الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


-الكافر سعيد- يصارح والديه بحبّه للمسيح

موريس صليبا

2016 / 8 / 16
مقابلات و حوارات


مصارحة الوالد والوالدة ودعوتهما إلى محبّة المسيح

رأينا في الحلقة السابقة كيف تصالح الأخ سعيد، عفوا "الكافر سعيد"، مع نفسه وبعض اقربائه ورفاقه وكيف أطلعهم على انتمائه إلى السيّد المسيح وأتّبع إنجيله وبدأ بتطبيق تعاليمه، واعتمد نهجا جديدا في حياته يبعده عن البغض والكراهيّة، ويساعده على تجسيد حياة مثاليّة تكون قدوة للآخرين ولكلّ من يبغي سلاما داخليا مع نفسه واحتراما للآخرين. نواصل معه في هذه الحلقة التي سيحدثنا فيها عن الظروف التي دفعته لإعلام والده ووالدته بمسيحيّته وباعتناقه دين يسوع المسيح، وكيف كان وقع ذلك عليهم وردود فعلهم.


س – أخ سعيد، تحيّة طيّبة وسلام مجدّدا، نواصل معك في هذه الحلقة حوارنا، بعدما حدّثتنا في الحلقة السابقة عن مصالحتك مع بعض الأقرباء والأصدقاء وطيّ صفحة الماضي الأليمة في حياتك. نودّ اليوم أن تحدّثنا كيف أطلعت والديك مباشرة وصراحة على إيمانك بالمسيح وما كانت ردود فعلهما. نبدأ وّلا بالوالدة، متى أعلمتها مباشرة بقبولك ليسوع المسيح؟

ج - كما قلت سابقا، كان من الصعب جدّا إعلام والديّ مباشرة والتحدّث إليهما بهذا التحوّل الجذريّ، ولم يكن سبب ذلك الخوف من ضربي أو شتمي أو تنكّرهما لي، علما أنّي كنت قد بلغت العشرين من العمر. غير أن أقول لهما مباشرة "أصبحت مسيحيّا"، شعرت بالألم الذي سأسبّبه لهما، خاصّة للوالدة لم أقدم على ذلك آنذاك، بل فضّلت التريّث تاركا لعامل الوقت أن يأخذ مجراه. ف لم أطلعها صراحة على حقيقة الأمر إلاّ بعد مرور 17 سنة، وكنتُ قد أصبحت قسّيسا قبل خمس سنوات.

س – ولكنّك أعلمت الوالد بذلك قبلها. كيف حصل ذلك وبأيّة مناسبة؟

ج - تمكّنت من إعلامه بذلك بعد مرور سنتين من عبوري إلى المسيحيّة. حينها كان يعيش والدي في المغرب بعيدا عن الأسرة التي كانت أوصالها ويا للأسف قد تفكّكت . هناك تعرّض لمشكلة صحّيّة أليمة، ونُقل في حالة الخطر إلى مستشفى للعلاج. فاتّصل بي أحد الأصدقاء من هناك قائلا: "يا سعيد، أبوك سيغادرنا، إنّه على فراش الموت." أثناءها كنت أعمل في منطقة "الفوج" شرق فرنسا. أخذت بسرعة جواز سفري وذهبت حالا إلى المطار. وعند وصولي إلى الدار البيضاء، تبيّن لي أنّي نسيت أوراقي وجواز سفري في مطار "أورلي" في باريس. بدأ جهاز أمن المطار بالتحقيق معي، فقلت لهم مستغيثا: "أرجوكم، أبي يحتضر في المستشفى. دعوني أذهب بسلام كي أعانقه للمرّة الأخيرة قبل أن يلفظ أنفاسه. لا همّ لي الآن إلاّ أن أراه قبل رحيله من هذه الدنيا." عندئذ تركوني وحالي. فأخذت سيّارة تاكسي من الدار البيضاء إلى الرباط. أذكر أنّ سائق التاكسي خدعني واستغلّني، إذ أخذ إجرته حوالي 400 درهم مغربي. وهي كميّة كبيرة بالنسبة لتلك المسافة. نعم غشّني، ولكن لم أعر هذا الأمر أي اهتمام. فهمّي الوحيد كان رؤية أبي حيّا. وصلت إلى ذلك المستشفى الكبير، فصدمت بالروائح الكريهة على مدخله وفي الطابق الأرضي حيث كان يجلس العديد من الناس على الحصر. كما رأيت على أدراج المستشفى الداخليّة المرضى وأناسا كثيرين يستعطون لشراء الأدوية. صعدت سريعا إلى الطابق الرابع حيث كان يعالج والدي. ما أن رآني حتّى انهارت الدموع من عينيه. كان يتعسّر بالكلام كثيرا، ولكنّه أشار إلى زجاجة المصل المعلّقة أمامه والتي تغذّيه وتبقيه على قيد الحياة، وكأنّه يقول لي: "لقد تخلّيتم عنّي جميعا. أخذتكم إلى فرنسا، فتعلّمتم ونجحتم هناك. والآن أنا أموت هنا وحيدا".

س - كيف واجهته في تلك الحالة؟

ج - لم يكن بوسعي إلاّ أن أغمره بذراعيّ وأضمّه طويلا إلى قلبي. ذرفت الدموع وصلّيت بحرارة للربّ من أجله. وفي اليوم التالي، كان بحاجة إلى أدوية، فذهبت لشرائها لأنّ المستشفيات في المغرب لا تعتني بالمريض إن لم يشتر له ذووه الأدوية. وبعد أيام وصلت والدتي وبعض الأصدقاء. وبفضل العناية الإلهيّة، تحسّنت صحّته، الأمر الذي أدهش الجميع. عندها قالت لي الممرّضة: "لا نفهم أبدا كيف تحسّنت صحّة والدك رغم الذبحة القلبيّة التي تعرّض لها، والشلل الذي أصابه في الجانب الأيسر من جرّاء ذلك."

س - ماذا جرى بعد ذلك؟

عندما رأينا التحسّن الملموس في صحتّه، وسُمح لنا بنقله لمتابعة العلاج في فرنسا، أتينا به إلى مستشفى مدينة "آبينال" (Epinal) وهي مدينة تقع في شرق فرنسا وقريبة من مكان سكننا. في تلك الفترة شعرت بعبء داخليّ ثقيل يؤرقني باستمرار. فقلت في قرارة نفسي: "عبرتُ من الإسلام إلى المسيحيّة، وقد حان الوقت الآن لمصارحة أبي بذلك وجها لوجه." وبقي هذا الهمّ يراودني طيلة الأسبوع.

س - في أي سنة حصل ذلك؟

ج - كان في العام 1992، حينها صلّيت للربّ كي يهبني الشجاعة والقوّة والأسلوب الأفضل في مصارحة أبي. عند وصولي إلى المستشفى، قلت له وهو ملقى على الفراش: "دعني أتكلّم معك الآن بكل صدق وصراحة. كم من مرّة رأيتك تضرب أمّي وتعاملها بعنف وقساوة. وكذلك كنت تضربنا وتعنّفنا عندما كنّا صغارا. عشنا طفولة تعيسة وصعبة للغاية. كنت تكسب المال وترسله إلى المغرب، بينما كنت تبخل علينا بأمور كثيرة، وتتركنا نأكل دائما نفس الشيء، ونلبس نفس الثياب ونفس الأحذية. فجوز "البسكات" (Baskets) الذي كنت تشتريه لنا في شهر سبتمبر، كان علينا أن ننتعله طوال السنة. كنتَ شديد القساوة معنا. لقد احتقرتك وكرهتك كثيرا. ولكنّني اليوم، أريد أن اقول لك: يسوع المسيح (عيسى إبن مريم) غيّر حياتي. علّمني أن أحبّ، أن أنسى كلّ شيء، أن أغفر لكلّ إنسان. مات يسوع المسيح مصلوبا من أجلي، ومن أجل كلّ إنسان، ومن أجلك أيضا. لذلك أطلب منك فعلا المغفرة، أن تسامحني عن كلّ ما فعلت. أنا أحبّك كما أحبّني يسوع. أنا اغفر لك كما غفر لي يسوع أيضا."

س - كيف تعامل معك الوالد إثر ذلك؟

ج - يومها كان والدي في الستّين من عمره. قبل ذلك لم أره قطّ في حياتي يذرف الدموع كما رأيته في تلك اللحظة. كلّمني بالعربيّة قائلا: "الله كبير! الله عظيم!". عندها شعرت بأنّه بحاجة للمسيح رغم مرضه وأوجاعه. كان عليه أن يقبل المسيح كي تُغفر خطاياه، لأنّ الإسلام لا يفعل ذلك. عندئذ قلت له: "يمكنك أن تقبل المسيح! عليك أن تقبله وتطلب منه المغفرة عن خطاياك! هو وحده يستطيع محو الذنوب! وأنت تستطيع أن تتحوّل إلى إنسان جديد!". ثمّ أخذت بيده وصلّينا معا. ردّد الصلاة معي، وقبل يسوع في حياته، وطلب منه مغفرة خطاياه. على سريره في المستشفى، تحوّل ابي إلى إنسان آخر. وخلال ثوان كان المسيح حاضرا في غرفته. رأيت أبي في حالة من الإرتياح النفسي والغبطة والإنشراح، وهو يعبر من الظلمة إلى النور.

س - ألم يقل لك شيئا بعد هذه المصارحة؟

ج - تحدّثنا كثيرا بحرّيّة وهدؤ عن حياتنا العائلية وعن كلّ الأمور التي كانت سببا في تفّكك الأسرة والتي عرّضتنا لمشاكل عديدة. اعترف لي خلال محادثاتنا بأنّه هو أيضا حاول مرارا تزويجي مستخدما السحر والسحرة، هذه العادات التي تمارس كثيرا في الإسلام، وما زالت قائمة حتّى اليوم. فالإستعانة أو اللجوء إلى ما يسمّى بالـ"مرابطين" (Marabouts) منتشر كثيرا بين الجماعات الإسلاميّة في المغرب وبعض الأقطار الإفريقيّة، وقد أتوا بهذا التقليد معهم إلى بلاد الغربة وما زال الكثيرون يلجأون إليه.

س - ما هو الإنطباع الروحي الذي خرجت منه بعد هذا الحوار الصريح مع الوالد؟

ج - قبل ذلك، أودّ الإشارة إلى ما حاولت توضيحه لأبي. شرحت له وجود الخير من جهة والشرّ من جهة أخرى. فإذا كان الربّ الإله موجودا، فالشيطان موجود أيضا. ولكن يستحيل على الشيطان مقاومة إرادة الربّ الإله، أو الغدر بالذين وضعوا أنفسهم تحت حماية الربّ الإله. وفي العالم أجمع وحتّى في فرنسا، هناك من يحاول إخفاء ذلك، بالرغم من وجود العرّافين والسحرة والوسطاء الذين يحاولون إقامة صلة بين البشر والأرواح عبر التنويم المغتاطيسي، والمشعوذين الذين يدّعون استلهام الأرواح والقوّة من مكان ما.
أما في أيّ حالة نفسيّة خرجت بها بعد هذه المصارحة مع أبي، فقد تعلّمت كيف أحبّه من جديد، وأتحاور معه، وأحادثه، وأضمّه بين ذراعيّ، واقبّله. ولأوّل مرّة شعرت بأنّي أعيش حالة من البنوّة الصحيحة. وهذا يعود إلى ما فعله المسيح بي. فقد سهّل عليّ عمليّة المصالحة مع أبي وعائلتي ومحيطي. هذا أجمل ما اختبرته في حياتي. أذكر كيف نبذني أحد إخوتي الكبار عندما علم بعبوري من الإسلام إلى المسيحيّة. وكان قد صُدم بذلك، ولكنّني أعذره وأفهم موقفه. فأنا فعلت نفس الشيء مع شقيقتي فاطمة عندما اعتنقت المسيحيّة. ولكن طالما لم يتسنّ للإنسان اختبار محبّة الربّ لن يدرك معنى الصليب. لذلك أعذره.
بعد خروجي من غرفته في مستشفى "آبينال"، شعرت بأنّ حملا ثقيلا يزن أكثر من رطلين قد سقط عن كتفيّ بعد تحمّل عبئه الأليم منذ سنوات. لذلك أقول وأردّد، إنّ الإرتداد عن دين إلى دين آخر ليس من السهل اختباره، وليس من السهل على مسلم أن يعبر ويقبل إيمانا آخرا غير إيمانه. وهذا أمر لا يمكن الإعلان عنه على السطوح.

س - عرفنا كيف أعلمت والدك وصارحته بعبورك من الإسلام إلى المسيحيّة، وذلك عندما كان مريضا ويخضع للمعالجة في المستشفى، وتوصّلت بالتالي إلى الكشف له عن محبّة المسيح له وقبوله به ربّا ومخلّصا. يومها كنت في الثانية والعشرين من العمر. أما الوالدة فلم تحدّثها عن هذا الأمر إلاّ بعد مرور سبعة عشر عاما على اعتناقك للمسيحيّة. كيف حصل ذلك وبأيّة مناسبة ولماذا تأخّرت؟

ج - نعم لم أعترف بذلك مباشرة لوالدتي إلاّ بعد سبعة عشر عاما من اعتناقي للمسيحيّة. كان ذلك في شهر نوفمبر / تشرين الثاني عام 2006. يومها كنت في رسالة أنجلة في جزيرة كورسيكا. فاتّصل بي أخي الصغير قائلا: "والدتنا في المستشفى، وحالتها صعبة للغاية!" ما أن سمعت هذا الخبر المؤلم حتى انهارت أعصابي تماما، إذ خفت أن تنتقل والدتي من هذه الدنيا إلى الآخرة، دون أن أكون قد تجرّأت وخاطبتها وجها لوجه، واعترفت أمامها بمسيحيّتي وبإيماني بيسوع المسيح، وذلك دون معرفة السبب. فأسرعت حالا، ولم أخف من أن تضربني مرّة أخرى بالمكنسة، وأنا بعمر الخامسة والثلاثين، كما كانت تفعل عندما كنت طفلا. فقلت للربّ يسوع في نفسي: "يا إلهي، تراني أهتمّ بالعمل من أجلك، أرجوك أن تهتمّ بوالدتي كي تتحسّن صحتها أقلّه حتى أصل إلى المستشفى وأراها حيّة!"

س - وهل استجابك الربّ؟

ج - حالما وصلت إلى باريس، صعدت في أوّل قطار متوجّه إلى مدينة "آبينال". عند رؤية والدتي في المستشفى انتابني عبء ثقيل شبيه بمرض دوّار البحر، فلم أستطع أن أقول لها: "يا ماما، تعرفين أنّني مسيحيّ، وتعرفين كذلك كم تغيّرت حياتي". كانت تعرف، ولكن كانت تنقصني الجرأة لأبوح لها أنا شخصيّا بذلك. كنت أزورها يوميّا خلال أسبوع كامل. وفي آخر ذلك الأسبوع إتّصل بي هاتفيّا صديق لبنانيّ عابر مثلي، قائلا: "يا سعيد، شعرت هذا الصباح خلال صلاتي بأنّك قادر أنت أيضا أن تتصارح مع والدتك وُتعِلمها مباشرة باعتناقك دين المسيح." تأثّرت كثيرا بما سمعته من هذا الأخ الصديق، كما كانت كلماته تراودني باستمرار في ذلك النهار وأنا في طريقي لزيارة الوالدة، وتحثّني لإعلامها وجها لوجه بتحوّلي إلى المسيحيّة. شعرت بالقوّة الكافية لمخاطبتها بهذا الأمر دون تردّد.

س - ماذا قلت لها؟ وكيف باشرت الحديث معها؟

ج - قلت لها بشكل مفاجئ: "ماما، هل تريدين أن اصلّي للربّ من أجلك؟" كانت تعرف مسبقا معنى الصلاة التي أريد توجيهها للربّ، إذ حاولتُ ذلك عدّة مرّات في الماضي، ولكنّها كانت دائما ترفض طلبي. هذه المرّة، سألتها ذلك بالعربيّة، فأجابتني بابتسامة كبيرة، قائلة: "وكيف نفعل ذلك؟" كم كنت مندهشا من رؤية وجهها الصافي، وإبتسامتها الجميلة، وخاصّة من سؤالها. طلبت منها أن تردّد بكل بساطة ورائي. قبل ذلك، قلت لها: "ماما، أنت بحاجة إلى طلب المغفرة من الأميركان، من اليهود، ومن إخوتي وأخواتي بسبب الكراهيّة والغضب. أنا أعرف حبّك واحترامك لي."

س - وماذا فعلَت بعد الصلاة ؟

ج - بعد الصلاة المشتركة، سلّمتني مفاتيح البيوت في المغرب، أنا إبنها المسيحي الوحيد بين أبنائها. ثمّ ندمت على كلّ ما فعلته في حياتها من أعمال سيئة، وطلبت المغفرة من يسوع، كما طلبت منها المغفرة أيضا على كلّ ما فعلته سابقا، خاصّة عن المشاكل التي سبّبتها لها وللعائلة. وهنا انهارت الدموع من عينيها، فأخذتُ يدَيّها وقبّلتها، وطلبت مجدّدا أن تسامحني وتصفح عن كلّ شيء صدر عنّي في الماضي. وعندما رأتني في هذه الحالة، خافت واضطربت، فضغطت حالا على زرّ "الطوارئ" طلبا للنّجدة. فحضر الأطباء والممرّضون والممرّضات سريعا، فاعتذرتُ منهم قائلا بأنّ ما حدث كان خطأ. بعد مغادرتهم الغرفة، لم أتوقّف عن البكاء وعن تقبيل يديّ أمّي. عندها إنشرح قلبي وسقط همّ كبير عن كتفي، إذ احتجت إلى سنوات طويلة كي أصارحها باعتناقي دين يسوع المسيح وبالتعبير لها عن قوّة حبّي لها.

س - هل تسنّى لك أن تتحدّث معها عن ماضيك؟

ج - نعم، تذكّرت وإياها ماذا كانت تقول لي كلّ مرّة كنت ألتقي بها قبل ذلك أو أزورها في البيت. كانت تطلب منّي باستمرار: "عليك أن تعود إلى الإسلام، ولا أطلب منك شيئا آخر غير ذلك. لديك زوجة لطيفة للغاية وأولاد مهذّبين يفرحون القلب." نعم، نجحتُ في الحياة ولم أعد ذلك الشاب المتهوّر المدمن على المخدّرات والمتاجرة بها أو الترويج لها. توقّفت عن السرقة، بفضل يسوع المسيح. وأصبحت إبنا صالحا يساعد أسرته ويوفّر لها المال عند الحاجة. توقّفت ايضا عن انتقاد فرنسا وشتمها كما يفعل الإخوة والرفاق الآخرون الذين يقولون عن أنفسهم بأنّهم مؤمنون، ولا يحترمون البلد الذي يستضيفهم ويوفّر لهم العلم والعمل والطبابة والرعاية الصحّيّة. إنّها المرّة الأولى خلال الثمانية عشر سنة الماضية من حياتي، أرى نفسي أتكلّم مع والدتي بهذه الصراحة وبهذه المحبّة وبهذا التواصل الحميم.

س - ما كان شعورك بعد هذا التحوّل الجذريّ في حياة والدتك وهي مريضة في المستشفى وفي حالة صحّيّة صعبة؟

ج - لم أكن مرتاحا إطلاقا بسبب تردّي صحتها، بل اضطربت كثيرا إذ زادت نبضات قلبها بشكل مخيف، خاصّة عندما ارتفعت إلى 130 نبضة. تصوّرت أنّنا في سيّارة واضطررنا إلى السير بها بالسرعة القصوى. شاهدت والدتي تنهار وتضعف أكثر فأكثر. في تلك اللحظة صُدمت لأنّ والدتي أصبحت، بعد وفاة أبي عام 1994، السبب الوحيد الذي ما زال يربطني بفرنسا. أخذت أتساءل: من أتى بنا إلى هذه الأرض؟ أبي وأمّي. وإذا رحلت أمّي الآن، ما الذي سيشدّني بعد إلى هذه البلاد؟ فإذا رحلت عن هذه الدنيا لن يبق عمليّا شيء يربطني بها. فبالرغم من نشأتي في فرنسا، بدا لي وكأنّني سأنهار تماما بعد رحيلها. إذ لم يعد لديّ أي رابط في هذا البلد، علما أنّني انغرست فيه، وتزوّجت وأنجبت أولادا. في هذا البلد ما زلت أشعر وكأنّني مغربيّ 80 % وفرنسيّ 20 %. وعندما أذهب إلى المغرب، تنقلب هذه النسبة، إذ اشعر هناك بأنّني فرنسيّ 80 % ومغربيّ 20 %. فلا شيء يربطني بعقليّتهم. ولكن ما زال الخوف يؤرقني ويقضّ مضجعي. إذا ماتت الوالدة، سأفقد حتما عنصرا جوهريّا في حياتي.

س - هل دفعك هذا الجو من الإضطراب النفسيّ والوجوديّ إلى نوع من الإستياء والتمرّد؟

ج - بسبب هذا الخوف وهذا الإضطراب لم أستطع النوم إطلاقا. إنتظرت اليوم التالي وأسرعت إلى المستشفى. في طريقي قلت للربّ: "يا إلهي، لقد قبلتكَ أمّي واعترفت بذنوبها، ولكن لم يتسنّ بعد الوقت لها كي تدرك حقيقة العيش كمسيحيّة. فهي بحاجة أن تتدرّج شيئا فشيئا كي تعرفك. لا بدّ من أن أساعدها وأكلّمها عن عظمتك ولماذا افتديتنا. يا إلهي، لماذا لم تشفِها بعد وتخفّف عنها عذاب المرض؟" ثمّ تذكّرت أنّ والدتي طلبت أن ترى زوجتي وأولادي للمرّة الأخيرة في حياتها. فأولادي هم أولادها. كم من مرّة قالت لي: "إهتمّ بأولادك، إنتبه لهم، لا تضربهم!"، بالرغم من أنّها أشبعتني ضربا عندما كنت طفلا. وعندما وصلت أنا وزوجتي وأولادي إلى المستشفى، وجدنا والدتي جالسة في سريرها، ولا أثر لأنبوبي المصل والدم قربها، وفي حالة مريحة للغاية. فأنا لست صوفيّا ولا أؤمن بالغيبيّات، ولكنّ والدتي شُفيت بفضل الصلاة.

س - كم كان فرحك عظيما عندما رأيتها بهذه الحالة؟

ج - من الصعب أن أصف شعوري بالفرح وبالعزاء معا. عودتُها إلى حياة شبه طبيعيّة وفّرت لي الوقت كي أبقى قربها وأعرّفها بحقيقة الربّ يسوع الذي وهبني القوّة والجرأة كي أعترف لها وجها لوجه بأنّني أصبحت مسيحيّا. شكرت الربّ يسوع على هذه النعمة الرائعة التي صالحتني مع أمّي ووحّدت قلوبنا بمحبّته.

شكرا أخ سعيد وإلى اللقاء مع القراء الكرام في الحلقة المقبلة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رفح: اجتياح وشيك أم صفقة جديدة مع حماس؟ | المسائية


.. تصاعد التوتر بين الطلاب المؤيدين للفلسطينيين في الجامعات الأ




.. احتجاجات الجامعات المؤيدة للفلسطينيين في أمريكا تنتشر بجميع


.. انطلاق ملتقى الفجيرة الإعلامي بمشاركة أكثر من 200 عامل ومختص




.. زعيم جماعة الحوثي: العمليات العسكرية البحرية على مستوى جبهة