الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الديمقراطية وبيئتها المفهومية(الحلقة 6)

منذر خدام

2016 / 8 / 11
مواضيع وابحاث سياسية


الديمقراطية والنخبة (الأكثرية والأقلية).
منذ البداية وبغض النظر عن الدعوة إلى الحرية والمساواة التي رفع رايتها فلاسفة العقد الاجتماعي فإن الديمقراطية البرجوازية ما كان بإمكانها أن تكون غير ديمقراطية نخبوية.ففي ظروف صعود الرأسمالية في القرنين السابع عشر والثامن عشر وسيطرة الليبرالية بمنطقها الاقتصادي ،ولاحقا عندما تدمقرطت في القرن التاسع عشر وخصوصا في القرن العشرين فإن البرجوازية المسيطرة في الحقل الاقتصادي والمهيمنة في الحقل السياسي ، هي التي تصدت لمهام إدارة علاقات السيطرة وبناء نظام الحكم المطابق.وإذا كانت قد أرغمت على توسيع المشاركة الجماهيرية في العمل السياسي ، وحاولت تحت ضغط الطبقة العاملة والقوى الاجتماعية الأخرى ، وفي ظروف التطور العاصف في مجال العلوم والتقنية وارتفاع مستوى الحياة إضفاء طابع اجتماعي على الديمقراطية فإنها في ظروف العولمة المتسارعة تواجه تحديا جديا يفرض عليها إعادة طرح سؤال الديمقراطية من جديد مشحونا بالشك حول مصيرها القادم.وحتى لا نستبق الأمور نعود لنؤكد على أن مسألة وجود النخب الاقتصادية أو السياسية أو الاجتماعية أو الثقافية هي مسألة موضوعية يفرضها البناء الاجتماعي نفسه ، وعملية التطور اللامتكافئ لأفراد المجتمع في ظروف المجتمعات الطبقية.لذلك فإنه من طبيعة المجتمع كتكوين عضوي أن يحتل الأفراد والجماعات فيه مواقع وظيفية مختلفة يحددها منطق التطور ذاته.فهناك دائما من هو في وضعية العامل ومن هو في وضعية المدير أو القائد ..الخ وهذه المواقع يحددها انقسام العمل وتكامله. وتوجد النخب أيضا في جميع أشكال الوجود الاجتماعي ، في العشيرة أو القبيلة أو النقابة أو في الحزب السياسي وفي غيره نظرا للتراتبية الهرمية التي تحكم بناء هذه التنظيمات.
النخبة إذا حالة وجودية موضوعية لا يمكن إلغاؤها في ظل المجتمعات الطبقية. المشكلة في الحقيقة ليس في وجود النخبة وإنما في احتكار موقع النخبة من قبل جماعات بعينها تحت ذرائع ودوافع مختلفة ومتعددة.من هذه الذرائع ما هو من طبيعة اقتصادية مثل حجم الملكية أو الثروة ، ومنها ما يأخذ أبعادا عرقية أو دينية ،وهناك من يبرر موقعه النخبوي بدوافع سياسية أو اجتماعية أو ثقافية ..الخ.وحيثما وجدت النخبة فإنها تمارس نوعا من السلطة تحاول دائما امتلاك المزيد منها،لذلك فإن منطق التسلط هو من طبيعة النخب.
وهكذا فإن حرية الاختيار التي نادت بها الليبرالية لم تكن متاحة للجميع بسبب اختلاف الإمكانيات المادية لتحقيقها،لذلك كان لا مفر من بروز النخبة لتلعب دورها الاقتصادي والسياسي على أشلاء الدعوة للمساواة التي نادى بها أيضا فلاسفة الليبرالية.
من وجهة نظر الفكر النخبوي فإن الديمقراطية تتحدد بالشكل الذي تتخذه النخب في إطار النظام السياسي ومدى مرونة بنائها وتنافسها فيما بينها.[1] تفترض نظريات النخبة أن المواطن العادي غير قادر على إبداء رأي سليم في القضايا الاجتماعية، بل وتذهب إلى مدى أبعد عندما تفترض أن ازدياد مشاركة الجماهير في العملية السياسية قد يهدد قواعد الاستقرار نظرا للاتجاهات السلطوية النامية لديها.[2]
النخبوية في الليبرالية هي فلسفة الأقوياء أساسها تثبيت امتيازاتهم أو كسب امتيازات جديدة على حساب الشعب. وحسب ايلي حريق فإن الديمقراطية الليبرالية أرستقراطية بطبيعتها وفي جوهرها تناسب مبادئ الحرية فيها الأقطاب المتمتعين بقدرة على الاستقلال الفكري والاجتماعي.وما فكرة المساواة التي ترافقها في الآداب الليبرالية سوى إشارة إلى المماثلة بين الأنداد وليس بسائر أفراد الشعب.[3]
ضمن هذا الإطار تطور أيضا مفهوم الأكثرية والأقلية الذي يشكل هو الأخر ركنا من أركان الديمقراطية الليبرالية. منذ البداية أخذ هذا المفهوم طابعا حسابيا في إطار المجمع الانتخابي ولا يزال هو كذلك حتى الوقت الراهن.المشكلة ليست في الطابع الحسابي لمفهوم الأكثرية والأقلية وإنما هي في حدود المجمع الانتخابي وفي كيفية تحقق هذه الأغلبية التي على الأقلية احترام رأيها وتفويضها الحكم.لقد ذكرنا سابقا أن المجمع الانتخابي كان في مرحلة من مراحل الديمقراطية الليبرالية مقتصرا على الطبقة العليا من المجتمع استنادا إلى معيار الملكية، توسع لاحقا لتدخله الطبقة الوسطى ومنذ أواخر القرن التاسع عشر أُفسح في المجال أمام الطبقة العاملة للمشاركة السياسية في إطار اللعبة الديمقراطية.ومنذ أواسط القرن العشرين أذيلت العوائق من أمام مشاركة النساء. في الوقت الراهن يتسع المجمع الانتخابي في الدول الديمقراطية المتقدمة ليشمل جميع أفراد الشعب .
ومن اللافت انه في جميع مراحل تطور المجمع الانتخابي كانت نسبة المشاركين في العمليات الانتخابية لا تغطي جميع أعضاء المجمع،بل في بعض المراحل وفي العديد من الدول ،كانت هذه النسبة تقل كثيرا عن ذلك.بكلام آخر ثمة فرق كبير بين حدود المجمع الانتخابي كما يحددها القانون وبين حدود المجمع الانتخابي كما يرسمها المشاركون فعليا في العمليات الانتخابية.ويبدو لي انه في ظروف العولمة المتسارعة وتطور وسائل الاتصالات ووسائل صوغ الوعي العام من إعلام جماهيري مرئي أو مقروء أو مسموع فإن الخيارات الديمقراطية تضيق أكثر فأكثر خصوصا عندما يتعلق الأمر بالحقل السياسي، لتتسع أكثر فأكثر في الحقل الاجتماعي والثقافي ..بكلام آخر ثمة اتجاه آخذ في التبلور في البلدان الرأسمالية المتقدمة، يضيق كثيرا وبصورة مستمرة من الديمقراطية بما هي خطاب موجه نحو السلطة وإدارة علاقات السيطرة، ويوسعها كثيرا بما هي نمط حياة اجتماعية.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1-Robert A .Dahl , A preface to democratic theory ( Chicago III , University of Chicago press 1956) PP 63-90
2هلال،علي الدين " مناهج الديمقراطية في الفكر السياسي الحديث " مرجع سبق ذكره ص 43 ،نقلا عن سيمور ليبست.
3- حريق، إيليا "التراث العربي والديمقراطية : الذهنيات والمسالك " ( بيروت، المستقبل العربي، 1/2000) ، ص23.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. موسكو تلوّح مجددا بالسلاح النووي وتحذر الغرب من -صراع عالمي-


.. تهديدات إسرائيلية وتحذيرات أميركية.. إلى أين تتجه الأمور في




.. مراسل الجزيرة يرصد ردود الفعل على القرار الأمريكي بتعليق شحن


.. مراسل الجزيرة يرصد اعتصام طلبة من جامعة كامبريدج الداعم لفلس




.. غريتا ثونبرغ تشارك في مظاهرة مؤيدة للفلسطينيين في مالمو السو