الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المقعد 00 قصة قصيرة

ياسر العدل

2005 / 12 / 20
الادب والفن


بالرغم من مشاكل ضغط الدم وحموضة المعدة وألام الظهر والدور الأمريكى فى تحقيق السلام ومناورات إقحامي في عالم الجميلات وترقية أربعة موظفين وموت كلب لصديق، إلا أنه في صبيحة ذلك اليوم دقت ساعة المكتب، وارتفع صوت راديو الجيران وتداعى صفير قطار بعيد، وتذكرت بعض الأغنيات المناسبة وزاد إصراري على أن أخبر زوجتي بأن اليوم بالذات هو المتمم للخمسين من عمري المديد.
تثاءبت زوجتي في مخدعها مواربة ثغرها الندى بكفها الجميل، ثم انسلت في إيقاعها المعهود، توقظ وتطعم وتجهز أولادنا الثلاثة وتحنو عليهم ثم تتأكد من قيامهم بأخر عمل ذي شأن قبل ذهابهم إلى المدارس، حين يودعونني بسلامهم المتعجل مع قبلة مبتلة يلصقها صغيرهم على خدي، وعادت زوجتى أدراجها إلى المطبخ، تنظف وتغسل وتشطف وتبعث حولها أغنية قديمة العهد يتشاكس شخيرها مع صليل الأواني وسقوط المياه والفضلات.
مر دهر تماوجت فيه الذكريات والأحلام على سحنتي حبا وتطلعا لعيد ميلاد رائع، ذلك بأن نصف العالم كان مفعما بالغموض قبل مولدي وأن نصفه الآخر لا يمكنه الاستغناء عنى، إلى أن واجهتني زوجتي المصون (بمريلة) المطبخ تندى جسدها بمياه وزيوت وروائح، بينما تنسل أصابعها في حرفية من قفازها البلاستيكي، وتغطى نظراتها وجهي راصدة ملامح عيد ميلادي، ولما أدركت زوجتي أن الأمور أخذة نصابها الطبيعي، طوحت مطمئنة بأربع كلمات (كل سنه وأنت طيب)، ثم ألقت بجسدها على كرسي يواجهني وعقدت ساقيها لتطرح على في دلال واضح مقولة لغز جديد، فأخذت تقرر بأن يوم بلوغي سن السبعين بعد عشرين سنه قادمة سيكون بالتمام هو عيد ميلادها الأربعين وحين أبلغ عامي الثمانين فان سنوات عمرها ستقل تأكيدا عن الثلاثين.
أقحمنى لغز زوجتي الجديد لأتشابك مع ألغازي في المجاملة والشكر والخيانة، فأعدت حساب أول الأمر متأكدا بأن واقعة عقد قراننا تمت منذ عشرين سنة مضت، وكان الفارق بين عمرينا وقتها سـتة سنوات لا غير، ووجدتني أبدأ عامي الجديد مستعرضا خلطة من المناورات في محاولات مستميتة لخطب ود زوجتي كي تدربني صراحة على مبادئ الزوجات في حساب الوقت والحب والسكن، وحاولت أن أكون متدربا داجنا يسمع ويطيع تمهيدا للرضا والوصال، إلى أن احتدم الأمر بيننا فتجسدت الصراحة سببا للاقتناع وللمرة الألف، بأن الامتنان والشكر واجب لكل منا تجاه الأخر حين واتتنا الشجاعة في ذلك الزمن البعيد، وقررنا الزواج بإمكاناتنا المتواضعة بدلا من مواجهة العنس في سوق لا تتلكأ فيه مواكب الزواج إلا عند الجميلات وأصحاب الـمـقدرة.
تكاثرت أسبـاب رغبتي في خرق العالم فشحذت ما تبقى لدى من قدرات مؤجلة لأقضى عيد ميلادي مسافرا أعانق الزحام في المدينة الكبيرة، وتضاغطت أشيائى فانتحيت بجسدي كرسيا بميدان عام أتلمظ تباعا بقدراتى المتهالكة، مقتنعا باستطالة المسافات الفارقة بينى وبين مدينتنا، حيث تقبع زوجتى الطيبة في انتظار أن أكون طيبا أيضا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. غادة عبد الرازق: ليس لي منافس على الساحة الفنية ولا يوجد من


.. غادة عبد الرازق: الساحة الفنية المصرية لم تعد بنفس قوة الماض




.. الفنان درويش صيرفي.. ضيف صباح العربية


.. -بحب الاستعراض من صغري-.. غادة عبد الرازق تتحدث عن تجربتها ف




.. أمسيات شعرية - الشاعرة سنية مدوري- مع السيد التوي والشاذلي ف