الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حول إغلاق الدعوى ضد رئيس البرلمان

عبدالخالق حسين

2016 / 8 / 11
مواضيع وابحاث سياسية


خلال جلسة برلمانية خُصِّصت لاستجوابه في (1 آب 2016)، اتهم وزير الدفاع السيد خالد العبيدي، رئيس البرلمان سليم الجبوري، وعدداً من النواب من بينهم محمد الكربولي وطالب المعماري، والنئب السابق حيدر الملا، بممارسة عمليات ابتزاز لتمرير عقود تسليح تشوبها شبهات فساد تقدر بملايين الدولارات.

وبهذا التكتيك، اتبع العبيدي، مستفيداً من خبرته العسكرية، مبدأ الهجوم أفضل وسيلة للدفاع. ونجح في ذلك، فنقل الكرة إلى ملعب خصومه، فتحولت الجلسة البرلمانية من استجوابه إلى مواجهة الاتهامات التي وجهها إلى رئيس البرلمان، مما حدى بالأخير، إلى مطالبة النواب برفع الحصانة عنه ليمثل أمام القضاء والدفاع عن نفسه، متعهداً أنه لن يدير جلسات البرلمان إلا بعد إثبات براءته. وفعلاً نفذ الجبوري قراره هذا، حيث مثّل أمام القضاء يوم 9 آب الجاري، والذي أعلن "غلق الدعوى المقامة ضد الجبوري من الاتهامات لان الادلة المتحصلة بحق المتهم غير كافية".

دلالات الاتهمات
لهذه الاتهامات المتبادلة بين قيادات المكون السني دلالات خطيرة. فهي تشير إلى عمق الصراع السني-السني، أسوة بالصراعات العميقة بين المكونات العراقية الأخرى مثل: الصراع الشيعي- الشيعي، والكردي- الكردي. وهذا دليل آخر على أن المحنة العراقية هي ليست ناتجة عن كون الشعب العراقي منقسم على نفسه إلى سنة و شيعة وكرد ، بل يعود إلى أن الشعب العراقي بعد عقود من حكم المكون الواحد المتمثل بالحكم القومي العروبي السني، والذي اتبع مبدأ (فرق تسد)، واضطهد المكونات الأخرى، فما جرى بعد سقوط حكم البعث من صراعات هو نتاج حتمي يحدث بعد سقوط أي حكم جائر. فلو لم يكن في العراق مكونات مثل سنة وشيعة، عرب وكرد، لتم اختراع ذرائع أخرى لهذا الصراع كصراع مناطقي، شمال وجنوب، أو إسلامي – علماني، كما الحال في ليبيا، ومصر، وتونس، والجزائر وغيرها.

دلالة أخرى جديرة بالإشارة، وهي أن الاتهامات التي وجهها العبيدي للجبوري وغيره من قادة السنة، لو كانت قد صدرت من زعيم سياسي شيعي، لصرخوا بوجهه وامعتصماه، وحشدوا الدول الخليجية، متهمين السياسيين الشيعة أنهم يريدون اجتثاث السنة بحجة اجتثاث البعث!!. ولكن لحسن حظ الجميع، أن السيد خالد العبيدي هو عربي، مسلم، سني ومن الموصل، وقيادي في كتلة سنية. وهذا هو الجزء المرئي من الجبل الجليدي من الصراع بين الكتل السياسية السنية، أسوة بكتل المكونات الأخرى، فالعراق بلد الصراعات. مرة أخرى أعيد على الأذهان ما قاله الملك فيصل الأول عام 1933م : ((... لا يوجد في العراق شعب عراقي بعد، بل توجد كتلات بشرية ، خالية من أية فكرة وطنية، متشبعة بتقاليد وأباطيل دينية ، لا تجمع بينهم جامعة، سماعون للسوء، ميالون للفوضى مستعدون دائماً للانتقاض على اية حكومة كانت...الخ)). وما اشبه اليوم بالبارحة، فما الذي تغير في العراق منذ 83 عاماً؟

دلالات سخط العراقيين من تبرئة الجبوري
استقبل الشارع العراقي، (وسائل الإعلام، ومواقع التواصل الاجتماعي ...الخ)، قرار القضاء بغلق الدعوى المقامة ضد الجبوري، بموجة من الغضب والسخرية والاستهزاء والطعن بالقضاء العراقي، واتهامه بالتسيس والإنحياز لهذه الجهة ضد الأخرى. وعلى سبيل المثال لا الحصر نقرأ عناوين مثل:
(محاكمة الجبوري تلهب سخرية العراقيين)، (خبير قانوني يكشف عن "لعبة كبيرة" في براءة رئيس البرلمان)، (لو تعامل القضاء مع جميع المتهمين كتعامله مع الجبوري لفرغت السجون)... وهذا غيض من فيض. وحتى السفير الأمريكي لم يسلم من تهمة التدخل لتبرئة الجبوري، إذ نقرأ مقالاً بعنوان: (تهديد أميركي يرجع الشرعية للجبوري).

ولهذا الموقف مخاطره ودلالاته. فالمواطن العراقي مشحون بالغضب ضد السلطة وأية سلطة كانت، وأي مسؤول من أي مكون كان. وكما ذكرت آنفاً، هذا ناتج مما عاناه العراقيون من ظلم وجور من الحكومات المتعاقبة عبر قرون، وما يعانيه الآن من إرهاب وفساد. وفي هذه الحالة وكما يقول المثل: (ألظلم لو دام دمر يحرق اليابس والأخضر).

لا أريد هنا الدفاع عن السيد سليم الجبوري، فموقفي منه معروف كما عبرت عنه بمقال سابق لي عنه بعنوان (سليم الجبوري يتحدث بلسانين)، ولا الدفاع عن القضاة الذين برءوا ساحته ، فهم رجال قانون أعرف وأقدر من غيرهم في الدفاع عن أنفسهم، ولكن هذا لا يعني أن لا يحق لي إبداء رأيي في هذا الموضوع، أسوة بغيري من أبناء الشعب.

فالسؤال هنا، ماذا كان موقف "الشارع العراقي" لو أصدر القضاء حكماً مغايراً، أي بإقرار الاتهامات ضد الجبوري؟ أعتقد لواجهنا نفس الغضب ولكن من مناصري الجبوري ومناهضي العبيدي، وهم كثرُ. فهناك مقال بعنوان: (وزير آل النجيفي وخادمهم ...) للسيد أياد السماوي، جاء فيه: " أرادها أن تكون دليلا أمام القضاء العراقي ومادة لتعاطف الشارع معه، فتحوّلت إلى فضيحة أخلاقية من العيار الثقيل ...الخ"
فالإنصاف يحتم علينا أن نحترم القانون، إذ هناك مبدأ قضائي يفيد: (البينة على من ادعى ، واليمين على من أنكر). فكثير من خصوم وزير الدفاع يسألون، إذا كان حقاً لديه أدلة قاطعة ضد رئيس البرلمان، وعدد من النواب بالفساد، فلماذا سكت كل هذه المدة؟ ولماذا لم يكشفها خلال الجلسة البرلمانية؟ ولماذا حاول التملص من استجوابه في البرلمان؟ وعندما تأكد من عدم خلاصه، لماذا ذهب إلى البرلمان بملابس عسكرية، وأخذ معه عدداً من القادة العسكريين في وزارة الدفاع من بينهم رئيس أركان الجيش في استعراض عسكري؟ وحتى لو أنه ترك هذه الأدلة للوقت المناسب كما ادعى في تصريحاته للإعلام، فإننا ننتظر على أحر من الجمر أن يقدمها بأسرع وقت ممكن، فالكرة الآن في ملعبه، ولكن على الأغلب ليس لدى السيد العبيدي أدلة بما فيه الكفاية، وإنما ما قاله هو جزء من هذا الصراع السني- السني، أسوة بالصراعات بين الكتل السياسية للمكونات العراقية الأخرى، وهي في جميع الأحوال ليست حول مصلحة الشعب العراقي، بل هي صراعات حول المصالح الشخصية، والفئوية.

إن المتهَّم رئيس البرلمان، وموجه التهمة هو وزير الدفاع، أي كلاهما في السلطة، و من المكون السني، فلو أصدر القضاء حكماً لصالح أي منهما لأثار غضب الشارع العراقي من أنصار الآخر في جميع الأحوال. لذلك أعتقد إن فرض الضغوط على القضاء لإصدار حكم يتوافق مع الشارع العراقي لا يخدم العدالة ولا حكم القانون. إذ لا يجب أن تتم محاكمة المتهم من خلال الإعلام بدلاً من القضاء، وعلى رجال القضاء مقاومة أي ضغط عليهم من الشارع أو السلطة التنفيذية، ويتمسكوا بحكم القانون.
والجدير بالذكر أن القضاء لم يبرئ ساحة الجبوري من الاتهامات، بل أغلق الدعوى لعدم كفاية الأدلة، فمازال المجال مفتوحاً أما وزير الدفاع لتقديم أدلته إن كانت لديه أدلة بما فيه الكفاية.
[email protected]
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - احسنتم وافدتم دكتورنا الفاهم - نتعلم منك الكثير- ت
Yahya Talib ( 2016 / 8 / 11 - 20:38 )
احسنتم وافدتم دكتورنا الفاهم - نتعلم منك الكثير- تحياتي لكم


2 - نسمع جعجعة البرلمان ولا نرى طحينا
شاكر شكور ( 2016 / 8 / 12 - 00:32 )
لنترك الإتهامات التي القاها العبيدي على الجبوري وقرارات القضاة لأن تحليلك وشرحك استاذ عبد الخالق قد كفى ووفى ، المؤلم في هذه الحادثة هو اسلوب العمل بين اعضاء البرلمان العراقي فهو اسلوب تهريج متخلف حيث لاحظنا وكأن البرلمان كان سوق هرج كباعة البسطات وقد شاهدنا وسمعنا تعالي الأصوات ، شتائم ، فوضى في حركة الأعضاء ، مقاطعات لللمتحدث ، صوت شاكوش مدير الندوه كاد ينكسر من شدة الطرق ، عضوات يتصرفن كبائعات الروبة والكيمر ، اعضاء آخرين ممسكين بسحاب بناطيلهم عائدين من التواليت ، ناس يتشاورون فيما بينهم ، فهكذا برلمان لا يستحق ان يمثل الشعب العراقي حقيقة ، وهذا درس لكل عراقي لكي يعي المواطن مستقبلا بأن اختيار البرلمان هي مسؤلية تعتمد على معيار الثقافة ومعيار الأمانة والنزاهة للمرشح وليس محابات المرشحين حسب المذاهب والقومية ، لم ارى صلافة كالذين يتبوؤن مناصب في الحكومة ، فمهما حصل تشهير بهم بتهمة الإختلاس سوى كانت صحيحة او باطلة فلا احد منهم يشرع بترك كرسيه ويفضل ان تبقى التهمة عالقه به وهو على الكرسي ولا يهمه نظرة الشعب وزعزعة الثقة به ، تحياتي د. عبدالخالق


3 - مؤامرة ال النجيفي
عزت اسطيفان ( 2016 / 8 / 12 - 14:48 )
احسنت يا دكتور
بعد ان تاكد للنجيفيان ان تحرير الموصل قد اقترب فعلا قرروا القيام بخطوة متطرفة للاستيلاء على الجزء الاكبر من الكعكة الممزوجة بدماء ابناء وبنات المدينة المنكوبة بسبب مواقفهم الانانية ومصالحهم الشخصية وفكرهم الطائفي , فدفعوا وزير الدفاع قريبهم لينوب عنهم للتامر على رئيس مجلس النواب شريكهم السابق للتخلص منه ليصبحوا الزعماء الوحيدون في ساحتهم الطائفية !!!؟؟؟


4 - القرار: الكل براءة لنقص الادلـــــــــة
كنعان شـــماس ( 2016 / 8 / 12 - 19:11 )
تحية دكتورنا العزيز عبد الخالق حسين المحترم
من المفيد ان تطلب في اليوتيوب النائب هيثم الجبوري وفساد القضاء والصكوك الطيارة ( تصريحات مرعبـــة عن فساد القضاء في العراق ) ويفيد ايضا في اليوتيوب تعليق هشــام العقابي على هذه القنبلة الصوتيــــــة . ولاحاجة للتذكير بان النائب ( مشعان الجبوري) صرح بان الكل فاســـدون وهو نفســه في لجنة النزاهة اخذ رشــــــوة نعم رشوة كم مليون دولار لغلق قرار لكنه اخذ الرشـــوة ولم يغلق الملف . ولم يقل احد لمشعان ان فوق عينه حاجب وفي الاخبار اليوم وربما اشاعة ان لجنة النزاهة تطعن بقرار الغلق . بالمختصر البرلمانيون مكروهين من الشعب لرواتبهم النشــاز ويفرح العراقيون باي شــــجاع يهينهم والعبيدي واقعا كان فائق الشـــــجاعة لم يسبقه في هذا الموقف احدا على الاطلاق تحيـــــــــــــــــــــــــــــــــة


5 - شكر وتعقيب
عبدالخالق حسين ( 2016 / 8 / 12 - 20:25 )
جزيل الشكر لكافة الأخوة المعلقين على المقال، اتفق معهم جميعاً، وأود أن أعقب على تعليق الأستاذ كنعان شماس.
موضوع الفساد في العراقي خطير جداً وشامل، إذ ليست هناك أي شريحة سالمة من تهمة الفساد، والطمع والجشع. وحتى المجتمع الطبي عليه سخط شديد من قبل العراقيين، أدرج أدناه رابط لمقال السيد نوري جاسم المياحي، بعنوان: الجشع والمرض وكفن الميت http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=526744

كما واستلم الكثير من معاناة أقاربي وأصدقائي من جشع الأطباء. فالفساد يشمل كل المجتمع العراقي، وهذا ليس دفاعاً عن القضاة، وإنما حقيقة أريد أن أكشفها. وإعلاق الدعاوى يجري بتكرار حتى في بريطانيا لعدم كفاية الأدلة.
نعم، البرلمانيون مكروهون بسبب رواتهم الخيالية، وصراعاتهم فيما بينهم. ولكن معظمهم سيعاد انتخابهم، وهذا دليل آخر على فساد المحتمع، وهو نتاح أربعين عاماً من الحكم الفاشي الذي دمر المجتمع العراقي بحروبه وجوره وحصاره الاقتصادي الذي أذل العراقيين، وهذا يحتاج إلى أجيال لإصلاحه.
مع التحيات

اخر الافلام

.. مسلسل إيريك : كيف تصبح حياتك لو تبخر طفلك فجأة؟ • فرانس 24 /


.. ثاني أكبر جامعة بلجيكية تخضع لقرار طلابها بقطع جميع علاقاتها




.. انتشار الأوبئة والأمراض في خان يونس نتيجة تدمير الاحتلال الب


.. ناشطون للمتحدث باسم الخارجية الأمريكية: كم طفلا قتلت اليوم؟




.. مدير مكتب الجزيرة يرصد تطورات الموقف الإسرائيلي من مقترح باي