الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المثقف بين عصرين

وليد يوسف عطو

2016 / 8 / 12
العولمة وتطورات العالم المعاصر



تاسست الدولة العراقية الحديثة عام 1921 بعد الاحتلال البريطاني للعراقي في العام 1917 , وسقوط الامبراطورية العثمانية باعتبارها اخر دولة تمثل الخلافة الاسلامية .
استمرت صيرورة الامة العراقية بالتشكل طيلة عقود من السنين . وشهد العراق خلالها ولادة الاحزاب السياسية ومنها الاحزاب الايديولوجية وظهور الدول القومية في المنطقة وشيوع افكار حقبة الحرب الباردة .

انتشرت الاحزاب الشمولية وكانت مشبعة بالايديولوجيا الرافضة للنقدالذاتي وللمراجعات الفكرية.يقوم فكر الاحزاب الشمولية على تقديس ايديولوجيا الحزب وقائد الحزب وذوبان الفرد في كتلة الحزب والشعب.وبذلك اصبح الفرد لاقيمة له .

لم يستطع المثقفون احداث قطيعة معرفية مع افكار عصر الحرب الباردة والدولة القومية . وبقيت ترسبات في العقل اللاواعي حتى لدى اليساريين بان الدولة العثمانية هي دولةالخلافة الاسلامية , لذا لاتجد في الادبيات السياسية والحزبية نقد للاحتلال العثماني لشعوبنا والذي استمر لمئات السنين .ولم نحصد من الاحتلال العثماني سوى الفقر والجهل والامية والتخلف .

شهدت الدولة العراقية الحديثة في عام 1921 ارسال البعثات الدراسية الى اوربا وتشكل الطبقة الوسطى وظهور المثقفين والاكاديميين .لقد فتحت الدولة العراقية الحديثة الباب واسعا امام عصر التنوير والحضارة, بما يتلائم ومصالح الامة العراقية .لقد تزامن ظهور العسكر والاحزاب في بلادنا مع تكريس ظاهرة الايديولوجيا في الاحزاب . وكلما ازداد التراجع عن مفاهيم الحداثة والتنوير ازداد بالمقابل هجوم القوى الدينية السلفية .

ترفض الايديولوجيا نقد الذات وتحاول الوصول الى غاياتها عن طريق وسائل لااخلاقية تتمثل بالانقلابات العسكرية وهدفها البقاء في السلطة –جئنا لنبقى –
لذا فان العقلانية الاداتية قادت الى الفكر الشمولي وعملت على زيادة سلطة الاحزاب مقابل اضمحلال دور الفرد .

ان الحبل السري الذي يربط العقل اللاواعي بالخلافة الاسلامية جعل اغلب الاحزاب واغلب الناس تتقبل الاحتلال العثماني كنوع من الخلافة الاسلامية . وعندما يتم الحديث عن عمالة الانظمة الملكية للاستعمار فان الجميع يتجنب التحدث عن الاستعمار الاكبر ,الاستعمار العثماني . من هذه النقطة بدا التراجع عن افكار عصر التنويريين العرب وعصر التنوير في الغرب .بالعودة الى الاصولية الدينية والقومية المتشددة .

بعد انتهاء حقبة الحرب الباردة انتهى الدور النخبوي والرسولي للمثقف في مجتمعاتنا . هؤلاء المثقفين الذين قاموا بالتنظير للاحزاب الايديولوجيا هم سبب من اسباب خراب مجتمعاتناعندما تم الغاء العقل لصالح الايديولوجيا .

يكتب المفكر اللبناني علي حرب في كتابه (اوهام النخبة او نقد المثقف ) قائلا:
( المثقف بات اعجز من ان يقوم بتنوير الناس , اذ هو الذي اصبح يحتاج الى التنوير , بنقد دوره وتفكيك خطابه عن العقل والاستنارة , وذلك بقدر ماتعامل مع فكرة التنوير بصورة غير تنويرية , اي على نحو اصولي او ايديولوجي , بهذا المعنى لايعد نقد مشروع التنوير تراجعا عن الفكرة , بل يشكل محاولة لتفكيك آليات العجز ,باستخراج امكانيات جديدة للتفكير والعمل , تتيح الخروج من النفق او الفكاك من المازق ).

ويكتب المفكر علي حرب في موضع اخر من كتابه قائلا:
(لم تعد النخب والاحزاب هي التي تصنع العالم , بل تصنعه الشاشات ووسائل الاعلام واسواق السلع واسعار البورصة وآليات الربح ومافيات الضغط ..لاشك ان مقولة التقدم قد فقدت مصداقيتها على الارض منذ زمن .. خصوصا بعد تفكك المنظومة الاشتراكية وانهيار الاتحاد السوفييتي الذي صدر الادلوجة التقدمية الى العالم .

نحن ازاء مقولة فقدت طاقتها على الشرح والتفسير , بعدما تكشف التقدم عن كل هذا التقهقر والتاخر , واصبحت هي التي تحتاج الى ان تشرح وتفسربغية الكشف عما تنطوي عليه من التهويمات الايديولوجية ..).

يكتب الباحث سعد محمد رحيم في كتابه (المثقف الذي يدس انفه )عن المثقف في حقبة مابعد الحرب الباردة :
(لمدة طويلة تشكلت الفئات الثقافية في حاضنات احزاب وتيارات سياسية . وقد تثبت موقعها في في الفضاء الايديولوجي – السياسي الحزبي . غير ان الامر لم يعد كذلك بعد التغيرات الدراماتيكية العاصفة التي اعقبت انتهاء حقبة الحرب الباردة والتشكيك بالسرديات الكبرى والعقائد الشمولية وتفكيكها . لينتقل معها المثقف , او هذا ماكان يجب ان يحدث , الى موقع اخر هو الفضاء المعرفي – الابداعي المستقل والناقد).

ان المثقفين الذين لايزالون يمارسون الخطاب الايديولوجي يصابون دائما بالتوتر العصبي والنفسي بسبب التناقض بين الايديولوجيا التي يتبنونها وبين الواقع الفعلي المتغير . لذا تجدهم غير قادرين على تقبل حق الاختلاف .
المثقف اليوم يطرح افكارا جديدة ويقوم بتفكيك البديهيات ومراجعتها وعرضها للمساءلة والنقد
بعكس المثقف الايديولوجي والذي اوصل مجتمعاتنا الى مرحلة العنف والخراب الحاليين .

لقد تراجع اليوم دور المثقف لصالح المؤسسات العملاقة وتم فك الارتباط بين الاقتصاد والسياسة واصبح الاقتصادي بمؤسساته العملاقة هو من يقوم بتوجيه السياسي والتاثير عليه في نظام الراسمالية النيوليبرالية .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نتنياهو: غانتس اختار أن يهدد رئيس الوزراء بدلا من حماس


.. انقسامات داخلية حادة تعصف بحكومة نتنياهو وتهدد بانهيار مجلس




.. بن غفير يرد بقوة على غانتس.. ويصفه بأنه بهلوان كبير


.. -اقطعوا العلاقات الآن-.. اعتصام الطلاب في جامعة ملبورن الأست




.. فلسطينيون يشيعون جثمان قائد بكتيبة جنين الشهيد إسلام خمايسة