الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


على شط القناة: الصمتُ في حرم العمل... عملٌ

فاطمة ناعوت

2016 / 8 / 10
بوابة التمدن


==========================
مرَّ عامٌ كاملٌ على حيازتي هاتين الصخرتين الثمينتين. عام قد مضى على هذا الحدث الفريد، الذي يُعدُ علامةً في حياة كلّ من حضره من الشخصيات العامة. جئنا لكي نشهد بزوغ شريان مائي جديد يتشكّل في رُسغ مصر الطيبة، ليكون جسرًا مائيًّا عالميًّا ينقل الدواءَ لمريض، والطعامَ لجائع، واللعبةَ لطفل، والكتابَ لمثقف، والزهرة لحبيبة، والسلاح لجندي. ينقل الحياة، بين البقاع والأصقاع في أرض الله الواسعة. مرَّ عامٌ على افتتاح قناة السويس الجديدة بمصر، في السادس من أغسطس الماضي 2015. والآن، فإن الصخرتين الصغيرتين اللتين جلبتهما من أرض القناة مع بداية الحفر في سبتمبر 2014 ، أصبحتا الآن أثرًا تاريخيًّا ثمينًا. أحتفظ بهما مثل كنز في صندوق من الكريستال على أحد رفوف مكتبة بيتي التي تحمل النفائس والأوسمة ودروع التكريم، إلى جوار قنينة البلور الصغيرة التي تحتوي على قطرات من أول مياه ظهرت في أرض القناة بعد بداية الحفر بشهر وعدة أيام.
يوم الحفل، حدثت واقعةٌ عابرة، استوقفتني، رغم مرورها على كثيرين، لكنها كانت بمثابة عصفور صغير همس في أذني: “علّ الخيرَ قادمٌ بإذن الله لمصر الحزينة".
كنّا جالسين أمام ضفّة القناة تحت قيظ الظهيرة ننصتُ إلى كلمة الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى جموع المصريين والعالم. وفجأة، مرّت من أمامنا، وخلف ظهر الرئيس، سفينةُ بضائع عملاقة، تشقُّ صفحة المياه الوليدة التي جئنا نحتفل بميلادها في عرض القناة الجديدة. أطلقتِ السفينةُ أبواقَها صادحةً عالية، كأنما تُقدّم التحيةَ لمصرَ، ورئيسها وشعبِها وللعالم الذي ينتظر القناة التي ستنقل الخير من العالم وإليه. قاطع صوتُ بوق السفينة صوتَ الرئيس وهو يُلقي كلمتَه، فما كان من الرئيس إلا أن صمت وقطع خطبته، ثم استدار ووجّه بصرَه، مثلنا، صوبَ السفينة التي تمرُّ لأول مرة في حياتها عبر هذا الممر الملاحي الجديد. صمتَ الرئيسُ ونحّى الأوراق جانبًا وصفّق للسفينة مع المصفقين، فكأنما يردُّ التحية بأحسن منها، كما علّمنا اللهُ.
وقتها لم أكن أدري إن كانت تلك الواقعةُ الطريفة مقصودةً، أم عفوية غير مرتّبة. وقلتُ لنفسي إن كانت مقصودةً فقد صنعتْ رسالةً عبقرية غُزِلت دراماها بذكاء وإبداع. وإن كانت عفوَ مصادفةٍ، فقد قدّمتْ رسالةً قدريةً بليغة.
توقفتُ كثيرًا عند هذه الواقعة التي رأيتها حاشدة بالمعاني. كأنما يود الرئيس أن يقول إن: "صوتَ العمل" أهمُّ من "صوت الكلام". العملُ يكسرُ الكلام. وهل نحتاج سوى العمل من أجل الارتقاء بمصر وإعلاء شأنها في هذه اللحظة الصعبة من تاريخها؟ الرئيس عبد الفتاح السيسي، صمت حين تكلمتِ السفينةُ. فكأنما بصمته يقول: “أنا رئيسُ مصر، أحترمُ هذه اللحظة التاريخية التي تمرُّ فيها أول سفينة تجارية في المجرى الملاحي الجديد. هذه اللحظة هي ناقوسُ بدء العمل وتشغيل القناة رسميًّا، فوجب معها الصمتُ، لأن الصمتَ في حرم العملِ... عملٌ، مثلما: “الصمتُ في حرم الجمال جمالٌ”، كما قال الشاعر. يتحتمُ الصمتُ عن أي كلام حين يبدأ العمل، حتى وإن كان الكلامُ هو خطبة الرئيس التاريخية للعالم وللمصريين في لحظة تدشين القناة الجديدة. كتبتُ مقالا حول الواقعة ووضعتُ سؤالي في نهايته: “هل الواقعة عفوية قدرية، أم مرتّبة؟
إن كانت عفوية فقد كان بوسع مُنظّمي الحفل إبلاغ قبطان السفينة أن يؤجل وصول سفينته إلى حيث مواجهة المنصّة، حتى يُنهي الرئيسُ كلمتَه. وكان بوسع القبطان، وقد وجد الرئيس يتحدث، أن يمرَّ في صمت فلا يُطلق نفيرَه الذي قطع كلمة الرئيس. كلا السيناريوهين كانا منطقيين وأكثر قبولا، لكنهما لم يكونا الأجمل. الأجملُ هو السيناريو الثالث الذي حدث بالفعل. كلٌّ سار في طريقه يؤدي عمله وفق برنامجه. الرئيس يفتتح القناة الجديدة ويقول كلمته للعالم، وقبطانُ السفينة يقود سفينته في طريقها لنقل البضائع إلى العالم. فإن تقاطعت اللحظتان، احترم الرئيسُ لحظة العمل وقدّمها على كلمته، وإن كانت تاريخية وينتظرها العالم.
ثم سافرتُ إلى أمريكا في اليوم التالي لحضور مؤتمر أدبي. وجاءتني مكالمة من د. سامي عبد العزيز، يخبرني بإجابة الرئاسة على سؤالي: “الواقعة مقصودةٌ ومرتبة، والمعنى الذي وصلني هو المقصود بالضبط: "العمل قبل الكلام.”
ازدادت بهجتي لأنني تأكدت من معدن هذا الرجل الذي قال والشعبُ يناديه للترشّح: “لو قبلتُ الترشّح للرئاسة لن تناموا. سنستيقظ في السادسة صباحًا لنبدأ العمل.” وقبلنا شرطَه الصعب. ولكن ما حدث أنه ألزم نفسَه بما قال. فبدأ يومَه في السادسة وجعل الوزراء يذهبون إلى أعمالهم في السادسة صباحًا. بينما لم نلتزم نحن، للأسف، بالشرط الذي قبلناه، راضين مرضيين. فمازلتُ أرى الكسلَ والفوضى والتراخي ينهشُ في خاصرة مصر. فيا ليتنا لا نقف عند لحظة الفرح بافتتاح قناة السويس الجديدة، بل نعمل بكامل طاقتنا على استكمال مشوار الحلم الصعب والطويل الذي بدأت أولى خطواته الألف، في ذلك النهار الجميل. يومها تأكدتُ أن العمل لن يتوقف في القناة مع افتتاحها، بل ستتبعه مشاريعُ ومشاريع.
يومها قال الرئيسُ في كلمته: “سننتصرُ على الإرهاب بالحياة، وعلى الكراهية بالحب.” وأقول لنفسي ولشعب مصر الطيب: “ولن ننتصر على الفوضى والفقر والفساد والقمامة والترهّل والكساد، إلا بالعمل. دعونا نصمتُ عن الكلام، كما صمت الرئيس عبد الفتاح السيسي لحظة مرور سفينة البضائع، حتى نسمح لسفينة "العمل" أن تمرّ.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - معدن هذا الرجل
هانى شاكر ( 2016 / 8 / 10 - 14:18 )

معدن هذا الرجل
_________

عشمتنى بالحلق
خرمت انا ودانى

لا الحلق جانى
ولا لوم الناس كفانى

...

و فى قول آخر

لا الحلق جانى
ولا لوم ( صندوق النقد الدولى ) كفانى


دى مصيبة سودة يا جدعان

...

اخر الافلام

.. اتفاقية الدفاع المشترك.. واشنطن تشترط على السعودية التطبيع م


.. تصعيد كبير بين حزب الله وإسرائيل بعد قصف متبادل | #غرفة_الأخ




.. نشرة إيجاز بلغة الإشارة - الحكومة الإسرائيلية تغلق مكتب الجز


.. وقفة داعمة لغزة في محافظة بنزرت التونسية




.. مسيرات في شوارع مونتريال تؤيد داعمي غزة في أمريكا