الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإيكونوميست وأخواتها: تاريخ من الترصد والمغالطة

محمد السعدنى

2016 / 8 / 14
مواضيع وابحاث سياسية


مخطئ من ينظر فى تقرير الإيكونوميست "خراب مصر" بكثير من الدهشة، أو يأخذه بشئ من الإنفعال، فالتقرير الصادر هذا الأسبوع عن المجلة البريطانية واسعة الانتشار، شأنه شأن معظم مثيلاته فى الجارديان، والفاينانشيال تايمز والنيويورك تايمز والواشنطون بوست ودى لاسييرا وديرشبيجل ولوسوار وغيرها من الجرائد والمجلات الأمريكية والأوروبية التى خلطت تقاريرها عن مصر بإغراض محركى الدمى الكبار المترصدين خطواتنا فى حرب باردة غير معلنة لكنها صارت واضحة ومؤثرة وغير عادلة. وأعجب من بعض الحمقى والمغفلين الذين روجوا للتقرير الملغوم بفرحة عارمة شماتة فى نظامنا الوطنى بدواعى ثاراتهم المريضة، باعتبار أن الصحافة الغربية تمثل قمة الحياد والمهنية والموضوعية، وهو كلام جانبه الصواب وجافته حقائق الأمور فالإعلام فى العالم كله تحركه المصالح والانحيازات وهو خادم للسياسة وتحالفاتها ولوبياتها ومؤامراتها أحياناً، كما هو خاضع لرؤوس الأموال ومصالح المساهمين وجماعات الضغط وأجهزة الاستخبارات وشبكات العلاقات العامة الدولية وشركات الترويج والإعلانات التى تلهث وراء من يدفع، ولعل المستعدين لتمويل حملات الإساءة لمصر والنيل منها باتوا معروفين للقاصى والدانى، وكلما باءت محاولة لهم بالفشل وكلما واجه الشعب المصرى حملاتهم بالعزم والإرادة والرغبة فى البناء والإلتفاف حول قيادته وجيشه الوطنى فقدوا أعصابهم وراحوا يتخبطون كمن أصابه مس لايبرأ منه إلا بتكرار المحاولة بما يسقط عن وجوههم كل الأقنعة.
شئ من هذا حدث فى تقرير الإيكونوميست المغرض، فمن حيث أراد التخفى كشف وأفصح وأسفر عن رغبة فى الإيذاء والترصد والمكايدة، بداية من المانشيت الرئيسى "خراب مصر The REUINING of EGYPT" وصورة الغلاف لأهرامات مصر الثلاثة فى لون باهت خلفهما شمس تغيب وأمامهما جمل يمتطيه رجل بائس، يحدد الأهرامات وعمق الصورة مؤشر أحمر وسهم هابط إلى حافة الأرض، فى إشارة إلى ماتعارفنا عليه من مؤشرات الإقتصاد. الصورة موحية بقدر ماهى مغرضة، ونحن فى عالم الصورة فيه أهم شواهده وعناصره ومؤثراته. لم يكفيه هذا بل بدأ فى عناوينه الفرعية استهداف الرئيس السيسى مباشرة، ثم راح يقدم مسوغاته فى أن مصر على حافة الهاوية والفشل والإنتفاضة وصور لايضاهى سوادها حتى الحبر الذى طبعت به عن تدنى مستويات المعيشة والفقر والفساد والبطالة واستحالة الاستثمار والبيروقراطية المعوقة وضعف الإدارة وخنق وإخماد المعارضة وسقوط الطائرات، وعدم جدوى قناة السويس وأن مصر في حالة شديدة الهشاشة وأن أهل الحكم تنقصهم الكفاءة وينكرون ذلك، وكل نواقص الدنيا ألصقها بمصر وكأنه لايتكلم عن دولة محورية فى الإقليم بل دويلة من العصور الوسطى تفتقد مقومات الحياة الحديثة فى عصر ماقبل الكهرباء والآلة البخارية.
ولأن التقرير مغرض ومصطنع يفتقد أبسط قواعد المهنية والعلمية والتوازن، فإذا به يقفز قفزة مفاجئة أسقطت عن عوراته مايمكن أن يسترها، وإذا به كما المريب يقول خذونى، إذ راح يقرر، وبنص كلماته:
"يتعين على الغرب التوقف عن بيع أسلحة باهظة لمصر غير ضرورية لها أو لا تستطيع تحمل ثمنها، سواء كانت طائرات إف 16، أو حاملات طائرات فرنسية طراز ميسترال. وأي مساعدات اقتصادية لمصر ينبغي أن تقترن بشروط صارمة، أبرزها تعويم العملة. أما النقطة الجيدة التي يمكن أن تبدأ منها مصر هي إعلان السيسي أنه لن يترشح في انتخابات الرئاسة 2018". وهنا مربط الفرس، لقد كشف التقرير عن خبيئة ماأراد. المشكلة جيش مصر الوطنى وتسليحه الحديث، وعبدالفتاح السيسى الذى يمثل بالنسبة لهم الرجل الذى جرؤ أن يقول لا ويقف بجيشه مع شعبه ضد المخططات الصهيوأمريكية المستهدفة تقسيم وتطويق المنطقة العربية، وعليه أن يدفع الثمن، حتى لايقدم نموذجاً ضد التبعية ينحو للتحديث والتنمية الشاملة والنهضة، فشبح ناصر ومشروعه الوطنى لايزال يطارد مخططاتهم وأحلامهم فى المنطقة، وهم لن يسمحوا بذلك مرة أخرى. إنها نظرية التناقض الرئيسى فى الفكرة السياسية الحاكمة للصراع العالمى.
وهو الغرب ياسادة فى صورته الإنتهازية، وممارساته الكولونيالية القديمة فى ثوب عصرى للحرب والسيطرة والاستعمار عن بعد. لايريدك أن تبنى وتعمر وتصنع وتنهض، هو يريدك مستهلكاً وسوقاً لبضائعه، وبالتالى هو ضد جيشك الوطنى وتسليحه وضد مشروعاتك الطامحة للبناء والتنمية واحتمال النهضة. وتابع التصريحات العدوانية فى يوليو الماضى للسيدة تيريزا ماى رئيسة وزراء بريطانيا التى قررت أنها لن تترد فى ضربة نووية انتقامية من شأنها قتل أكثر من 100 ألف مدني، ردا على أي هجوم نووي من قبل دولة أجنبية، في الوقت الذي مجدت فيه وشجعت تجديد نظام صواريخ ترايدنت في البرلمان. وتابع تصريحات المرشح الجمهورى دونالد ترامب لترى ملامح نظام عالمى جديد تعيد فيه أمريكا وبريطانيا رسم خرائط القوى العالمية بحد السلاح، وهو مشروع لايحتمل وجود دولة محورية فى الشرق الأوسط بالمواصفات المصرية التى أرادتها 30 يونيو ووقف يدعمها وويحاول وضع دعائمها عبدالفتاح السيسى بتحديث الجيش ليحمى المشروع الوطنى وبالمشروعات القومية الهادفة للتنمية.
لذلك أرى أن تقرير الإيكونوميست ماهو إلا رأس جسر أو تمهيد نيرانى بالمدفعية الثقيلة أو ضربة استباقية ضد مصر وجيشها فى المخطط القادم للقوى الاستعمارية الكبرى لرسم ملامح النظام العالمى الجديد الذى قرروا فيه استبعاد مصر وتحجيمها، وليس بعيداً عن هذا ما اتخذته الحكومة البريطانية هذا الأسبوع من اسباغ حماية جديدة على إخوان مصر المقيمين فى إنجلترا بالتصريح بإعطائهم حق اللجوء السياسى، وهى ورقة ضمن السياسات القديمة الجديدة للحكومة البريطانية التى أسست جماعة الإخوان 1928 فى مصر ودعمتهم بالنفوذ والأموال ليكونوا شوكة فى خاصرة الحركة الوطنية المصرية ومدعاة لشق الصف الوطنى، وقد كانوا ولايزالوا.
تريد أمريكا وبريطانيا وتركيا وإسرائيل وقطر والتنظيم الدولى للإخوان وهم من وراء هذا التقرير الفضيحة أن يبقوك عاجزاً تابعاً مفككاً. ولن أستطرد فى الشرح والتحليل والرد فقد قام عنا جميعاً بهذا العبء بإقتدار الكاتب الكبير ياسر رزق رئيس تحرير الأخبار فى مقاله البليغ " خراب الإيكونوميست علي شاطئ القناة" حيث فند دعاواهم وأوضح زيف منحاهم، علهم وأسيادهم يتعلمون.
فى مقاله المهم "مصر والإيكونوميست" فى جريدة الشرق الأوسط كتب د. مأمون فندى" رغم أن الإيكونوميست مجلة رصينة وهى ليست مندفعة أو متعجلة فى أحكامها، إلا أننى لست من المغرمين بكل تحليلاتها، لكن عدم محبتنا لشئ لايدفعنا لتجاهله خصوصاً إذا كان تحليلاً مهما لمجلة بحجم وتأثير الإيكونوميست" وإن أشار الكاتب الكبير إلى عدم استبعاد المؤامرة فى التقرير، إلا أننى أضيف لسيادته أن مافعلته الإيكونوميست وقبلها بأسبوعين النيويورك تايمز التى جاء تقريرها مستهدفاً مصر بنفس الدعاوى والمبررات التى استخدمتها الإيكونوميست، إن هى إلا سياسات قديمة جديدة، فالمجلة الرصينة يادكتور مأمون ليست هذه هى سقطتها الأولى، فقد سبق ذلك تقارير تفيد وتشير لنفس المعانى وإن جاءت بلغة متخفية حذرة وخفيفة، وراجع سيادتك تقاريرها الملونة "من التلون وليس الألوان" فى 31 أغسطس 2013، وكذا 5، 7 مارس، 23 أبريل، 31 مايو 2016، على الأقل هذه ماتحت يدى من أعدادها وربما فاتنى غيرها، وكلها تشى وتنطق بتاريخ طويل من الترصد والمغالطة. ولايفوتنى أن أتفق مع سيادتك، فى أنه ورغم كل ماعرضناه لاينبغى أن نترك لقناعتنا بإغراض التقرير وضلوعه مع أطراف المؤامرة التى لايراها بعض من مثقفينا وكتابنا ممن نحترمهم، أن نتغاضى عن فشل حكومى بات من الصعب تجاوزه أو التجاوز عن مخاطره على مسيرتنا الوطنية، الأمر الذى يدفع السيسى تكلفته وتداعياته بالصرف على المكشوف من حسابه، ولقد سبق أن صارحناه "لماذا تدفع الثمن وحدك ياجنرال" وكان لنا ملاحظات وانتقادات كثيرة على الحكومة، لكن لعله من حسن طالع الرئيس وقبله الشعب أن تهاجمه الصحافة الغربية المغرضة، مايدفعنا أكثر للتمسك به، ولعلك يادكتور تذكر عندما أدار الزعيم جمال عبدالناصر مؤشر الراديو على مونتكارلو وBBC وصوت أميركا وغيرها واندهش، إذ خلت نشراتها وتقاريرها من "شتيمة" عبدالناصر فاستدعى زكريا محى الدين وأخرين من مساعديه متسائلاً إيه الغلط اللى عملتوه فى البلد والشعب خلاهم يتوقفوا عن شتيمتى؟ وأكتشف أنهم رفعوا سعر الأرز خمسة قروش.
ولعل المساحة لاتسعفنى، ولعل تقرير الإيكونوميست لايستأهل أكثر من هذه القروش الخمس.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. السودان: أين الضغط من أجل وقف الحرب ؟ • فرانس 24 / FRANCE 24


.. مؤثرة موضة تعرض الجانب الغريب لأكبر حدث للأزياء في دبي




.. علي بن تميم يوضح لشبكتنا الدور الذي يمكن للذكاء الاصطناعي أن


.. بوتين يعزز أسطوله النووي.. أم الغواصات وطوربيد_القيامة في ال




.. حمّى الاحتجاجات الطلابية هل أنزلت أميركا عن عرش الحريات والد