الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


انكسار

حفيظ بورحيم

2016 / 8 / 17
الادب والفن


يوم آخر يقتحم غرفته اقتحاما مصحوبا بضوء الشمس التي مضى على طلوعها أقل من ساعة. غرفة الجلوس كانت خالية والبهو أيضا، لا صوت يصدر إلا صوت ريان ابن الجيران الذي كان كفيلا بإيقاظه من نومه، وفي البداية فتح عينيه ببطء ثم أغلقهما ليضاعف ساعات النوم حتى يعوض لحظات اﻷرق السالفة، لكن صوت الضجيج المتواصل منعه من تذوق المزيد من غمرة الراحة والهدوء .
نهض من سريره الضيق ناظرا إلى اﻷشياء من حوله . لقد كان باب الخزانة مفتوحا تتدلى من رفه اﻷوسط سراويل وأقمصة قديمة، أما المائدة فقد بقيت فوقها بقايا عشاء اﻷمس. وعلى الحصير القصير الذي لا يتسع لتغطية أرضية الغرفة تراكمت الكتب والأوراق والأقلام ..
بعد تناول طعام اﻹفطار ومشاهدته لفيديو قصير يحكي قصة معاناة اﻷساتذة المتدربين غادر المنزل ليلقى حبيبته عائشة التي واعدته بلقاء قصير خلف أسوار ثانوية علال الفاسي . وفي الطريق إلى ذلك المكان تبدت له أشغال بناء في إطار مشروع خاص بإحدى الشركات المعروفة، فمثل أمام عينيه حلم قديم في الحصول على منزل فخم، إنه حلم ولد منذ طفولته وأخذ يتهافت شيئا فشيئا مع كرور اﻷيام .
جلس على إحدى المقاعد الموزعة على طول الطريق الذي يحاذي الثانوية وانتظرها طويلا حتى مل وأصابه الإحباط من رؤيتها، ثم أخرج هاتفه وأرسل لها رسالة قصيرة حتى لا يضيع رصيده هباء منثورا . انتظر مرة أخرى فلم ترد على رسالته وعلم أن مكروها ما قد أصابها فحاول الاتصال بها، وما إنْ وضع شاشة الهاتف على أذنه حتى أحس به يُنتزعُ منه انتزعا بسبب يد شيطانية خاطفة اعتمد صاحبها في الهرب على دراجة نارية تخلف نار السرعة خلفها إذا انطلقت .
أصابه الذهول وأراد أن يصرخ، لكنه لم يستطع فعل ذلك لأنه كان منذ نعومة أظافره صامتا أمام اﻷذية التي يلحقها به اﻵخرون . حاول أن يجري لكن بدون جدوى، لقد ابتعد ذلك السارق كثيرا وصار من المحال الوصول إليه . وفي اللحظات التالية كان قد وصل إلى مخفر الشرطة وأعلمهم باﻷمر مسجلا شكاية ضد ذلك السارق المجهول، ثم خرج متوجها إلى حديقة من الحدائق النائية ليخفي فيها وجه غبائه مثلما تخفي النعامة وجهها في التراب، لكن بماذا سينفع الهروب ؟ وأين سيعثر على أرقام الهواتف الخاصة بأصحابه البعيدين وزملائه الأقدمين وأساتذته المحببين ؟ كل هذه اﻷسئلة وغيرها كانت تغزو ذهنه باستمرار، فما كان له إلا يصبر بعد حملة من الانتقادات التي وجهها في دخيلته إلى العفو الملكي والتهاون في أداء العقوبات المستحقة .
بعد لحظات، مرت حبيبته عائشة مع رجل يعمل موظفا بمقاطعة لبيرغولا فرأهما من وراء السياج، وتملكته حسرة حادة وحاول اللحاق بهما حتى بلغهما وأمسك بذراعها صارخا :
ـ من يكون هذا الكهل الممسوخ يا عائشة ؟ أجيبي وإلا !
قالت :
ـ ومن أنت حتى تسألني ؟ هل أعرفك يا هذا ؟
قال :
ـ هل تناسيت من أكون ؟ تناسيت حبنا الذي بنيناه على جمر الواقع وبرد الخيال ؟ هل تناسيت كلمات الهوى وألحان الحياة الذي حركتُ نبضَها في قلبكِ يا عائشة ؟
غمزت لخطيبها غمزة خبيثة وحركت يدها على غفلة منه كإشارة إلى جنونه وخبله، ومضيا مبتعدين وظل هو في مكانه منتصبا ليشهد على لحظة انكسار قلبه البريئ .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المخرج كريم السبكي- جمعتني كمياء بالمو?لف وسام صبري في فيلم


.. صباح العربية | بمشاركة نجوم عالميين.. زرقاء اليمامة: أول أوب




.. -صباح العربية- يلتقي فنانة الأوبرا السعودية سوسن البهيتي


.. الممثل الأميركي مارك هامل يروي موقفا طريفا أثناء زيارته لمكت




.. أمسيات شعرية- الشاعر فتحي النصري