الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الذئاب المنفردة والإرهاب المتحول

إدريس نعسان

2016 / 8 / 9
مواضيع وابحاث سياسية


مرة أخرى يباغت الإرهاب المجتمع الدولي ويثير دهشته وذهوله في قدرته على اتباع أساليب ووسائل ليست في باله أو يمكن التكهن بها مهما احتاط وتحضر لمواجهتها وإفشالها. إن الإرهاب المتمرس والمتدرب في العديد من الدول المشرقية المبتلية بأزماتها المتعمقة والغير متوجهة إلى الحل قريباً، بات أكثر شراسة وفتكاً ويتلون بألوان وأشكال فوق تصورية أو معرفية لدى الأجهزة الأمنية رغم تحضيراتها وتأهبها بأقصى الدرجات تصدياً له.
فالذئاب المنفردة بما تمثله من مرحلة جديدة للإرهاب غير التقليدي، ظاهرة خطيرة جداً وربما عصية على الاحتواء لما تتطلبه من مجهودات بشرية وتقنية كبيرة جداً عدداً وعتاداً أكثر بكثير من تلك المطلوبة لمواجهة الجماعات والمجموعات. إذ إن وجود عشرة ملايين مواطن أو مقيم من أصول إسلامية على شكل جاليات في الدول الأوروبية، تجعلهم في عين الاتهام رغم براءتهم واقتصار العناصر الإرهابية فيهم على بضعة عشرات لا غير، وهذا يصعب المهمة الأمنية أكثر ويتطلب إمكانيات بشرية هائلة لتتبع ومراقبة جميع الأجانب ذوي الأصول الإسلامية أفراداً وجماعات هذا من جهة.
ومن جهة أخرى، فإن الثقافة الإرهابية المبينة على الصدمة والرعب التي تتبعها داعش وكل الجماعات المترابطة والمتواطئة معها، لإثارة أكبر قدر ممكن من الرعب في المجتمعات المستهدفة والهادفة بالتأكيد لإلحاق أكبر خسارة ممكنة بهم، لا تتردد في استخدام ما تيسر لها من الوسائل والأساليب طالما أن الغاية تمكن في أكبر قدر ممكن من القتل والضحايا، وهذا يجعل مهمة التصدي لهم أكثر صعوبة ويجعل من الموجودات حولنا أهدافاً ووسائل لهؤلاء الإرهابيين في الوقت نفسه. ولهذا فإن الخوف بات يسري في كل مكان وفي كل التفاصيل والحيثيات اليومية إلى درجة أصبح الهاجس الأمني يرافق الإنسان مع كل خطوة يخطوها، بحيث لم تعد الناس تعلم أنها ستعود من أعمالها أو بالأحرى ستصل إلى مقر عملها دون إصابة أو فقدان حياة، بعد أن أصبح الإرهاب ساكناً حيثما لم يخطر للآدمي أن يتحول إلى مقبرة أو مشوه له.
إن الإرهاب العالمي العابر للقارات والبحار تهديد لا يمكن معالجته بعمليات القصف والقتال في الدول المبتلية به شرقاً، خاصة وأنه أصبح يقود حرب وجود بعد حصاره وتضييق الخناق عليه في سوريا والعراق، الأمر الذي يتطلب معالجة حقيقية وجدية لأسبابه ودواعيه وليس فقط التصدي لنتائجه ومفرزاته. ويجب بادئ ذي بدء أن تتوقف الدول العالمية السيادية والإقليمية المتورطة في هذه الأزمات عن الدفع بالمصالح والأجندات الخاصة فوق المصلحة الإنسانية الجمعية المتمثلة بالأمن والطمأنينة أساساً، وذلك عبر الكف عن الاستثمار في هذه الأزمات المفتعلة والمتعمقة في سوريا والعراق وليبيا وأفغانستان والمتحولة إلى ساحات لاختبار الأسلحة الحديثة أو التخلص من المخزون المتكدس وكأن هذه الدول حقول تجارب وشعوبها فئران مختبرات على أكثر تقدير. يقول المثل الكردي الشعبي "المياه الراكدة في الأحواض تُفسد" وعليه فإن الأزمات المفتوحة على كل الاحتمالات والتي طال أمدها قياساً بالتصورات المرافقة لبدايتها، دون أن تلوح في الأفق حلول أو نهايات ممكنة لها، هي التي تُفسد وتفسد الإنسانية وتبتليها بآفة الآفات العصية هذه. رغم ذلك لم تتحول المجتمعات المعايشة للحروب والاقتتال في سوريا والعراق على وجه الخصوص إلى بيئات مناسبة بالمطلق لنمو إرهاب محلي- ماخلا القليل منها- وإنما تحولت إلى قطع جبن جاذبة لكل متمرد فاسد ومجرم قاتل باحث عن هوية ضائعة في المجتمعية المدنية ليثبت ذاته فيها. ولهذا تحولت البقع المتأزمة لمصايد ومحارق للإرهابيين وخطوط متقدمة لتصفية الحسابات الدولية وتحقيق مصالحهم وحصصهم السياسية والاقتصادية على حساب شعوب تلك الدول المتأزمة ودمار بلدانهم، وبالتأكيد وكما يقال "صانع السم ذائقه" فإن الجميع سيتذوق من هذا الإرهاب ما لم يستفيقوا قبل فوات الآون.
إن المسؤولية جمعية كما النتائج وتتطلب تضافراً جدياً للجهود والإمكانيات وتسخيرها للتصدي للإرهاب الفاتك بالإنسانية وحضارته حيثما يكون، وهذا يفرض بلا شك مراجعة السياسات والمقاربات الدولية للأزمات المتعمقة في الشرق والسعي بجدية لإيجاد حلول لها. فالاكتفاء بمواجهة ارتدادات الإرهاب أو التباحث حول تغطية جذور المشكلة ومثيرات الأزمات بتكحيل العيون ودثرها ببعض الحلول السطحية والظالمة بحق البعض، ربما يخمدها لبعض الوقت, لكنها بالتأكيد ستعيد انفجارها مجدداً وبصورة أكثر خطورة وتعمقاً لا يمكن التكهن بنتائجها ومفرزاتها إلا عبر الكوارث التي تشهدها بعض المدن العالمية الآن.
وهنا وليس كأول هجوم إرهابي وربما لن يكون الأخير، فإن هجوم مدينة نيس الذي وقع في احتفالات اليوم الوطني في فرنسا، بذكرى اقتحام سجن الباستيل في عام 1880 وأفول عهد السلطة الملكية الطويلة الأمد، قد يثير التساؤلات حول إمكانية ردع الإرهاب ويضع سياسات هذه الدولة على المحك، بعد أن فشلت كل محاولاتها وتدابيرها دون سخونة الصيف وسقوط مالا يقل عن 84 قتيلاً وعشرات الجرحى في كارثة لم تكن لا في حسبان المحتفلين ولا في توقعات الأجهزة الأمنية المتأهبة بأقصى صورها، سيما وأن الرئيس الفرنسي امتدح قدرة بلده على تهدئة حرارة الصيف الإرهابي وتلطيف أجواءه طيلة بطولة الأمم الأوروبية لكرة القدم. الفشل الفرنسي لم يتوقع أن تكون وصية أبو محمد العدناني أو كما يتعارف عليه في الغرب بوزير حرب داعش، التي تحث اعضاء وأنصار التنظيم في كل مكان على استخدام ما تيسر لهم من الأدوات والمعدات كالطعن بسكين أو الضرب بالحجر أو الدهس بالسيارة، قابلة للتحقيق بهذه السرعة والسهولة والتفاصيل. ولكن الحكومة والقيادة الفرنسية ومن خلفها القيادات العالمية المعنية بالأجمع باتت اليوم أمام تحدٍ كبير ومسؤوليات لن تتكفل بها استراتجياتهم الحالية لمحاربة الإرهاب، وإن قرر الفرنسيون إعادة إرسال شارل ديغول إلى المتوسط أو عاهدوا بتكثيف الضربات الجوية على داعش والنصرة، ما لم يعيدوا حساباتهم المتبعة ويتنصلوا قليلاً من التخندق خلف مصالحهم وصراعاتهم لأجل ذلك فحسب، بل بالتكاتف معاً للقضاء الإرهاب أولاً وذلك عبر نزع فتيل الاقتتال والقتل في الدول المتأزمة وتوفير أجواء المشاركة العادلة أمام المكونات المجتمعية في صناعة القرار السياسي ولعب أدوارها اللائقة في إدارة بلدانها لتنتفي للإرهاب اسباب الانتشار وتجف البيئات الحاضنة لها، تمهيداً لإعادة تلميع صور الغرب التي باتت مشوهة كثيراً في أذهان النسبة الكبرى من الشعوب الشرقية والإسلامية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شيرو وشهد مع فراس وراند.. مين بيحب التاني أكتر؟ | خلينا نحكي


.. الصين تستضيف محادثات بين فتح وحماس...لماذا؟ • فرانس 24 / FRA




.. تكثيف الضغوط على حماس وإسرائيل للتوصل لاتفاق لوقف إطلاق النا


.. اجتماع تشاوري في الرياض لبحث جهود وقف إطلاق النار في قطاع غز




.. هل يقترب إعلان نهاية الحرب في غزة مع عودة المفاوضات في القاه