الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


يوم همست المدن بكامرة قاسم عبد

فيحاء السامرائي

2016 / 8 / 14
الادب والفن


يرتب صاحب المقهى الكراسي في القاعة ويتهيأ لاستقبال الزبائن..يضبّط صاحبها الثاني كامرته باتجاه منصة الضيوف ويثبّت أسلاكها..يساعدهما شغيلان في تضبيط الانارة والأجهزة الالكترونية..يحدث ذلك بعد جهود آنفة مضنية في التهيئة للأمسية، التنسيق مع الضيف، عمل بوستر وتوزيعه، إجراء قائمة اتصالات الكترونية بالزبائن لأجل الحضور، وغير ذلك من أمور تجري منذ ما يزيد على خمسة أعوام بروح تطوعية وبإمكانيات شحيحة الموارد.
- هل سيعرضون لنا فيلماً اليوم؟ من هو المخرج، وأين هو؟
- نعم سنشاهد اليوم فيلم "همس المدن" لقاسم عبد، هاهو هناك واقفاً عند الطاولة، هل تعرفين؟ انه حائز على شهادة الماجستير من معهد التصوير السينمائي من موسكو ومشارك في العديد من المهرجانات السينمائية ومساهم في تأسيس الكلية المستقلة للسينما والتلفزيون في بغداد، فهو مخرج ومنتج ومدير تصوير..
تُطفأ أنوار القاعة، تتوجه الأبصار نحو شاشة تتبين منها مدينة رام اللـه في مطلع يوم عادي..ضجيج سيارات..باعة متجولون ينادون على بضاعتهم..ناس منهمكة في عملها وأخرى تسير لاندري الى أين..سيارة شرطة الاحتلال..منع تجول..لافتات شوارع بالعربية والعبرية..تفجير..ليل..ذرات مطر تتلألأ فوق أعمدة الضوء..شوارع فارغة..غبش.. ضجيج سيارات..باعة متجولون ينادون على بضاعتهم..ناس منهمكة في عملها وأخرى تسير.....
تنتقل الكاميرا الى بغداد..شارع مكتظ بضجيج سيارات واختناقات مرورية..سيارات عسكرية وشرطة..عمال بناء..باعة متجولون..أمرأة متسولة..شرطي مرور "يناضل" في اداء عمله..غاز يحترق..صوت اطلاقات نار.سيارات اسعاف ..بناءون يقومون بعملهم ..ساحة عند الشارع..عمال يخططون لحديقة فيها ويشتلون أشجار نخيل..اطلاق نار..ليل، مطر، شوارع لا تستوعب المياه..شباب يرقصون في ساعة فرح، حفلة تخرج أو عرس..لافتات لرموز دينية..طريقة بدائية لبناء شيء ما..عمّال..حارس نائم..شباب مع دراجاتهم..مكبرات صوت وأدعية دينية..أطفال يلعبون في نافورة حديثة..غاز يحترق..شارع مكتظ بضجيج سيارات واختناقات مرورية..سيارات عسكرية وشرطة..عمال بناء..باعة....
مدينة أربيل..باعة متجولون يدفعون عرباتهم..بناية مدرسة طلاب..منبهات وأبواق سيارات..طفلة تمشي من المدرسة نحو البيت بأمان..مطر..باعة متجولون..سماء غائمة..مدرسة..طلاب....
تمضي ساعة، ينتهى الفيلم.
- ما هذا الفيلم!! لا قصة ولا ممثلين ولا حوار..باستطاعة اي فرد أن يصوّر لقطات من بناية عالية لما يجري في تحته الشارع ويّدعي بعد ذلك بأنه فيلم تسجيلي.
- ليس بمقدور أي كان فعل ذلك..دعينا نستمع الى ما يقوله الناقد السينمائي فيصل العبد اللـه:
" الفيلم، سرد لتفاصيل يومية وأحداث تسطّر على الشاشة..ينتقل المخرج بعين كامرته في الأماكن..تخلق إيحاءات في نفس المشاهد..جهد عشر سنوات تصوير من شرفة فنادق..حياة مدن تفتقر الى شروط الجودة..تواتر يقطعه المطر..بلا حوار..مونتاج مسبوك..لغة رمزية..في بغداد، يستغرق الفيلم أربعين دقيقة، ليس كما في رام اللـه وأربيل، عشر دقائق لكل منهما..ثمة رمز في مشهد الغاز المحترق، ربما أن نعمة النفط هي سبب الخراب..لكن بالتالي في الافق أمل"..
- ربما بدأت الصورة تتضح لي، هاهو الروائي والمترجم لؤي عبد الإله يتحدث:
" تنظم العين الأشياء ثم تؤولها..ثمة حاجة الى معالجة فنية..تناول الواقع كمادة خام..قدم المخرج فيلمه ليس من خلال حياة شخوص أو ممثلين، بل تجسدت المدينة ككائن حي أساسي..حيادية الكاميرا..مکان واحد..عين جاسوس..المعالجة بدت جليّة في تحويل ماهو مرئي الى رموز..تعامل مع الوعي واللاشعور..الأمل والتفاؤل ناطق بين طيّاته"..
يؤيده المخرج قاسم عبد:
" الفيلم مذكرات بصرية..العالم الواقعي شيء وعالم السينما شيء آخر..جسّدتُ العلاقة الروحية مع المدن..المدن ليست خلفية مكان، بل مكان مليء بايحاءات واضحة وبنفس الوقت غامضة..لغة الصورة ذات أهمية بالغة.."
- يا إلهي!! كيف يكون كل هذا الضجيج همساً؟
- هو ليس همساً بل صراخاً مكتوماً، أنيناً لمدن تتنفس بصعوبة في واقع صعب حاشد بفوضى، كما ذكر المخرج، احتلال، فاقة، شقاء، بؤس ناس بسطاء بضحور إصرارهم وعنادهم وتشبثهم بالأمل وتوقهم لتغيير الواقع نحو الأفضل.
- ولكني أظن أن هذا الاصرار على الاستمرارية في معطيات حياة بائسة لا ينجم عن وعي و ادارك بل عن رغبة غريزية في التشبث بها مهما كانت، يعيش هؤلاء البسطاء تفاصيل يومهم على نحو ما، دون ادراك لتلك المعاني الكبيرة في" التغيير نحو الأفضل" و " الأمل بالغد و" قوة الارادة والتغيير" ..
- ربما هي وجهة نظر متفائلة..اليك ملاحظاتي المتواضعة عن الفيلم..خلا الفيلم-الوثيقة من القصة والسيناريو، من عنصر التشويق السينمائي والترقب، لا حوار لتفسير الأحداث..ثمة مقاربة للتسجيلي والوثائقي راهنَ فيها المخرج على الصورة كوسيلة تعبير فنية تحديد، لامس بها كلاسيكيات السينما الصامتة في تكنيك يقوم على أساس ترتيب إعادة تنظيم مادة الواقع تاركاً الأمر للمتفرج في عملية الادراك والتأمل، بينما تقف الكاميرا جامدة بدون حراك لتكوّن الإطار وما خارج الاطار من سيل الصور منذ اختيار اللقطة- المشهد، اللون- الضوء والاضاءة، الافق، الحركة، الزاوية، التركيب، العلاقة بين الصوت والصورة، مع اتباع أسلوب التسريع والإبطاء في عملية المونتاج..اعتمد المخرج بالتالي على اللقطات العامة من دون إغفال اللقطات المتوسطة والقريبة في كثير من الأحيان، وعمله ليس مجرد لصق للقطتين معا بل مراعاة لقواعد التتابع في الوقت المناسب والكيفية المناسبة، مع اتباع القطع سواء أكان هادئاً أم غير ذلك، وضرورة اختيار اللقطات الملائمة بحرفية و إهمال ما ليس ضرورياً خدمة للفكرة واسلوب توصيلها للمتفرج.
- حسناً، ذلك يشجعني على متابعة الموضوع أكثر..أتمنى التوفيق للجهود السينمائية العراقية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. دياب في ندوة اليوم السابع :دوري في فيلم السرب من أكثر الشخص


.. مليون و600 ألف جنيه يحققها فيلم السرب فى اول يوم عرض




.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب


.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع




.. كل الزوايا - الفنان يحيى الفخراني يقترح تدريس القانون كمادة