يمنعهم من ادراك حقيقة ان السياسة الهوجاء التى اتبعها نظام صدام طوال 35 سنة من حكمه كانت هي المصدر الحقيقى لمخاطر التقسيم في العراق ... ولا يريدون ان يقبلوا فكرة او حقيقة ان التقسيم امرمحتمل في اى دولة متعددة القوميات وانه ليس من الكفر لابناء قومية ما ضمن دولة متعددة القوميات أن يطالبوا بالانفصال و تشكيل دولتهم المستقلة بالسبل السلمية الديمقراطية و عبر صناديق الاقتراع ، خصوصا عندما ينبري البعض – كما يفعل ممثلو القوميين والاسلاميين السنة العرب عندنا اليوم – للدفاع علنا عن الاعمال الإرهابية و لتبرير الجرائم البشعة في قتل الأطفال و النساء والمواطنين العزل ولتمجيد القتلة الإرهابيين.
انني اناشد الاخوة والاخوات من العرب السنة في العرق ان يكونوا واقعيين ويقظين و الا تنطلى عليهم الدعا يات التضليلية للبعثيين وسائر المتطرفين من القوميين والاسلاميين المصرين على الارهاب و القتل و التخريب – كما كان يفعل الطاغية التكريتى . ان مسالة زعامتهم باسلوب الفرض والاستبداد ، التى استمرت قرونا متعاقبة ، قد ذهبت الى غير رجعة . وسوف لن تكون هذه الزعامة و بنفس الكيفية لاي قومية او طائفية اخرى في هذه البلاد لان عهدا جديدا قد بدا و يجري العمل على بنائه ، عهد الديمقراطية والحضارة الحديثة التى يجب ان تتشكل فيها الزعامة عبر صناديق الاقتراع و على اساس مبدا تداول السلطة سلميا ، بدلا من اللجوء الى الارهاب و القسوة واحتكار حق العمل و السلطة و الزعامة لدكتاتور فرد ام لحزب او فئة . و اذا اصر السنة العرب من القوميين و من ازلام البعث العفلقى (ولا اقصد باى حال الديمقراطيين الواعين من العرب السنة )على نهجهم في تحبيذ و تشجيع الارهاب بذريعة انه يمثل "المقاومة الوطنية " ويحاربون "الاحتلال الاجنبى "فان عليهم ان يتحملوا مسؤولية تعريض العراق لحرب اهلية طاحنة هم اكثر من يكتوي بنارها و اخر من يستطيع تحقيق " الوحدة الوطنية " بشكله السابق ... و اذا اصروا فانهم سيجدون انفسهم إزاء خارطة سياسية جدبدة للعراق ، ازاء قيام دولة للعرب الشيعة و ثانية للكرد وثالثة للعرب السنة
* * *
اذا اخذنا دور الادارة الامريكية في العراق تاريخيا فانها حافلة بالمتناقضات و السلبيات . نشير منها الى الاسهام الامريكى الفعال في طبخة انقلاب1963 الفاشى الدموي الذي حول العراق الى حمامات للدم ، والى الاسهام الفعال ايضا في طبخة انقلاب 1968 الذي اعاد حزب البعث و شخص صدام الى الحكم في العراق , وكذلك في دعم صدام وتمكينه من الصمود في الحرب ضد ايران ومن الخروج من تلك الحرب شبه منتصر . غير ان حماقة صدام ،الذي تصرف بغرور كبير عند احتلاله للكويت عام 1990 ، غيرت العلاقة بينه و بين الادارة الامريكية و هيات لحرب تحرير الكويت التى كانت نتيجتها معروفة مسبقا . وحتى بعد هزيمة صدام عسكريا في هذه الحرب تحاشى الامريكيون اسقاطه بسبب خوفهم من انتصار الاسلام السياسى الجعفرى واقامة محور طهران – بغداد الاسلامي المناهض لهم .
على ان اقدام الادارة الامريكية على التدخل العسكرى لاسقاط نظام صدام في اذار 2003 فتح صفحة جديدة من العلاقات الامريكية – العراقية و جعل في امكان حكام واشنطن ان يزيلوا الانطباع الشعبى السيئ ، الذي تكون في السابق ، تجاه امريكا ، وان يكسبوا ود الغالبية من العراقيين . لكنهم لم ينجحوا في ذلك – باستثناء اقليم كردستان الذي كانوا قد كسبوا عطفه قبل 2003 و عن طريق تامين الحماية له من تطاولات نظام صدام – اما لماذا لم ينجحوا فان السبب يعود الى تصرفاتهم الخاطئة في عراق ما بعد صدام ، مؤكدين مرة اخرى صواب ما قاله جرجل في اوائل الحرب العالمية الثانية " لن يهتدى الامريكيون الى طريق الصواب الا بعد ان يجربوا جميع الطرق الخاطئة " . لقد بداوا فعلا ، وسواء عن قصد او غير قصد ، بتجربة الطرق الخاطئة ، ولازالوا مستمرين على هذه التجارب ! واشير فيما يلى الى البعض من هذه الاخطاء وليس كلها :
1. منذ بدء مجيئهم الى العراق استصحبوا معهم عناصر عراقية هزيلة لم تكن لها سمعة جيدة و لا قاعدة شعبية في العراق و لاامتداد سياسى و تنظيمى ، واعتمدوا عليها ولايزالون ، وهى غير كفوءة وغير جديرة بالمهمات التى او كلت اليها .
2. واقترن ما اسبقنا انفا بتجاهل متعمد او غير متعمد للعناطر الكفوءة من العراقيين الذين ناضلوا وضحوا ضد نظام صدام ، والذين يملكون التاريخ النضالى المشرف والسمعة الحسنة شعبيا ، وهم البديل الطبيعى امن يبحث عن بديل يملاء الفراغ بعد سقوط نظام صدام . لنتحدث بوضوح اكثر . داب النظام الدكتاتورى طيلة سني حكمه على محاربة القوى و التنظيمات الديمقراطية و ركز على قمعها اكثر من غيرها .و تمكن من توجيه ضربات كبيرة اليها اصيبت جراءها بالضعف والشلل . وكان من واجب الادارة الامريكية و من مصلحتها هى ، فيما لو كانت جدية في اصلاح الوضع وبناء الديمقراطية في العراق ، ان تعتمد على هذه القوى و تبحث عنها و تستمع الى ارائها و تقدم لها الدعم الجدى لغرض انهاضها والاستعانة بها في اعادة الترتيب و بناء العراق الديمقراطى الجديد . ذلك لان هذه القوى و حدها المخلصة والجدية لبناء الديمقراطية ، بعكس القوى السياسية الاخرى التى تسعى الى اهدافها الحزبية الخاصة الضيقة . ولسنا بحاجة الى البراهين لتاكيد تقصير الامريكيين لانهم استمروا حتى اليوم في تجاهل هذه القوى الديمقراطية ، بعكس ما فعلوا مع القوى و العناصر غير الديمقراطية او الديمقراطية فقط بالاسم .
3. وقد ارتكب الامريكيون خطا جسيما منذ دخولهم العراق حيث تغاضوا عن اعمال السلب و النهب الواسعة التى قام بها الناس في بغداد و جميع المناطق التى كانت سابقا تحت سيطرة صدام . كانت هذه الاعمال تجسيدا للخلق البعثى الذي ربى به صدام العراقيين طوال 35 سنة من عهده . وقد كان بمستطاع الأمريكيين ان يمنعوا او يقلصوا اعمال النهب في القطاع العام و حتى القطاع الخاص , فيما لو ارادوا ذلك كما فعلوا في وزارة واحدة – هى وزارة النفط . لكنهم ارخوا الحبال وتركوا الناس تنهب وتنقل المسروقات على مراى ومسمع منهم . كانت تلك فرصة تاريخية مواتية لتوجيه ضربة عملية الى الخلق البعثى المنحط ولاعادة بناء الانسان العراقى و لو قليلا . وكان من مصلحة الامريكيين انفسهم ان يفعلوا ذلك ، لكنهم لم يفعلوا ، بل فعلوا العكس و تعلم الكثيرون منهم ممارسة النهب والسرقة . و يدور الحديث في اوساط كثيرة عن سرقات كبرى قام بها بول بريمر نفسه و مسؤولون اخرون .
4. وبعد تسليمهم السلطة الى العراقيين بقى الامريكيون ولايزالون يتحكمون ببعض الامور المهمة ويخطؤن فيها :انهم اخطاوا في التوقيت لبعض الاحداث والاجراءات الهامة ، تسرعوا دون مبرر في تحديد موعد الاجتماع الذي انتخب فيه البرلمانية الموقت قصير العمر و تسرعوا في تحديد موعد الانتخابات البرلمان السابقة و الحالية " اي في 15 كانون الاول الجارى " ، وفي تحديد موعد الاستفتاء على الدستور ......الخ . فالمواعد لهذه الانتخابات كانت سابقة لاوانها و لم تتهيا الظروف للقيام بها ، كما لم يجر الاختيار الموفق في توزيع المناصب الوزارية – الحكومية . ولم يحدث بمعزل عن هذه الحقيقة ما جرى من الفساد الادارى و من السرقات الكبرى والرشاوى بين الوزراء والمسؤولين . ورغم نشر الكثيرعن هذه السرقات في اجهزة الاعلام ، ورغم ذكر اسماء عديدة و تشخيص السراق والمرتشين من قبل مفوضة النزاهة فان اى اجراء جدى لم يتخذ للان بحق المتهمين . وتقع المسؤولية في ذلك على الامريكيين قبل غيرهم . كان من الصحيح – منذ انتقال السلطة الى العراقيين – اعلان حالة الطوارى والاوضاع الاستثنائية في البلاد لمدة ستة اشهر قابلة للتجديد في حالة بقاءالمررات ، بهدف كبح جماع الارهاب و تشكيل محاكم خاصة لمحاكمة المجرمين دون تاخير ولتنفيذ الاحكام الصادرة بحقهم ، بما في ذلك احكام الاعدام . كما كان من الضرورى تشريع قانون واف لمكافحة الارهاب منذ الايام الاولى لتاسيس مجلس الحكم الموقت . ذلك لان الارهاب لم يسبب فقط قتل عشرات الالوف من ابناء العراق الابرياء ومن العسكريين العراقيين والاجانب ، بل عطل في البلاد اعادة البناء واستتباب الامن وحل العديد من المشاكل واشاع الذعرو الدمار والتخريب ......الخ .
5. على ان الخطا الاشد خطورة واضرارا الذي وقع فيه الامريكيون كان في مسالة تاسيس الشرطة والجيش و الاجهزة الامنية العراقية . حسنا فعل بريمر في اصدار قانون بحل الجيش العراقى الذي كان قد اصبح تدريجا خلال السنوات الخمس و الثلاثين من حكم البعث ، جيشا بعثيا شكلا و محتوى و لم يعد باى حال جيشا للعراق ولم يبق على علاقة جدية بالمهمات التى يؤسس من اجلها الجيش .وقد احتج بشدة ممثلو القوى القومية و الاسلامية من العرب السنة على هذا الاجراء لانهم كانوا يبنون على بقائه بعض الامال في استعادة سلطانهم المفقود . غير ان الامريكيين لم يقرنوا هذا الاجراء بما كان ينبغى من اجراءات تكميلية لبناء قوات عراقية مسلحة . انما قاموا باجراءات خاطئة عقدت الوضع اكثر من ذى قبل . كان بالا مكان الاعتماد علىالتنظيمات و العناصر الديمقراطية و الوطنية النظيفة في تجميع الشباب وتشكيل نواة موثوقة من وحدات الجيش والشرطة ، وايكال المهمات الامنية اليها داخل المدن واحيائها و في القصبات و الطرق الخارجية ، وكانت هذه النواتات اجدر واكثر قدرة على قطع دابر الارهاب قبل ان يشتد زراع القوى الارهابية . وقد عرضت هذه الافكار على الامريكيين من قبل عدة جماعات و عناصر . لكنهم لم يفعلوا و لم يعتقدوا بانهم في حاجة الى من ينصحهم ، بل اجاب بعضهم بان اجراءات كهذه لا تنسجم مع القوانين الامريكية متناسين بانهم في بلد اخرتختلف ظروفه عن ظروف امريكا . فكان ان دعوا من مكبرات الصوت الناس الى التواجد في الوقت الفلاني وفي المكان الفلانى بغية تسجيل اسماءهم كمتطوعين في الجيش و الشرطة . فوقف المئات و الالوف في الشارع ليصبحوا اولى وحدات الجيش الجديد ، وهم كانو خليطا من افراد الجيش البعثى السابق الفاسد و من حثالة المجتمع و من عناصر ارهابية ارسلت للتسلل و التخريب لاحقا ، وفي افضل الحالات من ميليشيا بعض الاحزاب و الحركات التى لم تفهم من المسالة سوى محاولة السيطرة الحزبية الضيقة على الجيش الجديد !! وقد كشفت الوقائع لاحقا كم كان هذا التصرف ، هذا الطراز من تشكيل الجيش ، خاطئا و ضارا واية اضرار جسيمة ترتبت عليه . واخر هذه الاضرار كان انفجار شرطيتين انتحاريتين في اكاديمية الشرطة ببغداد يوم امس حيث استشهدت العشرات و جرح اكثر منهم . ذلكم كان جزءا من القوات المسلحة التى شكلها الامريكيون بطريقتهم الخاصة !
وهل من حل اهذه المشكلة ؟
نعم يمكن الحل ، رغم انه متاخر و صعب ، ولكن على ذات الاسس التى اشرنا اليها في هذا المقال . وهذا ما ليس سهل التحقيق في ظل سلطة احتفظت الاحزاب الرئيسية المشاركة فيها بميليشياتها الحزبية .
ذلكم هو بعض من اخطاء الامريكيين في العراق .




اقليم كردستان _سليمانية

كانون اول 2005








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الضفة الغربية: مقتل 7 فلسطينيين بنيران القوات الإسرائيلية في


.. زيلينسكي يطمئن الأوكرانيين ويعيد التأكيد على الحاجة الماسة ل




.. الأطفال في لبنان يدفعون غاليا ثمن التصعيد في الجنوب بين -حزب


.. ردود فعل غاضبة في إسرائيل على طلب إصدار مذكرات توقيف بحق نتن




.. جيل شباب أكثر تشدداً قد يكون لهم دور في المرحلة المقبلة في إ