الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ثقافة الموت

عزيز مشواط

2005 / 12 / 20
حقوق الاطفال والشبيبة


حينما يكتب تلامذة في السنة الثانية من الباكالوريا الناسخ الحرفي"لكن"على الشكل التالي: "لكنة" ،فثمة مشكلة أكاد أجزم بأن علوم التربية المتعارف عليها عالميا تحتاج الى اعادة النظر في مسلماتها، كي توافق تربة مغربية و نظاما تعليميا وبنيات تربوية أقل ما يمكن أن يقال عنها أنها تنتج التشويه.
مجال عملي الجديد بثانوية الوحدة بتاونات كمدرس للفلسفة (تاونات مدينة صغيرة تبعد بحوالي 280كلم شمال شرق الرباط)، أتاح لي الاطلاع على واقع تعليمي ميزته أن التلاميذ في السنة النهائية من الباكالوريا ، يرتكبون أخطاء املائية غريبة ، ناهيك عن الاخطاء التركيبية و الصرفية و النحوية التي كان من المفترض الحسم فيها في المرحلة الابتدائية،أخطاء تثير الشفقة فعلا .
غير أن دهشتي ستتضاعف خلال احدى "الفروض" حينما سألت تلامذتي بعد انتهاء درس اللغة السؤال التالي :هل نحن فعلا سجناء للغة؟يقتضي السؤال بكل بساطة القليل من التأويل كي يصبح فقرة من درس اللغة. انه يحيل مباشرة الى العلاقة لغة/سلطة باعتباراللغة مؤسسة اجتماعية تفرض قهرا خارجيا على الأفراد من خلال قواعدها وبنياتها ،لكن الهرج الذي أعقب طرح السؤال والحيرة التي انتابت المتعلمين وهم يحملقون في بعضهم البعض وكأن الطير قد نزلت على رؤوسهم ويتحسسون المطبوعات والكتب ومختلف المراجع استعدادا "للقليع " )القليع مصطلح يعني في لغة التلاميذ الغش في الامتحان( ،كل ذلك قلب في رأسي مواجع السؤال.
من المسؤول اذن عن عجز المتعلم في السنة الأخيرة من الباكالوريا عن تركيب جملة مفيدة ،فبالأحرى التوفر على حس نقدي تحليلي خلاق ؟هل العلة في مؤسسات إعداد المدرسين أم في الثقافة الاستهلاكية المجتمعية المتراخية ،أم في البرامج التعليمية التي أريد لها ان تفرخ اجيالا من الضباع فحسب ،فعودت الأذهان على الاستظهار بعد أن سادت مناهج تعليمية لا تومن سوى بالمحتوى ،ام أن المسؤول هو التلميذ نفسه أم أن الخلل في كل ذلك جميعاً؟
المدرسة لا تكفي وحدها ولن يستطيع المدرس مهما أوتي من كفاءة أن يواجه كل التناقضات التي يحبل بها الواقع التعليمي غير أن تحميل المسؤولية للتلميذ وحده يبقى من قبيل المزايدة غير العلمية.
نخطئ عندما نقول إن تلامذتنا ليسوا في المستوى ،أوأنهم لا يعرفون كيفية التعبير ،أو لا يستطيعون التحليل ، أو لا يعرفون الحوار، فالجلسات الخاصة بهم تشهد بقدراتهم الفذة في هذا الجانب، والجلسات التي يقضونها بمعزل، أو مع أنفسهم جلسات لا يصمت فيها أحد، ولكن مشكلتهم عندما يتعلق الأمر بالمدرسة أنهم يرون في برامجها متناقضات صارخة بين ما تقوله المدرسة وبين ما تفرضه الصورة الاعلامية والاشهارية .
تعتمد المدرسة على الالقاء بطرق تقليدية،فيما تعمد مختلف الوسائل الاعلامية المؤثرةعلى استهداف مجموع الحواس ،الامر الذي يجعلهم سريعي الانقياد الى استهلاك الصورة و التي تصبح أكثر تأثيرا عندما تترافق مع الموسيقى الايقاعية محولة اهتمام التلميذ بشكل كلي.
يسهم هذا التناقض في اصابة التلاميذ بالانفصام بين عوالم مدرسية جافة وبين محيط اعلامي تسيطر عليه قوانين السوق الاعلامية ، فيعانون من مرض الشزفرونيا الاجتماعية، والمشكلة الثانية أننا شعب المجاملات، لا أحد يريد أن يقول الحقيقة، فكمال الأدب عندنا هو في ثقافة المداهنة،وتغليف الحقائق، بكلام معسول وألقاب كبيرة،لذلك فان اساتذتنا الكرام يتدثرون بكل الأعذار لتبرير تراجع المستوى ،لكن مع استثناء أنفسنا فيما يشبه حجب الشمس بالغربال .
جمعني حوار مع أحد الأساتذة ،وقد بدا لي متعبا و أقل حيوية وهو يهم بالخروج من باب الثانوية ساخطا مزمجرا.سألته - بعد السلام- عن أخبار العمل ، فأجابني على الفور: لقد تعبت.. وكرهت اليوم الذي ولجت فيه مهنة التدريس. عزيته بان العمل مع المراهقين في مرحلة عمرية ميزتها الاندفاعية أمر مضنٍ ومرهق بدنيا وفكريا، ويتطلب الكثير من الصبر.لكنه عاد وقال لي:أواجه معاناة ومصاعب جمَّة وقلقاً وهماً باستمرار بسبب لامبالاة بعض التلاميذ وافتقادهم للجدية والانضباط في عملهم وعدم اكتراثهم.
خطانا نحن المدرسين اننا نقيس الزمن بمقياس ثابت ،وننسى أن صراع الأجيال ثابت علمي، ولا يمكن التغاضي عنه كما ننسى أن القراءة لم تعد تجذب أحدا أمام عنف حضارة الصورة وسيطرتها على جيل يوجد عند مفترق الطرق بفعل سطوة المثيرات العنيفة و تأثيراتها الخطيرة.فماذا أعدت المدرسة للتلامذة و للمدرسين من برامج تعليمية لمقاومة الاختراق؟ وهل تكفي شعارات ترويج ثقافة الحوار والتعويد على سماع وجهات النظر المختلفة؟
الأساتذة مطالبون بفتح حوارات ذكية مع المتعلمين ،و الوزارة مدعوة الى الانهاء مع شعارات الجودة لأنها لا تثير سوى السخرية ما دامت شروط الجودة لا تستقيم مع نسب للاكتظاظ تتجاوز الخمسين تلميذا في الفصل الواحد ،وأن تنصب على فتح أوراش حقيقية تنتقل فيها من الشعارات الى التطبيق الفعلي لاستراتيجيات التكوين المستمر ومد العاملين في حقل التربية من اداريين و اساتذة ومفتشين وحتى الاعوان بالمستجدات التربوية لحل ازمة تهدد النظام التربوي بالافلاس النهائي ،وأما ماعدا ذلك فلن يسهم سوى في زرع ثقافة العنف والموت في شريان الأمة لأن التعليم فعلا في خطر








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هيئة البث الإسرائيلية: الحكومة تدرس بقلق احتمال إصدار -العدل


.. الأمم المتحدة: هجوم -الدعم السريع- على الفاشر يهدد حياة 800




.. مصادر إسرائيلية: نتنياهو خائف جدا من احتمال صدور مذكرة اعتقا


.. لحظة اعتقال الشرطة الأمريكية طلابا مؤيدين للفلسطينيين في جام




.. مراسل الجزيرة يرصد معاناة النازحين مع ارتفاع درجات الحرارة ف