الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تركيا وملف الكرد في سوريا

إدريس نعسان

2016 / 8 / 9
مواضيع وابحاث سياسية


وسط تعقيدات خارطة التدخلات السياسية على الأرض السورية، ومشاهد فك الارتباط وإعادة التطبيع التي تحدث كنتيجة حتمية لاختلاف مصالح القوى المتدخلة، تزداد التكهنات والتحليلات حول ما ستجلبه المغازلات الجديدة ورسائل الود التي يتبادلها الأصدقاء –الخصوم –الأصدقاء، بعد أن ذاب الجليد عن علاقاتهم المجمدة وتناغمت رؤاهم وتعار يفهم حول ما كانوا يختلفون أشد الاختلاف حياله في الأمس القريب.
القراءات بجلها تتركز حول المعارضة السورية وكيف سيبدو عليها حالهم لو تخلت تركيا عنهم وأدارت لهم ظهراً بعد أن كانت عرابتهم وسندهم الأقوى والأقرب طيلة السنوات الماضية من عمر الأزمة السورية. أين سيتربعون وكيف وهل ستقوم لهم قيامة بعد ذلك؟
قد تكون التطمينات التركية كإبر مخدرة ريثما تنهي عملياتها المستعجلة وتقطبها، لكن الواقع يسير إلى مآلات لن ترضي المعارضة السورية ومظلتها السياسية المتمثلة بالائتلاف الوطني السوري حتماً. إذ إن التوافق الروسي التركي التام حول تعريف الجماعات الإرهابية حتماً يغازل رؤى موسكو المعتبرة كل الفصائل المقاتلة ضد الأسد إرهابية وكذلك معارضيه السياسيين في الخارج. وإدراكاً لهذه المخاوف رأينا بعضاً من تصريحات الامتعاض مؤخراً من شخصيات المعارضة ومسؤوليها، حيث ترافقت بجملة من الاستفسارات التي يتخوفونها من قادم الأيام. ولكن هي لغة المصالح والعرف الدارج القائل "لا أصدقاء دائمين وإنما هنالك مصالح دائمة".
بالتوازي تركز التحليلات أيضاً على الجانب الكُردي السوري ولاسيما المقتاد بحزب الاتحاد الديمقراطي PYD وقواتهم العسكرية، قوات سوريا الديمقراطية ذات الغالبية الكردية ومشروعهم الفيدرالي في الشمال السوري. إذ لا يخفى على أحد أن التنازلات التركية وانعطافتها الحادة تستقصد الجهة الكُردية المذكورة كأكبر تهديد لأمنها حسب ما ترتأيه وهذا ما يدفع بهواجسها كلها إلى محاولة عرقلة التقدم الكُردي ووقفه بأي ثمن كان. وفي المقابل يرى البعض أن استعجال الكُرد والمكونات المؤتلفة معهم تطبيق فيدراليتهم المنشودة على الأرض قبل أن ينعكس التقارب الروسي – التركي- الاسرائيلي وربما التفاهم مع النظام السوري -إن صحت التسريبات وصدقت الأقاويل- سلباً عليها، ولكن تبقى المعارك الميدانية ولاسيما معركة منبج الحامية راهنا، هي العقدة التي بحلها ستُحدد خارطة المنطقة وتحالفاتها الجديدة. وربما استكمال تحرير منطقة منبج كاملة ستنتزع اعترافاً دولياً بمشروعية قوات سوريا الديمقراطية وأحقية قيام فيدرالية روج آفا- شمال سوريا الآنفة، وهذا برأيي سبب آخر لتأخر الحسم ومحاولات إطالتها بصورة أو بأخرى. وقد تكون بعض أسبابها شبيهة بمجريات معارك التصدي في كوباني من حيث رغبة التحالف استقطاب أكبر عدد ممكن من عناصر داعش إلى المدينة وقتلهم – كما تجذب قطعة الجبن الفئران من كل صوب- لاستنزاف التنظيم المتأمل دوماً بتغيير المجريات على الأرض، لكن يبقى السبب السابق مطروحاً ومنطقياً إلى حد معقول.
فهذه المعركة التي جادلت كثيراً وتأزمت العلاقات الدولية حيالها واصلة إلى مراحل من الفتور المترافق بالشك والريبة، استطاعت أن تنتزع موافقة مكرهة من أشد معارضيها (تركيا) بعد أن حصلت الأخيرة على تطمينات وتأكيدات أمريكية بتوكيل قيادة المعركة إلى قيادات عربية وحتمية انسحاب المقاتلين الكُرد بُعيد التحرير من جغرافية منبج لصالح القيادات العربية المحلية، شريطة ألا يقارب الكُرد شريطاً بعمق 15 كلم يمتد من جرابلس إلى منطقة إعزاز التي تسيطر عليها فصائل المعارضة المسلحة والإسلامية.
إلا أن تركيا المتوجسة من الدور الكُردي المتزايد على حدودها الجنوبية كما أشرنا قبل قليل، لم تكف عن محاولاتها الضاغطة جهة عرقلة التقدم الكردي مهما كلفها الأمر، فبعد أن فشلت في كسب الثقل الأوربي الحليف في صفها وتراءى لها أن الإدارة الأمريكية لن توافق على مخططاتها في الشمال السوري وعلى رأسها المنطقة الآمنة التي طالما تغنت بها دون جدوى، انعطفت إلى تغيير دبلوماسيتها وسياستها الخارجية بعد أن تخلصت من خصوم داخليين أمثال أحمد داوود أوغلو الملقب بمهندس سياسة "صفر مشاكل مع الجيران" وكأن كبش الفداء هو الذي خطط ونفذ كل شيء بمفرده. وأخذ الرئيس التركي أردوغان يتحين الفرص ويمهد بالكلام المعسول الأجواء لرسالة اعتذار كأقل خسارة ممكنة وسط الخيارات الأخرى الأكثر إيلاماً ووجعاً فيما لو أستمر راكباً رأسه. والواضح أن القيادة التركية التي لجئت إلى أهون الشرين للتخلص مما تعتبره الشر الكُردي المتنامي بجوارها، بدأت تستثمر اعتذارها لروسيا وتصالحها مع إسرائيل في التقرب إلى النظام السوري وإطلاق تصريحات ممهدة لما توصفها بإعادة العلاقات الطبيعية مع سوريا.
لقد أدركت تركيا أنها تخطت - عبر تطلعها إلى لعب دور أكبر في المنطقة - الحدود المسموح بها في هامش تحقيق المصالح الدولية والإقليمية عندما أرادت أن تفرض ثقلاً أكبر على الجميع ولاسيما التحالف الإيراني- الروسي- الأسدي، انطلاقاً من إسقاط النظام السوري الطائفي واستبداله بمعارضة طائفية موالية لها. لتقطع التواصل بين سوريا وإيران وتخنق حزب الله اللبناني كرأس حربة نابض لتحقيق ما يعرف بالهلال الشيعي المنشود تحت غطاء محاربة إسرائيل والدفاع عن القضية العربية الإسلامية المركزية "فلسطين" وتحرير جنوب لبنان وغير ذلك. لكن التردد الغربي – الأمريكي في مساندة المعارضة السورية ومناورتها فيما دون مستوى السعي الجدي إلى إسقاط النظام لأسباب مختلفة، أفسح المجال أمام المحور المشار إليه لفرض رؤاه وإرادته على الواقع السوري سواءاً عبر أروقة القرار العالمي باستخدام روسيا حق النقض الفيتو وعرقلة المحاولات الدولية الخجولة في مساندة الشعب السوري أو بإرسال المليشيات والمقاتلين الطائفيين للقتال إلى جانب النظام وإرسال الأسلحة والأموال وصولاً إلى التدخل الروسي العسكري الكبير والواضح فيما بعد وتغييره المستمر في موازين القوى لصالح النظام.
كل ذلك قصقص أجنحة تركيا وجعل من مخاصماتها وتوتر علاقاتها مع دول الجوار حملاً ثقيلاً استجر عليها عزلة دولية غير مسبوقة، مضافاً إليها مواقف السلطة التركية الابتزازية في ملف اللاجئين السوريين إلى أوروبا، ولذلك أيقن أردوغان ألا مناص من عودة أدراجه إلى التصالح مع خصومه ابتدءاً بإسرائيل الموزونة إقليمياً وعالمياً وإن كلفه ذلك التنصل من عهوده مع الفلسطينيين الغزاويين برفع الحصار عنهم أو الابتعاد عن حلفاه الإسلاميين. ليتوجه بعد ذلك إلى روسيا ويتأسف بعمق لإسقاطه طائرتها سو24 المتهمة بخرق مجاله الجوي. ثم ليعد العدة لإعادة العلاقات الطبيعية مع النظام السوري مع النظر بزاوية الأمل نحو إعادة الدفء إلى علاقاته المقطوعة مع مصر إثر مواقفه المؤيدة وخطاباته المتوعدة لصالح الرئيس المصري المخلوع محمد مرسي.
هذه المراجعات التركية التي يتحتم مرورها من خلال تخفيف التوتر إلى حده الأدنى مع إيران والعراق بلا شك، تهدف إلى إعادة تلميع صورة تركيا المهزوزة وإلى إعادة الثقة العالمية والإقليمية بها، درءاً لانعكاس الارتدادات السلبية للسياسات التركية الفاشلة في المنطقة على الداخل التركي، ولاسيما ما يتعلق بها من إمكانية انتشار مشاعر التحرر ونشوة الإدارة الذاتية الكُردية في الشمال السوري إلى أقرانهم الكُرد الثائرين داخل الأراضي التركية، وهذا يتطلب تضافراً للجهود الدولية والإقليمية للحيلولة دون إقامة كيان كُردي هناك حسب قناعة أردوغان. وإلا فإن الإخفاق المستمر في سياساته الخارجية وتزايد صورته السلبية عالمياً ستعمقان الأزمات الداخلية أكثر وقد تدفعان إلى انفجار داخلي لا يمكن التكهن بحيثياته أو السيطرة عليه، قبل أن ينال من الخرائط الحالية بتوزيعاتها وكياناتها وربما يشعل حرباً أهلية تركية لمدة ليست بقصيرة.
وأخيراً فإننا لا نستبعد ان يكون الانقلاب الحالي استثماراً لتصفية أردوغان خصومه الباقين ومحاولة لتنقية المؤسسات العسكرية والقضائية وغيرها منهم وكذلك الرمي بمصائده لإجبار الولايات المتحدة على تسليم خصمه المخيف والمُوتر فتح الله غولن على طبق من ذهب. ولكننا أيضاً نأخذ في البال أن أردوغان نفسه بهذا الخيار يحفر لنفسه حفرة كبيرة ويرمي التراب على رأس سلطته الواقفة في مفترق خطير قد تنقذها سياسة حكيمة وعقلانية لا أراها في ردود الفعل الأولية المعقبة لمحاولة الانقلاب الفاشلة وبذلك تبدو النهاية الوخيمة أوشك طالما بقي راكبا رأسه هكذا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حماس وإسرائيل.. محادثات الفرصة الأخيرة | #غرفة_الأخبار


.. -نيويورك تايمز-: بايدن قد ينظر في تقييد بعض مبيعات الأسلحة ل




.. الاجتماع التشاوري العربي في الرياض يطالب بوقف فوري لإطلاق ال


.. منظومة -باتريوت- الأميركية.. لماذا كل هذا الإلحاح الأوكراني




.. ?وفد أمني عراقي يبدأ التحقيقات لكشف ملابسات الهجوم على حقل -