الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لماذا ترفض إسرائيل في البداية إجراء تبادل للأسرى ؟

عماد صلاح الدين

2016 / 8 / 13
مواضيع وابحاث سياسية


لماذا ترفض إسرائيل في البداية إجراء تبادل للأسرى ؟
عماد صلاح الدين
يعن لكثيرين التساؤل لماذا ترفض إسرائيل في البداية إجراء صفقات لتبادل الأسرى مع المقاومة الفلسطينية والعربية، لكنها في نهاية المطاف تضطر لإطلاق سراح أعداد كبيرة من الأسرى الفلسطينيين والعرب من سجونها، حتى من أولئك الذين تصفهم ب " الملطخة أيديهم بدماء إسرائيليين أو خطرين على أمنها " مقابل الإفراج عن جندي إسرائيلي أو أكثر أسرته المقاومة الفلسطينية أو العربية، قد يكون على قيد الحياة أو رفاتا تحللت منذ سنوات.
والحقيقة أن المسألة هنا كامنة في البناء البنيوي للكيان الإسرائيلي؛ فالكيان الإسرائيلي ليس طبيعيا في النشأة ابتداء، ولا كذلك في التكوين التراكمي المعتاد للكيانات الطبيعية( الشرعية)، المستندة إلى جملة أركان حقيقية في تكوين مشهد المجتمعات والأمم، وبالتالي كياناتها السياسية والتنظيمية كدول.
فالكيان الصهيوني منذ نشأته يفتقد إلى التجانس والانسجام في كل متعلقاته التكوينية؛ فعلى المستوى البشري أو الديموغرافي نجد أن مجتمعه عبارة عن خلائط عرقية وحتى عقدية لا يجمعها جامع، فضلا عن الحاضنات الجغرافية المختلفة لهؤلاء الذين يقدمون إلى فلسطين التاريخية عبر أجيال عديدة منذ أواخر العقد الرابع من القرن العشرين المنصرم. ولقد أثبتت الأبحاث التاريخية والدينية الموضوعية أن معظم هؤلاء القادمين إلى فلسطين التاريخية ليسوا يهودا بالمعنى الدياني للكلمة، هذا فضلا عن انتفاء الهوية الوطنية للديانة اليهودية كدين سماوي. وعليه فان إسرائيل وحكومتها تتمنع في البداية عن قبول إجراء تلك الصفقات مع رجال المقاومة الفلسطينية تحديدا، إلا أنها في نهاية المطاف تُذعن لحقيقة انه لا بد من إجراء هكذا صفقة- صفقات إذا أرادت أن يرجع جنودها وضباطها إلى البيت ثانية أو إلى القبر في مكان يعرفه ذوو الأسير المقبور، بعد أن يقوموا بتوديعه إلى حيث مثواه الأخير. هذا التناقض بين التمنع وأخيرا القبول هو مرض مزمن ومقلق في العقلية والأدبية الصهيونية والإسرائيلية التي تقوم على فكرة الأمن المطلق وليس التبادلي، كما هو حال الكيانات والنظم السياسية العادية، أو حتى تلك الدول التي تمارس الاحتلال والاستعمار التقليدي وليس الاحلالي الاجلائي؛ فإسرائيل بهذه العقلية تريد أن تثبت للجميع، وبمن فيهم الإسرائيليون أنفسهم أن أمنها وأمنهم تام مئة في المئة perfect وانه يحق لها أن تقتل وتعتقل وتأسر من تشاء من الفلسطينيين والعرب، وفي المقابل لا يحق للفلسطينيين أن يقتلوا أحدا من جنودها أو مستوطنيها أو أن يأسروا جنديا من جنودها المدججين بالسلاح في خضم معركة غير متكافئة، وبما لا يقاس جدا لصالحها وضد صالح الفلسطينيين أو ضد أي مقاومة عربية، وإذا ما تم اسر أي جندي أو مستوطن احتلالي، فهي سرعان ما تطلب من الجهة الآسرة إعادة هذا الجندي، وتطلب من العالم كله أن يطالب بإعادته حيا أو ميتا، بل وتقتل جنودها وضباطها المأسورين إن أمكن لها ذلك؛ لكي تحاول التوافق مع العقلية الأمنية المطلقة لكيان إحلالي تطهيري شاذ في المنظومة الدولية، وفيما هو سائد فيها من علاقات تبادلية وقت السلم أو وقت الحرب وحتى وقت الصراعات الداخلية والأهلية، لكنها في النهاية وعلى كل حال تضطر إلى قبول ما تفرضه طبيعة الأمور ومتحقق الواقع من ضرورة إجراء تبادل الأسرى مع حركات المقاومة الفلسطينية والعربية. الحالة الوحيدة تقريبا التي ستُرجع فيها إسرائيل جنودها ومستوطنيها الأحياء، ودون مقابل، بل وبتكاليف على الجهة المُرجعة له، هو في سياق الحالة الأمنية كاتفاق قائم مع الجانب الفلسطيني الرسمي، فرضه اتفاق أوسلو لصالح امن إسرائيل وضد امن الفلسطيني أو ما يعرف بشكل أوضح بالتنسيق الأمني، والذي يشمل بالطبع مجالات أخرى لصالح الإسرائيلي في سياق تلك العلاقة.
إن هذا التمنع الإسرائيلي الرسمي في البداية يتماشى مع الصهيونية السياسية في مسارها الإحلالي في الحلول محل الشعب الفلسطيني في أرضه وممتلكاته، ويتماشى مع حقيقة أنها انعكاس حقيقي للدول الاستعمارية الغربية على توالي تداول هيمنتها الإمبراطورية؛ من بريطانيا القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين إلى الإمبراطورية الأمريكية المتهاوية حديثا منذ الحرب العالمية الثانية وحتى يومنا هذا. ولذلك نجد الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية وهيئة الأمم المتحدة الخاضعة لتلك القوى يطالبون فورا بإطلاق سراح جنود الاحتلال الإسرائيلي المأسورين، دون الحديث عن ضرورة إطلاق سراح ألاف الفلسطينيين ومن بينهم عرب في سجون الاحتلال الإسرائيلي نفسه.
على ضوء ما سبق، فإن إسرائيل، وضمن منطق التحليل الاستراتيجي، لا تعدو أن تكون كيانا امنيا متقدما في قلب العالم العربي، لأجل تأمين المصالح الغربية والأمريكية؛ فهي كيان امني بامتياز، لم يسبق عبر التاريخ وجود هذه التجريدية الأمنية الخالصة لكيانات أخرى كما هو الحال مع إسرائيل. ولذلك نجد أن كل المجتمع الإسرائيلي عبارة عن حالة أمنية، تقع في إطار الجهوزية لأية مواجهة حتمية قادمة مع محيطها الفلسطيني والعربي الإسلامي.
فمثلا لا يعقل بمنظور الكيانات القائمة على أسس طبيعية وقانونية دولية من الإقليم والشعب والسيادة وحتى الاعتراف الكاشف لوجودها، أن تتأثر إسرائيل إلى حد الهلع والفزع وطلب النجدة، من أعمال مقاومة فلسطينية بما فيها إطلاق صواريخ غير متطورة من قطاع غزة على مستوطناتها، بالقياس إلى ما تملكه من مختلف أنواع الأسلحة في ترسانتها العسكرية النوعية والضخمة.
ويبدر السؤال هنا ماذا سيكون حال إسرائيل ومجتمعها الخلائطي، لو أن المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة أصبح لديها عديد من الأسلحة الثقيلة والنوعية التي تطال الكيان كله؟
الأبحاث والدراسات المتعلقة بماهية النفسية الأمنية الإسرائيلية تقول: أن استهداف الكيان الإسرائيلي بشكل يطال كل أجزائه، وبسلاح من الحجم التقليدي المؤثر عسكريا، وعبر سنوات محدودة كفيل بأن يحدث الهجرة الإسرائيلية العكسية من فلسطين التاريخية إلى خارجها في أوروبا الغربية والشرقية وأمريكا وأماكن أخرى من العالم. هذه الهجرة العكسية لن تكون كسابقاتها بفعل الانتفاضات الفلسطينية الشعبية المحدودة محدودة بآلاف المهاجرين الإسرائيليين؛ ففي الحالة التي نتحدث عنها ستكون الهجرة العكسية مشروعا لتحرير فلسطين من بحرها إلى نهرها، تحت تأثير ووقع ضربات المقاومة الفلسطينية المتطورة يوما عن يوم.
إن قطاع غزة صغير المساحة بما فيه من إمكانيات عسكرية وتنظيمية مستقبلية، سيكون له الدور الأبرز في إحداث هذه الهجرة العكسية النوعية على طريق مشروع التحرير والعودة للاجئين الفلسطينيين، بالإضافة طبعا إلى دور المحيط العربي والإسلامي في معركة تحرير فلسطين من محتليها الصهاينة، ولكن الأهم أيضا هنا أن تكون مساحة المشاركة النضالية شاملة الكل الفلسطيني في الداخل والخارج، بما فيها – خصوصا- الضفة الغربية، وبمختلف أدوات النضال الشعبية والحقوقية والإعلامية والدولية، وبحسب ما تتطلبه كل مرحلة نضالية، على طريق التراكمية المطلوبة لتحقيق التحرر الوطني وتقرير المصير الفلسطيني، ضمن رؤية تقوم على ضرورة إلحاق الهزيمة بإسرائيل كمشروع صهيوني عنصري تطهيري، وليس في إطار مواجهة عقدية معهم باعتبارهم يهود؛ لان تلكم الرؤية أعلاه تحتاج إلى رؤية أوسع في طبيعة المشروع الوطني الفلسطيني وفي ماهية وحدود وتعريف حق تقرير المصير في فلسطين.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مصير مفاوضات القاهرة بين حسابات نتنياهو والسنوار | #غرفة_الأ


.. التواجد الإيراني في إفريقيا.. توسع وتأثير متزايد وسط استمرار




.. هاليفي: سنستبدل القوات ونسمح لجنود الاحتياط بالاستراحة ليعود


.. قراءة عسكرية.. عمليات نوعية تستهدف تمركزات ومواقع إسرائيلية




.. خارج الصندوق | اتفاق أمني مرتقب بين الرياض وواشنطن.. وهل تقب