الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لماذا كانوا وسيمين؟ لماذا كنّ جميلات؟

فاطمة ناعوت

2016 / 8 / 15
بوابة التمدن



أكتب لكم اليوم/ السبت 13 أغسطس، ذكرى رحيل أبي. وكنوع من إحياء ذكراه، كتبتُ على صفحتي ما يلي: “زي النهارده صعد أبي للسماء. كان رجلاً جميلًا نادرَ الوجود، لا يتكرّر كثيرًا. متصوّفًا: يحفظ القرآن كاملا، ترتيلا وتجويدًا. ذواقّة: مُغرم بصوت عبد الوهاب وأم كلثوم وصباح وفيروز. 
فنانًا: يرتادُ المسرح ويعتبر أعمال فؤاد المهندس وشويكار النموذجَ الأرقى للمسرح. 
مثقفًا: يهوى قراءة الفلسفة والأدب. 
عاش عمره يعشق أمي، ويحبُّ كلَّ الناس.
 ومات دون أن يظلم أحدًا. 
الله يرحمك يا بابا.” ونشرتُ مع البوست عدة صور له بالأبيض والأسود مع أمي الجميلة، رحمها الله، تحملني فوق ذراعيها طفلةً في شهور عمري الأولى. كتب الأصدقاءُ آلاف التعليقات المُعزّية، وأمنيات الرحمة له ولجميع موتانا، وأن ما مات مَن أخلف أبناء يشبهون آباءهم، وغيرها من التعليقات الطيبة. لكن ما لفت نظري هو توقّف معظم التعليقات عند أناقة أبي وأمي في الملبس، وجمال ملامحهما، شأنهما شأن جميع الآباء والأمهات في ستينيات القرن الماضي، وما قبلها. الصورُ بعدسة المصوّر الأرمنّي العالميّ "ڤان ليو" Van Leo، وكان من أشهر المصورين الفوتوجرافيين في تلك الأونة ورحل عام 2004 بالقاهرة. التقطت عدستُه أجملَ صور المشاهير المصريين والعالميين. واشتُهر باللعب بدرجات الظلال وومضات الإضاءة؛ فخرجت من بين يديه صورٌ بديعة عالية الفن، كأنما هي تابلوهات مرسومة بالفحم. وأشهر صورة لعميد الأدب العربي د. طه حسين، كانت بعدسته. وهي الصورة الرسمية للأستاذ حيث يختفي نصفُ وجهه تحت طبقات الظلال، فيما يشرق النصفُ الآخر بأشعة الضوء والوهج.
كان أبي رجلاً وسيمًا، وكانت أمي سيدة ساحرة الجمال. وكانا أنيقين، شأن ذلك الجيل الأنيق. هذا ما توقّف عنده المعلقون على صفحتي، حيث راحت عيونهم تُفتِّشُ في جنبات الصور عن مصر الجميلة، التي لم يعد من جمالِها إلا بقايا خافتة نلهجُ إليها في أفلامنا القديمة: بالأبيض والأسود. من بين المعلقين رسّامٌ مصري يعيش في بريطانيا اسمه "حمدي سليمان"، كان قد رسمني في أحد أجمل البورتريهات التي رُسمت لي. تنتمي ريشتُه للمدرسة التنقيطية Pointillisme ابنة المدرسة التأثيرية، التي يعتمد تكنيكها على ضربات الفرشاة الملوّنة فيتكون نسيجُ اللوحة من قطرات اللون والضوء. استوقفني تعليقه الذي كان مُلهمًا لهذا المقال. كتب معلّقًا على صورة أبي مع أمي: “أحببته من ملامح وجهه. لسبب لا أفهمه، أشعر أن ملامح الوجه المتناسقة تلك، بدأت تختفي من مصر! هل لأن الحياة اليومية تشكل ملامحنا؟" صدمني السؤال! فاجأني! لم أفكّر أبدًا من قبل أن ملامح وجوه الناس، في مجتمع ما، تتبدّل مع الزمن جيلاً بعد جيل، بسبب ما يتعرضون له من ضغوط اجتماعية وأزمات سياسية واقتصادية. قد تتبدّل الملابسُ وفق الموضات ووفق الشرط الاقتصادي بين عصر وعصر، ولكن: هل تتبدّل الملامح والقسمات الجسدية أيضًا؟! ولمَ لا؟! أليس الإنسانُ مرآةً عاكسة لما حوله؟ وربما يفسّر هذا ظاهرة أن معظم آبائنا وأمهاتنا وأجدادنا كانوا يشبهون أولئك الذين نشاهدهم في جمهور حفلات أم كلثوم، فنحزن على ما وصلنا إليه الآن من تدهور حادّ في الذائقة الفنية والجمالية في الملبس والسلوك والمفردات، بل والإيماءات وأسلوب السير والجلوس وتناول الطعام والتعامل مع الآخر. كان المصريون في ذلك الوقت يُصدمون إن وجدوا ورقة مُلقاةً على الأرض. كانت السيدات يسرن في الشوارع بفساتين شانيل أنيقة وكعوب عالية، فلم يكنّ يعرفن شيئًا عن التحرشّ والبذاءات ولا عن اختفاء الأرصفة تحت أقدام الأكشاك الخشبية ولا عن إشغالات الطريق بالمتسولين والنشالين، ولم يشهدن الحُفر والنُقر في الشوارع ما يستحيل معه "ارتكاب جريمة انتعال حذاء بكعب رفيع". كان آباؤنا وسيمين وكانت أمهاتُنا جميلات، لأنهم عاشوا زمن التناسق المجتمعي الذي قتلناه بأيدينا. كانوا وسيمين وكّن جميلات، لأن المجتمع كان وسيمًا وجميلا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. 9 شهداء بينهم 4 أطفال في قصف إسرائيلي على منزل في حي التنور


.. الدفاع المدني اللبناني: استشهاد 4 وإصابة 2 في غارة إسرائيلية




.. عائلات المحتجزين في الشوارع تمنع الوزراء من الوصول إلى اجتما


.. مدير المخابرات الأمريكية يتوجه إلى الدوحة وهنية يؤكد حرص الم




.. ليفربول يستعيد انتصاراته بفوز عريض على توتنهام