الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التعددية السياسية بالمغرب .. صَكُّ إدانة أم مشروع تأسيس؟

مصطفى المغراوي

2016 / 8 / 14
مواضيع وابحاث سياسية


من خصائص المجتمعات المعاصرة والديمقراطية تعدد القوى الفاعلة، فاسحة المجال لسيادة مظاهر الاختلاف وعدم إنكار الحق في التعدد، ذلك أن أفضل وسيلة للتعبير عن هذه التعددية هو الاعتراف بوجودها، اعتراف يتضمن فكرة القبول بالقوى التي تمثلها، والتي تتمثل في الأحزاب والحركات السياسية وجماعات المصالح وقوى الضغط، من أجل التعبير عن أرائها والدفاع عن مصالحها بشكل علني وسلمي يكفله الدستور.
إن الاختلاف والتعدد السياسي في المغرب حقيقة موجودة لا يمكن إخفاء معالمها، والذي تمخض عنه تشكل مجموعة من التيارات الحزبية، ,التي تسعى جاهدة للوصول إلى السلطة وتداولها وفق أحكام الدستور، فهي تمارس الحرب بواسطة الحوار والنقض والاعتراض والأخذ والعطاء، مستعينة بشعارات سياسية مشحونة بطاقة إنفعالية لا تهتم إلا بالعبارات الجوفاء أكثر من الحقائق والأفكار، من أجل استقطاب شرائح عديدة من الجماهير والأتباع والأنصار، من الذين يسهل انقيادهم وقيامهم بالعمل المطلوب، عبر إيقاظ عواطفهم وتأجيج مشاعرهم السياسية.
لقد ظلت الأحزاب المغربية طيلة تاريخها النضالي المستميت، تعاني من عدة اختلالات واختراقات داخلية وخارجية ومن عيوب موضوعية، ساهمت بشكل مباشر في تراجع عملها ونشاطها، فكان لذلك وغيره انعكاسات سلبية كان لها بالغ الأثر في عدم تطوير الديمقراطية الداخلية داخل هياكل الأحزاب ومؤسساتها المختلفة، والذي لا يخدم السجال الايجابي الهادف إلى ترسيخ قيم الحداثة والتحديث السياسي.
ومن أجل تعزيز مبدإ الشفافية في العمل السياسي داخل الأحزاب المغربية، يجب مطالبتها ببرامج سياسية محددة تخدم الصالح العام بدءا بالمواطن البسيط، ثم دعوتها إلى الإعلان عن مصدر ووسائل تمويلها، إضافة إلى إلزامها بالخضوع إلى المراقبة القضائية وغيرها من الآليات التي تضبط العمل الحزبي والتنظيم السياسي، ولن يتحقق ذلك إلا بإجراء تعديلات بنيوية في هيكل النظام السياسي المغربي برمته.
وأمام شيخوخة النخب السياسية الحزبية العاجزة عن التطور والعطاء ومسايرة الواقع المتسارع، والتي لازالت متمسكة بمناصبها السياسية منذ الاستقلال، يتم إغلاق الأبواب وصدها أمام الفعاليات الشابة المنسجمة مع روح العصر، والمتطلعة إلى الانفتاح والتواصل اليومي مع عموم الشعب المغربي، دون الاقتصار على الفترات الانتخابية، من أجل صياغة برامج تستقرئ الواقع المغربي بعيون فاحصة وتقديرات جديدة، وهو الأمر الذي لن يكتمل نظرا لتكالب الأحزاب على السلطة و محاولة الهيمنة على مراكز القرار.
ومن هنا يمكن القول أن التعددية الحزبية بالمغرب لا تعبر حقيقة عن إرادة الشعب، بل هي مجرد أداة شكلية فارغة المضمون، إذ تحتوي أطرا مشوهة تفتقر إلى العديد من مؤهلات التأثير في الجماهير، الأمر الذي يجعل هذه الأحزاب على كثرتها تتميز بضعف كبير على مستوى الإسهام في إدارة الشؤون العامة للبلاد، مما يعطي انطباعا صادقا حول جدوى العمل الحزبي لدى عموم المواطنين.
إن مستقبل الأحزاب الحالية في المغرب لا زال يكتنفه الضعف والغموض، فهي غير قادرة على وضع وخلق برامج حقيقية قيمة تجذب المواطنين، كما أنها عاجزة كليا عن إقناع الشباب للانضمام إليها، لتكوين قاعدة شعبية تستند عليها عند خوض الانتخابات. وهكذا فان تكاثر الأحزاب جعل المواطن يعيش في التباس وحيرة، خصوصا وانه أصبح لا يعرف أسماء معظمها، وبالتالي كيف السبيل إلى الالتحاق بها والثقة في ببرامجها، وهو أمر ترتبت عليه عدة أضرار على رأسها النيل من قيمة العمل الحزبي عموما والتقليل من شأنه ودوره.
فإذا كانت التعددية السياسية تبشر بسيادة النظام الديمقراطي داخل البلاد، والذي يقر بمدإ حق الجميع في التعبير عن الراي، فإن مسؤولية الأحزاب تتجلى في العمل الدؤوب على الرفع من مستوى الخمات التي تقدمها للمواطن والدولة، وليس الرفع من عدد الهيئات الحزبية عن طريق كثرة الانشقاقات، لتوليد أحزاب جديدة وصغيرة لن يكتمل نموها إلا بعد مرور سنوات عديدة، و هذا الاستغراق الزمني تضيع في خضمه مصالح كثيرة، وسط التناحر الدائر بين الأحزاب والذي لا يزيد الأمر إلا تسفيها للعملية السيايسية.
إن الكثرة علامة صحية تساهم في تضييق الهوة بين المنشود والموجود، لكن إطلالة بعض الوجوه على الساحة السياسية بشكل مكثف، جعلها تعتقد بإفراط بأنها الأنسب والأجدر لتمثيل الشعب وتحقيق احتياجاته والدفاع عن مصالحه، متمسكة بعقلية الإقصاء والتهميش وعدم القبول بالأخر، ومن هنا لا يتحقق التوافق الفعلي رغم الاختلاف الإديولوجي، حيث يبقى الباب مفتوحا أمام التهجم والسخرية ونشر الأكاذيب وتبادل الاتهامات، فتغيب بذلك المصلحة العامة مما يفسح المجال أمام الظواهر السلبية المانعة للاستقرار لاجتماعي والسياسي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الألعاب الأولمبية باريس 2024: إشكالية مراقبة الجماهير عن طر


.. عواصف في فرنسا : ما هي ظاهرة -سوبرسيل- التي أغلقت مطارات و أ




.. غزة: هل بدأت احتجاجات الطلاب بالجامعات الأمريكية تخرج عن مسا


.. الفيضانات تدمر طرقا وجسورا وتقتل ما لا يقل عن 188 شخصا في كي




.. الجيش الإسرائيلي يواصل قصف قطاع غزة ويوقع المزيد من القتلى و