الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المحقق والدلال

يوسف الصفار

2016 / 8 / 12
الادب والفن


المحقق والدلال
توقف امام المحقق ذاهلا . اخيرا دخل الى المحاكم . ما الذي اتى به الى هنا .. ؟؟ عبوة ناسفة هدمت جبهة داره الامامية وقتلت جاره العائد توا من الجامع بعد اداء صلاة العشاء .. وفي غبش الظلام المحيط بالحي وضعت العبوة جانباً قرب باب داره المقابلة لدار القتيل ..من وضعها؟؟ ومن كان المقصود بهذا التفجير الغادر ؟؟ وماذا لوكان متواجدا او احد ابناءه بهذه اللحظة ؟؟ هل هذا ما نسميه القدر تنفذه ارادة بشرية بصياغة ربانية وبهذه الدقة ؟؟.. استغفر ربه كثيرا ..ً ومن وقتها و من اليوم الذي قتل به جاره .. اخذ يقرأ الادعية ويستغيث بالمجهول ..
المحقق ليس كعادت المحققين ابتسم في وجهة وقدم له قدح من الماء البارد ثم قدم له سيكاره فاخرة .. لم يشأ ان يتناول اي شيء بموجب هذا الكرم الضيافي . ساورته شكوك بان السيكارة تحوي مخدرا او ان يكون الماء ساما ..
جلس قبالته فبادره المحقق بالسؤال
- اين كنت ساعة الانفجار
- كنت اشاهد اخبار الساعة الثامنة من شاشة الحرة عراق . ثم فجأة حصل دوي انفجار عنيف اعقبه موجة عاصفة من الغبار فتكسر زجاج نوافذ بيتي الامامي واقتلعت الباب الامامية وتهدم الجدار و بعض من الواجه ..
ابتسم المحقق والتفت خلفه و نادى على الفراش ..
-اجلبوا شاي للاستاذ ..
ازدادت شكوكه وساورته رؤى غريبة كون المحقق آل على نفسه قتله باي وسيلة . اعتذر اشد الاعتذار متحججا انه مصاب بالسكري ولا يسعة شرب الشاي المحلى لكن المحقق اصر على اكرامه حتى نسى قضية الانفجار وعملية قتل العبوة لجاره واصر بعصبية .
-يتوجب ان تشرب شيء ومن الضرورة ان نقدم لك ما ينم عن كوننا كرماء معك وكما تعرف ان وضعك فيه من الغموض ما يتطلب وقتا ليس بالقصير وضرورة تناول الموضوع بطريقة الاخذ والرد و وهنا في هذا المكان نتحدث كاصدقاء خارج متطلبات وظيفتي كمحقق .
نظر الى المروحة المتدلية من السقف علها تسعفه لكنها صماء ليس لها غير ان تدور وتقذف بالهواء الحار فوق رأسه ... ياالهي هذه دائرة كاتب عدل لو كافتيريا ولماذا يصر بهذه الوقاحة ان أشرب شيء اي شيء ولماذ اصبح امر الضيافة اهم من التحقيق ومتطلباته انها غرابة لم يجد لها تفسير .
-استاذ ورائي التزامات واعمال كثيرة .. ارجوك انهي الموضوع بسرعة...هناك من ينتظرني في البيت الذي اصبح مشرع الابواب .. نوافذه زجاجها محطم . وانا منذ يومين لم اضع لقمة في فمي ..
ضحك المحقق بأستخفاف ورمى بقلمه جانباً على المنضدة .
-هاه هاه .. حسنا هيا بنا اذن الى المطعم المجاور ما دمت لم تأكل منذ يومين .. اعتقد المشويات مفيدة للسكري ومعه خبز محمص وكاس لبن اربيل ما الذي تفضله تكة اعتقد انها اسلم لصحتك ..اي شيء تحب..سوف اطلبه لك .. نحن كدائرة عدل لانبخل على الطيبين امثالك نحن لانتهم الاخرين جزافا لكنا نحتويهم بكرمنا .. صاحب المطعم ايضا متعاون معنا فهو يجري خصم خاص لدائرتنا ..
في المطعم المجاور لدائرة المحقق جلسوا في افظل الاماكن وفي كل مرة يتسبدل المحقق كرسيه بآخر وبعد الحاح متقطع اجبره على تناول الطعام .. المحقق لايتوقف عن الاكل . يتكلم وهو يضع افصاص التكة المشوية في قطعة عريضة من الخبز يعصر فوقه الكجب الاحمر و بكثافة .. فاتحا فمه باوسع مدى .. قاضما لقمته بشهية متناهية .
-اذن انت مهندس متقاعد ولك هواية في الرسم وتكتب مرات في بعض الصحف والمجلات ..مع هذا انت أشبه بمفلس كما اخبرتني في عالم الاوغاد هذا .
لم يشأ ان يعيد الكلام الذي انتزعه منه بطريقة بهلوانية وهما في طريقهما الى المطعم . اكتفى بابتسامة خبيثة واومأ له برأسه دليل الموافقة على كلامه ..عاود المحقق الكلام
-اعتقد عند ناصية الشارع في محلتكم الذي تسكن فيها هناك محل للدلالية اسمه دلالية العصر الجديد .
-نعم يوجد دلال عند ناصية الشارع لكني لم انتبه الى اسمه كما اخبرتني . ماذا تقول العصر الجديد..؟؟
-هذا هو المقصود .. لان نادرا ما تجد محلات دلالية قريبة من بعضها ..
-اعتقد ذالك..ما مشكلته هو الاخر.
- لا..ليس هناك مشكلة لكنك كثير ما تتردد عليه فانا مستغرب من علاقة مثقف مثلك مع دلال مثله .
-بالحقيقة هو محامي مثلك وسبق ان ضحك على والدتي المتوفاة وجعلها تبيع دارها بسعر بخس .. هذا حصل ايام الحصار .. لاضرورة لاثارة الموضوع ما فات مات
-وانت تتردد عليه لاسترجاع حقوقك منه .
-لا... تناسينا الامر ... لكل زمن اسعاره .
-اذن ما هو سبب ترددك عليه .
- عنده صديق كاتب ويعمل في احد الصحف وكثير ما يزوده بجرائد قديمة قد يكون فات وقتها , حينما يجد موضوع جدير بالقراءة يتصل بي من باب الاستفادة لاغير .وهو يساعدني على النشر قي بعض الاحيان بواسطة صديقه الكاتب ..
-لكنه يمارس دلاليته على دار جارك الذي قتل في الانفجار .. اعتقد ان اصحاب البيت يرومون بيعه .
- نعم بعد الحادثة لم تكن لهم رغبة السكن في البيت .. بعض العوائل العراقية لها عرف .. البيت الذي يسكنونه اذا حدث لهم به مكروه يعتبرون استمرار السكن فيه شؤم .
- وهل من مشترين لبيت جارك ما الذي تعرفه ... اذا امتلكت بعض المعلومات قد تفيدنا بكشف بعض الحقائق .
- اعتقد لا احد يرغب في السكن ..البيت في نظر الناس اصبح مشؤما .
صمت المحقق قليلا وتوقف عن الاكل وشرب قليل من الماء واخذ يلوك بقايا الطعام .. ويزدرده بصعوبه ثم يعاود شرب الماء .. حملق في وجهه طويلا ..وابتسم قليلا . وعاود الاكل صامتا للحظات . ساله عن السبب بمزيد من الفضول بعد ان شجعته ابتسامته .اجابه المحقق وهو ذاهلا ..
-لا لا شيء مجرد استفسار .
عاد المحقق تكرار هذه المسألة وكانه غير مصدق كلامه.. وفي كل مرة يتناول حبات من السلاطة ويضعها في فمه ثم يبصقها على الارض ..
-اللعنة الخيار مر .. لكن قل لي بربك كم السعر المدفوع للدلال والذي يرضي اصحاب البيت
- والله لا ادري انا دائما اتحاشى التدخل في عمل صديقي الدلال
- زين .. زين .. ممتاز .. البيت اذن لايرغب احد بشراءه من وراء حادثة التفجير وقتل صاحب الدار ..و يمكن ان يكون السعر منخفضا ..؟؟
- مممم ممكن لاادري ..
ابتسم المحقق بانشراح وانفعال شديد وتناول الشاي بسرعة حتى انه لم ينتبه الى درجة حرارته التي احرقت لسانه ..اخذ الموبايل وراح ينقر على الارقام بسرعة جعلته يخطأ لعدة مرات ثم يعاود النقر... انتظر طويلا وحين اجابه المتصل .. وقف على قدميه ..
-نعم سيدي .. تفضل نعم .. هو انا .. انهيت التحقيق مع الرجل صاحب الانفجار ... لا .. لايوجد ما يستحق الاطالة .. لكن الدار الذي سالتني عنه ...الناس محجمين عن شرائه يقولون انه يجلب الشؤم ..نعم سيدي .. نعم سيدي .. يجرالك سيدي .. حاضر سيدي .. على وجهة السرعة سيدي .. نعم سأتي اليك بسيارة الدائرة سيدي .. حالاً سيدي .
لملم على عجل اوراق التحقيق واضعا قلمه بسرعة في جيب قميصه الامامي استدار نصف دوره معها نصف ابتسامة علق قبعته على رأسه وتناول قدح الماء وارتشف منه قليلا ..تقدم الى الامام عاود الرجوع وترك المطعم على عجل .
- انا على عجلة من امري قد نشتري دار صاحبك المقتول .. التحقيق انتهى والبقية في حياتك
ترك المحقق المطعم دون ان يدفع الحساب .. وظل هو يأكل قطع الخيار المر يشرب معه الشاي المحلى .. نادى على صاحب المطعم ودفع له الحساب .. غادر الى بيته مشيا على الاقدام ..عادة تملكته كلما اراد ان يفكر بشيء عصي على الحل .


قصة قصيرة رمزية








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شارك فى فيلم عن الفروسية فى مصر حكايات الفارس أحمد السقا 1


.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا




.. فنانون مهاجرون يشيّدون جسورا للتواصل مع ثقافاتهم الا?صلية


.. ظافر العابدين يحتفل بعرض فيلمه ا?نف وثلاث عيون في مهرجان مال




.. بيبه عمي حماده بيبه بيبه?? فرقة فلكلوريتا مع منى الشاذلي