الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأفكار والحركة والسينما في مسرحية -الإبر والأفيون- لروبير لوباج

هناء سليمان

2016 / 8 / 9
الادب والفن



حينما طلب روبير لوباج المسرحي الكندي الشهير من زملائه أن يختاروا اسمًا للفرقة التي تكونت في 1994 وسميت إكس ماكينا ex machina اشترط ألا تكون به كلمة “المسرح”، لوباج -المولود في الستينيات في كيبيك بكندا- مؤلف ومخرج مسرحي وممثل ومخرج سينمائي أخرج أوبرا وعرضًأ لسيرك دي سولي. فهو يرى أن فنون الأداء من مسرح ورقص وأوبرا يجب أن تمتزج بالفنون التسجيلية كصناعة السينما والفيديو والوسائط المتعددة. ويعتقد أن الجمهور المعاصر يجيد من خلال تجربة مشاهدة السينما وتجاربه المختلفة لغة جديدة، لغة غير خطية.
كان العرض الأول لإبر وأفيون في 1991 قبل عصر الإنترنت ووسائل الاتصال الاجتماعي كما يقول لوباج. وحينما اقترح الممثل مارك لابريش (الذي أدى دور روبرت وجان كوكتو) إعادة العرض الذي كان لممثل واحد في البداية وجد لوباج أن الأسئلة الوجودية التي طرحت من خلال أزمة البطل وخطاب كوكتو للأمريكيين الذي كتبه في الطائرة خلال رحلة العودة لباريس لم تفقد دلالتها بل ربما كانت نبوئية. وتطور العرض الذي كتبه لوباج لممثل واحد بديكور بسيط نسبيًا إلى مزيج مركب من الحكي والإبهار البصري باستخدام تقنيات متطورة وموسيقى الجاز في 2013 وعرض على في مركز باربيكان بلندن في يوليو هذا العام.
خلق عرض “الإبر والأفيون” توازيًا بين زيارة جان كوكوتو الشاعر والمسرحي والمخرج السينمائي والفنان التشكيلي لنيويورك في 1949 وزيارة مايلز ديفيز عازف الجاز الأمريكي الشهير لباريس في العام نفسه من خلال البطل “روبير / روبرت” الذي يزور فرنسا بعد أربعين عامًا من زيارة مايلز ديفيز ليشترك في فيلم عن زيارة ديفيز لباريس. الرجال الثلاثة يشتركون في فقد لعلاقة حب وهناك تأملات في الفقد والإدمان وعملية الإبداع. ويعتقد بعض النقاد أن ملامح من السيرة الذاتية موجودة في العمل لأن لوباج كتب النص بعد فشل علاقة حب. وتوجد أصداء من سيرة لوباج الذاتية في عروض سابقة مثل الجانب الخفي من القمر وفينشي بل إن أحد النقاد يذهب إلى أن أعمال لوباج تسجل سيرة ذاتية مستمرة. ولكن لوباج يقول إن “روبرت هو أنا وليس أنا”. فلوباج من كيبيك المقاطعة الكندية الناطقة بالفرنسية في كندا حيث الانجليزية هي اللغة الأولى وهويته أمريكية شمالية وأوروبية.
تتنقل الشخصيات بين عالمين، فروبير / روبرت الذي يتحدث الانجليزية والفرنسية جاء إلى باريس ليسجل الصوت لفيلم تسجيلي عن الوجوديين في الستينيات يدير حوارًا تشوبه السخرية أثناء التسجيل مع منتجين أحدهما فرنسي والآخر أمريكي في إيماءة إلى الفروق الثقافية بين العالم الفرانكوفوني وأوروبا من ناحية والثقافة الأمريكية من ناحية أخرى. ويقرأ جان كوكتو وهو يطير في فضاء المسرح مقتطفات من خطابه للأمريكيين بعد زيارته التي عرض فيها فيلمه “نسر ذو رأسين”. وهو يحذر الأمريكيين من أنهم لا يحلمون في الإبداع إلا أثناء النوم. وهناك لقطة تعيد أداء كوكتو بأذرع متعددة يقوم بأكثر من نشاط في الوقت نفسه.
عازف الجاز مايلز ديفيز يزور باريس حيث يشعر للمرة الأولى أنه حر، يستطيع أن يسير في الطريق مع امرأة بيضاء بعيدًا عن التفرقة العنصرية. يقع في غرام جوليت جريكو المطربة الفرنسية الشابة القريبة من دوائر الوجوديين وتبادله الحب. ولكنه يعود إلى أمريكا بعد زيارته القصيرة ويلجأ للهيروين. تنعكس على الشاشة خطوات مزج الهيروين ويمد الممثل يده للظل ليحقن نفسه في مزج بين الصورة السينمائية والجسم الفيزيقي. قام بالدور الصامت ويلزلي روبرتسون الثالث ولكننا ندرك قصته في لقطات مختلفة من خلال الفيلم التسجيلي ومن الحضور الطاغي لموسيقاه.
الإبر ليست مرتبطة بالإدمان فحسب، بل بالإبر الصينية وعلاج الألم. روبرت في المشهد الأول يرتدي ما يشبه خريطة لخطوط الطول الصينية للجسم، خريطة لمسارات الطاقة وفقًأ للمعتقدات الصينية القديمة التي مازالت تستخدم في علاج الألم وحالات أخرى بالوخز. والإدمان لا يرتبط بالهيروين والأفيون بل هناك إدمان للحب أيضًا يطرق روبرت أوباب معالجين مختلفين للتخلص منه.

لا تستطيع كلمة مبهر أن تصف السحر الذي صنعه لوباج من خلال مكعب يتحول من غرفة في فندق إلى ستوديو لتسجيل الصوت إلى الفضاء اللانهائي، سحر يمزج بين التمثيل الحي والتصوير السينمائي والموسيقى. ففي مشهد حب بين ديفيد مايلز وجولييت جريكو يهبط الممثل من الحائط إلى انعكاس لصورتها في الحمام. ومن خلال أشكال مجردة من حمام جريكو تظهر منعكسة على الشاشة يجمع آلة الساكسفون ويبدأ في العزف منتقلا إلى المكعب وهو يعزف على الحائط حرفيًأ. وجان كوكتو يحلق في فضاء المكعب وهو يقرأ رسالته للأمريكيين التي كتبها بالفعل في الطائرة وهو يعبر الأطلنطي . يوصف إنتاج لوباج المسرحي بأنه سينمائي وتذهب إيرين شاختر إلى أنه يمكن فهم الإبر والأفيون كفيلم فني، والسينما الفنية وفقًا لديفيد بوردويل نوع من السينما لا يتبع الحكي الخطي الهوليوودي بل يركز على أعماق الشخصيات ودوافعها وعلاقتها بالعالم ليصنع واقعًا متشظيًا أشد تعقيدًا بالمقارنة بالسرد الكلاسيكي في روايات القرن التاسع عشر، ويمكن تتبع جذوره في الفيلم الفني film d’art في بدايات السينما والتعبيرية الألمانية والانطباعية الفرنسية في الفن، بل أعمال أدبية حداثية لكتاب كبروست وفوكنر وكامو و من رواده فيليني وبرجمان ورينوار. وتشترك تلك الأعمال السينمائية بوجود البطل في لحظة وجودية دالة، وفي الإبر والأفيون نجد الشخصية الرئيسية في لحظة فقد وحنين غريبًا وبعيدًا عن وطنه.
الإبر والأفيون عرض عن تخطي الحدود، حدود الثقافات والجسد والمشاعر والأشكل الفنية والمجال الحسي جدير بالاحتفاء والتأمل.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وفاة زوجة الفنان أحمد عدوية


.. طارق الشناوي يحسم جدل عن أم كلثوم.. بشهادة عمه مأمون الشناوي




.. إزاي عبد الوهاب قدر يقنع أم كلثوم تغني بالطريقة اللي بتظهر ب


.. طارق الشناوي بيحكي أول أغنية تقولها أم كلثوم كلمات مش غنا ?




.. قصة غريبة عن أغنية أنساك لأم كلثوم.. لحنها محمد فوزي ولا بلي