الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


النظام الاقتصادي العالمي الجديد

تامر البطراوي

2016 / 8 / 15
الادارة و الاقتصاد


بالرغم من أن التعاملات الإقتصادية الدولية ظهرت منذ العصور القديمة ونشطت عقب العصور الوسطى بالحقبة الماركنتيلية والتي ظهر على إثرها مفهوم الإقتصاد الدولي ، والذي حاول الماركنتيليون جعله ذو اتجاه واحد لمصلحة الدولة مما تسبب في مزيد من الصراعات والإحتقان ما بين الدول ، حتى أصَّل الطبيعيون لرفضه وتبعهم الكلاسيك ، ودعوا لترك التعاملات الإقتصادية الداخلية والخارجية لتتم بحرية دون تدخل سياسي من الدولة ، في حين أن تلك الحرية التي أوصى بها المذهب الحر أدت إلى فوضى اقتصادية انتهت بأزمة الكساد الكبير ، ومن تلك الحيثيات انطلق العالم لتصميم نظام عالمي للسياسات الإقتصادية يقوم على تجنب والويلات ويمنع الفوضى ، كان ذلك النظام الإقتصادي المنشود مجرد قطاع من نظام أكبر عهد المجتمع الدولي على تدشينه بنهاية الحرب العالمية الثانية تحت مسمى النظام دولي والذي يقوم على تنظيم قواعد وأسس تفاعل دول العالم من خلال نظام شامل يقوم على تقسيم العمل الدولي والخضوع لبعض التنظيمات والمنظمات الدولية، والذي تم تفعيله بإنشاء منظمة الأمم المتحدة ، كان النظام الاقتصادي العالمي الجديد أحد أبرز مجالات ذلك النظام الدولي ، وهو يُشير إلى مجموعة القواعد والترتيبات التي وضعت في أعقاب الحرب العالمية الثانية لضبط قواعد السلوك في مجال العلاقات الاقتصادية بين الدول ، والتي بدأت تتبلور ملامحها منذ الثمانينات وتتحدد بوضوح مع بداية التسعينات ، وتنظم هذه القواعد سير التفاعلات الإقتصادية الدولية بين الدول كفاعلين رسميين وبين الفاعلين غير الرسميين كالمؤسسات الدولية أو العالمية والشركات المتعددة الجنسيات العالمية النشاط، والتكتلات الاقتصادية العالمية ، وإذا كانت الليبرالية الكلاسيكية دعت إلى سياسة تحرير الأسواق الداخلية ففي هذه المرة عودة لنفس السياسة بشمول عالمي فيما يُعرف بالعولمة الإقتصادية (Economic globalization) ، والتي تقوم على تنميط (standardization) الإقتصاد العالمي تجاه نمط السوق الحر وتذويب الفوارق والعوائق السياسية بين عناصر السوق العالمي وتوحيد السياسات العالمية الدولية ، وبشكل عام أصبح النظام الاقتصادي العالمي الجديد يتسم بالديناميكية والقطبية ، والثورة العلمية في المعلومات والاتصالات والتكنولوجيا ، تعاظم دور الشركات متعدية الجنسيات والتكتلات الاقتصادية (محمود، 2009) ، ويمكن تقسيم مراحل تطور النظام الاقتصادي العالمي الجديد كالتالي:
مرحلة أولى ممتدة من نهاية الحرب العالمية الثانية وحتى عام 1973 ، وقد شهدت هذه المرحلة بداية تكون النظام الاقتصادي العالمي ، والذي تكون من ثلاث أنظمة فرعية تديرها ثلاث منظمات كالتالي؛ النظام النقدي العالمي نقدية (يديره صندوق النقد الدولي) والنظام المالي العالمي (يديره مجموعة البنك الدولي) والنظام التجاري العالمي (يديره منظمة التجارة العالمية) ، بداية من اتفاقية برتون وودز عام 1944 والتي تضمنت إقامة نظام أسعار الصرف الثابتة لتحقيق استقرار التجارة الدولية، وإمكانية استبدال غطاء الذهب المباشر للعملة المحلية بغطاء غير مباشر من الدولار المغطى بالكامل ، إلا أن ذلك النظام انهار بصدمة نيكسون (Nixon shock) عام 1971 عندما أعلن رئيس الولايات المتحدة نيكسون أن الولايات المتحدة لن تُسلم حاملي الدولار ما يقابله من ذهب وأن الدولار سوف يُعَّوم ويتحدد سعره وفقاً للعرض والطلب ، كما صاحب هذه المرحلة الممتدة ما بين نهاية الحرب العالمية الثانية وحتى عام 1973 والتي تُصنف كمرحلة تأسيس للنظام الإقتصادي العالمي إظهار تفاوتاً كبيراً في المستوى الإقتصادي ما بين الدول بالإضافة إلى مجموعة من المتغيرات الإجتماعية والثقافية والسياسية والتي أدركت من خلالها الدول المتقدمة أن الرخاء والسلام الدولي لا يمكن أن يستمر ما لم تؤخذ تطلعات شعوب العالم الثالث في الاعتبار ، وقد أدى ذلك إلى الدعوة لإقامة نظام اقتصادي دولي جديد عام 1973.
المرحلة ثانية خلال الفترة من 1974 إلى 1990 والتي تبدأ منذ عقد مؤتمر القمة الرابع لدول عدم الانحياز في عاصمة الجزائر عام 1973 والذي أسفر عن إعلام نظام اقتصادي دولي جديد بالقرار رقم 3201 (عبدالله، 1977) ، ثم إعلان ليما (عاصمة بيرو) وخطة العمل للتنمية الصناعية الذي انعقد في ليما في عام 1975، وقد أوصى الإعلان بضرورة رفع نصيب الدول النامية في الإنتاج الصناعي عام 2000 إلى 25% من الإنتاج الصناعي العالمي بدلاً من 7% عام 1974 ، إلا أن تلك المرحلة لم تُسفر إلى على مزيد من الأعباء الإقتصادية والديون على الدول النامية ، حتى تفاقمت مشكلة الديون الخارجية للدول النامية عام 1982 لتعلن بعض الدول عدم قدرتها على دفع أقساط ديونها الخارجية ، والذي صاحبه عدة ضغوط وتدخلات على السياسات الإقتصادية لتلك الدول لتظهر مرحلة جديدة للإقتصاد العالمي نحو مزيد من تنميط السوق.
المرحلة الثالثة منذ عام 1991 وحتى عام 1999 ، وقد بدأت تحديداً منذ إعلان الرئيس الأمريكي جورج بوش (1989 - 1993) في خطابه أمام الكونغرس الأمريكي في مارس 1991 أن حرب الخليج كانت المحك الأول لقيام نظام عالمي جديد، والذي صاحبه انهيار الإتحاد السوفيتي وبالتالي غلبة الليبرالية الرأسمالية ، والتي دعت بدورها إلى التحول نحو الخصخصة والتخلي تدريجياً عن اقتصاد الأوامر والتخطيط المركزي والقطاع العام إلى اقتصاد السوق والقطاع الخاص والتخطيط التأثيري ، وإعادة هيكلة النظام الاقتصادي العالمي على أساس تكنولوجي ، إلا أن تلك المرحلة انتهت بفشل مؤتمر سياتل عام 1999 الخاص بمنظمة التجارة العالمية وهو المؤتمر الوزاري الثالث منذ نشأة منظمة التجارة العالمية ، بسبب تصاعد الخلاف بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على موضوع الدعم المقدم من الأخيرة للمنتجات الزراعية ، والخلاف بين الولايات المتحدة واليابان حول دعوة اليابان الولايات المتحدة إلى إعادة مراجعة القوانين الأمريكية لمكافحة الإغراق ، والخلاف بين الولايات المتحدة والدول النامية حول قضايا صادرات المنسوجات والملابس الجاهزة وفتح الأسواق فيما يتعلق بتلك السلع ، بالإضافة إلى إنضمام الصين إلى منظمة التجارة العالمية كقوة إقتصادية كبيرة بما يرتبط بها من مفاوضات شاقة وصعبة ، مما مهد لمرحلة جديدة تتضمن عدة كيانات دولية قادرة على التأثير في تشكيل النظام العالمي ضد الهيمنة القطبية.
المرحلة الرابعة والممتدة من فشل مؤتمر سياتل عام 1999 وحتى أحداث 11 سبتمبر عام 2001 وفي هذه المرحلة جائت الدعوة إلى نظام اقتصادي عالمي جديد من كل من الدول النامية والدول المتقدمة عدا الولايات المتحدة الأمريكية ، إلا أن تلك المرحلة انتهت منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر عام 2001 والتي تبعها تفاقم الآثار الإقتصادية السلبية بسبب موجة المخاوف التي سادت على العالم والتي صاحبها تراجع معدلات النمو العالمي بشكل كبير لتبدأ مرحلة جديدة للعمل نحو إصلاح جذري (محمود، 2009).
المرحلة الخامسة والممتدة منذ احداث سبتمبر 2001 وحتى عام 2008 ظهر خلال هذه المرحلة تلك القوى الإقتصادية الجديدة المتصاعدة والقادرة على التأثير في تشكيل النظام العالمي والتي دعت إلى إصلاح جذري بالنظام العالمي ، بحيث يتعاظم فيه دور الدول النامية الصاعدة مثل الصين والهند والبرازيل وغيرها من مجموعة العشرين ويكون لها دور رئيسي في تشكيل النظام الجديد ، إلا أن تلك المرحلة انتهت بتفجر الأزمة المالية العالمية عام 2008 بما صاحبها من آثار خطيرة مثل إفلاس العديد من البنوك والمؤسسات المالية والبنوك في كثير من الدول بسبب أزمات السيولة وانهيار البورصات وارتفاع معدلات البطالة وانخفاض أسعار النفط وتذبذب أسعار الذهب والعملات وانخفاض التجارة الدولية وظهور حالات الركود والكساد والآثار السلبية على المدخرين والمدخرات وكذلك على معدلات النمو الاقتصادي وانتشار الفقر في العالم (المصري، 2016)
Bibliography
عبدالله, إسماعيل صبري. نحو نظام اقتصادي عالمي جديد. القاهرة: الهيئة العامة للكتاب, 1977.
محمود, حبيب. مبادئ علم الإقتصاد. دمشق: جامعة دمشق, 2009.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أردوغان ونتنياهو .. صدام سياسي واقتصادي | #التاسعة


.. تركيا وإسرائيل.. مقاطعة اقتصادية أم أهداف سياسية؟




.. سعر الذهب عيار 21 يسجل 3080 جنيها للجرام


.. الجزائر في المرتبة الثالثة اقتصاديا بأفريقيا.. هل التصنيف يع




.. ما تداعيات قرار وزارة التجارة التركية إيقاف جميع الصادرات وا