الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رقة الشاعرة وحاملة الأثقال

نوال السعداوي
(Nawal El Saadawi)

2016 / 8 / 17
الادب والفن



هى فتاة تتمتع بقوة العضل مع رقة الطبع، تزداد الرقة بازدياد القوة، امرأة أو رجل، لا فرق، الموهبة العقلية والجسمية لا ينفصلان، المرأة المصرية بطلة عالمية فى حمل الأثقال، أو سجينة فى زنزانة المفكرات الثائرات، أو كاتبة منسية أو شاعرة منفية، أو طفلة منقبة تمشى إلى المدرسة محنية الرأس، تخرق كلمة «أنثى» أذنيها كالبصقة، يتحرش بها الذكور، يقذفونها بطوبة، أو كلمة نابية تهدر كرامة أمها لكن أمها هى التى شجعتها منذ الطفولة على التحدي. أمها علمتها أن ترفع رأسها عاليا، أن تثق بعقلها وجسدها معا، أن تقرأ وتلعب وتمارس الرياضة، دون خوف على عذريتها من القفز العالى أو ركوب الدراجة، أن تحمل الفكر الجديد والأثقال الحديد، أن تكون لها عضلات قوية وعظام صلبة وعقل مبدع أن تغير مفهوم الأنوثة والرجولة، ومفهوم العار والفضيلة، أن تستعيد للمرأة قوتها الطبيعية وجذورها التاريخية، فتاة واحدة فى الثامنة عشرة، ترفع قيمة الوطن ذى التسعين مليونا، تنقل العقل المصرى إلى مرحلة أرقي، تعلن للعالم أن المرأة المصرية ليست عورة تتغطي، أو سلعة تتعري، للإشباع والامتلاك أو شهوة الاستهلاك، يفخر الوطن بها اليوم، «سارة سمير» لكنه يقهر مثيلاتها البنات كل يوم، ويحرم الأطفال مثلها حرية الفكر والجسم معا.

منذ طفولتها تشجعها أمها على الحرية والاستقلال، انطلق عقلها وجسمها إلى آفاق الإبداع العقلى والجسمى فى آن واحد، يتغنون اليوم باسمها فى الأناشيد الوطنية، وبالأمس حرموها من فرصة النجاح فى المدرسة، فهل يغيرون سلوكهم اليومى تجاه بناتهم وزوجاتهم وأمهاتهم وجميع النساء، أم يستمرون فى تناقضهم وازدواجياتهم ونفاقهم؟

تذكرنى البطلة «سارة سمير» بفتاة مثلها، كانت بطلة فى مجال الثورة الفكرية والشجاعة، اسمها «سميرة إبراهيم» شاركت فى ثورة يناير بميدان التحرير، فوجدت نفسها بالسجن، وتم إجراء عملية «كشوف العذرية» عليها، أى اهانة لفتاة راقية الخلق تدافع عن كرامة الوطن فإذا بالوطن يهدر كرامتها؟ لم تضعف إرادتها الحديدية، لم تشعر بالخزى والعار، بل تقدمت بشجاعة أدبية إلى القضاء، لتحاكم النظام المزدوج، وكسبت احترام الشعب المصرى وشعوب العالم، فهل نسيها الوطن الذى حلمت بتحريره من الظلم والفساد؟

حاولت الحكومات المتعاقبة نفيها بعيدا فى الصعيد، لكن أصحاب الضمائر الحية يذكرونها، والشابات والشباب، ممن شاركوا معها فى مظاهرات ميدان التحرير، بعضهن وراء القضبان حتى اليوم، لا أحد يتغنى باسمائهن فى الأناشيد الوطنية، مع أنهن، وزملاءهن الشباب، السبب الرئيسى الأول فى سقوط الحكام السابقين وصعود الحكام الحاليين. وهناك كاتبات وشاعرات، يعشن المنفى الاجبارى أو الاختيارى خارج الوطن، بعد أن تصدين بقوة للفكر الدينى السياسى المتخلف، وهل نسيتم الشاعرة فاطمة ناعوت وغيرها من الكاتبات والكتاب؟ وهناك من يعشن المنفى داخل الوطن، فلا تحظى الكاتبة أو الشاعرة منهن بأى مساحة فى غابة الإعلام والنشر، ويحظى المنافقون والمنافقات بكل الأعمدة والمساحات فى جميع العهود، وتختفى المواهب فى البيوت.

نحن نعيش فى عالم لا يشغله إلا المال والسلطة ومضاربات البورصة، لا تكف الحكومات وأعوانها عن التغنى بالأخلاق والصداقة والمحبة والتضحية من أجل مصر وشعبها «العظيم»، لكن حياتهم الحقيقية تكشف أنهم لا يضحون بشيء، يعيشون داخل أسوار عالية بعيدا عن عيون الفقراء الجائعة، يتحصنون داخل قصورهم ومنتجعاتهم المنيعة، وكلما اقترب منهم الشعب ابتعدوا، حتى قبورهم أصبحت مثل قصورهم فاخرة البناء، حوطوها بالأسوار والحدائق، يسكن موتاهم تحت الأرض فى قصور من الحجر الملون والسيراميك، ويعيش الاحياء من الشباب الموهوب فى العشوائيات والقبور. لكن هناك شبابا وشابات يقاومون اليأس والهزيمة، يحملون الأثقال ويغيرون المفاهيم القديمة، وهذه أبيات من قصيدة للكاتبة الشاعرة «منى حلمى» عن قوة التحدى والأمل رغم الصعاب: النقاد لا يعترفون بقصائدي/ الرجال لا يفهمون أنوثتي/ الوطن لا يؤمن بحريتي/ لكني، حتى الآن، وحتى اشعار آخر بألف خير.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - ساره سمير
د.قاسم الجلبي ( 2016 / 8 / 17 - 14:21 )
ساره سمير , امرأة تملك العقل وقوة العضلات, حطمت القيود ورفعت اسم وعلم مصر عاليا واسم الدول العربية في اولمبياد ريو,, ولكن اسفأ احاطوا عقلها ورأسها المتنور بقطعة قماش ارضاءا لبعض العقول الآسلامية البائسة, انها مفخرة للمرأة العربية , حيث حكومة مصر قد اهدتها , بمبلغ نصف مليون جنيه مصري على هذا الانجاز الرياضي الكبير . , مع التقدير

اخر الافلام

.. مقابلة فنية | المخرجة ليليان بستاني: دور جيد قد ينقلني إلى أ


.. صانع المحتوى التقني أحمد النشيط يتحدث عن الجزء الجديد من فيل




.. بدعم من هيئة الترفية وموسم الرياض.. قريبا فيلم سعودي كبير


.. المخرج السعودي محمد الملا يتحدث لصباح العربية عن الفيلم الجد




.. الناقد الفني أسامة ألفا: من يعيش علاقة سعيدة بشكل حقيقي لن ي