الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لمن يكره الفلسطينيين: حلوا عنا

سندس القيسي

2016 / 8 / 18
القضية الفلسطينية


لمن يكره الفلسطينيين: حلّوا عنا!

إن دعوة بسيطة لمقاطعة إسرائيل سياسيًّا واقتصاديًّا وثقافيًّا هي دعوة مبدئية ليس للوقوف إلى جانب الفلسطينيين، بل بهدف جعل إسرائيل تفكر في تغيير تعاملها ولو بشيء بسيط تجاه الفلسطينين. فأنتم حين تقاطعون البضائع الإسرائيلية، فلن تموتوا جوعًا ولكن قروشكم التي تذهب إلى خزينة الدولة الإسرائيلية لشراء طلقة تخرق جسد طفلٍ فلسطيني هي التي ستقتل. فكأنما ساهمتم في موت الطفل الفلسطيني تمامًا مثل الجندي الإسرائيلي الذي أطلق النار عليه. وهذه المفروض أن تكون مسألة إنسانية، قبل أن تكون تضامنًا مع الفلسطينيين. أما لماذا يجب أن لا نركض نحو التطبيع السياسي والثقافي، فذلك بسبب عدم موافقتنا على سياسات إسرائيل واستراتيجياتها ضد الفلسطيين.

إذا كُنتُم تكرهون الفلسطينيين أفرادًا وشعبًا وقضيةً وثقافة، فهذا ليس مدعاة لكم لكي تصطادوا في الماء العكر وترتموا في أحضان إسرائيل. فهذا ذنب غير مغفور وعذر أقبح من ذنب. وحين يقول لأحدكم فلسطيني: "حلوا عنّا يا عرب"، فإنه يقصد هذا تمامًا. إذا كنتم لا تريدون تأييد الفلسطينيين، فهم لا يحتاجون إلى تأييدكم، وإنما إلى كف بلائكم عنهم ولتتركوهم يخضوا معركتهم بشرف قدر الإمكان. ولا تذهبوا إلى إسرائيل، نكايةً بالفلسطينيين وللتغرير بهم وبيعهم بثمن زهيد وخسيس وكفوا شركم عن الفلسطينيين ولا تتدخلوا وإبقوا على الحياد، فذلك هو الأفضل للجميع. وكفى بيعًا وشراءً بالقضية الفلسطينية وأبناء الشعب الفلسطيني، الذي يناضل في الميدان.

بعض المتملقين لإسرائيل فسّروا مفهوم "حلوا عنا يا عرب" بمثابة دعوة فلسطينية مفتوحة إلى التطبيع مع إسرائيل وطعن المقاومة الفلسطينية في بطنها وظهرها غدرًا وعلانية. نقول لأمثال هؤلاء: "ماذا نفعل إذا كانت أخلاقكم لن تمنعكم؟ هل نستطيع أن نقف في وجه النذالة المتجسدة في شخوصكم؟ لهذا يأتي هذا المفهوم، "حلوا عنا" لكي نتخلص من العلقات، مصاصات الدم، التي تريد أن تقتات على الجرح الفلسطيني النازف لكي ترتقي إلى مستوى التملق لإسرائيل ومسح جوخها. بل ربما الركوع لها وتقبيل قدميها. كل هذا نكايةً بالفلسطيني؟ هل تغارون من الفلسطينيين إلى هذا الحد؟ ما هي مصلحتكم مع إسرائيل، التي لن تكون لكم قائمة بدونها؟ أنا لا أستطيع أن أمنع وقوعكم في الغرام مع إسرائيل. " يا محنّن!" كما نقول باللهجة الفلسطينية. لكن لا يحق لكم أن تؤولوا ما يقوله الفلسطيني. "حلوا عنّا" يعني إطلعوا إنتم منها. خليكم برّانية! ولا يحق لكم أن تتكلموا عن فلسطين والفلسطينيين بهذا الشكل المسف ما زال الفلسطينيون على قيد الحياة! نعم على قيد الحياة! لما تبيدنا إسرائيل الحبيبة بالكامل وننقرض كشعب، ربما بإمكانكم أن تتحدثوا عن الفلسطينيين. وفلسطين ليست بحاجة لكم ولأمثالكم، فأبناؤها يفدونها بالغالي والنفيس ويروونها من دمائهم الزكية. ولا ينتظرون منكم شفقة. بل إننا نجد أنفسنا أقزامًا أمام أهل الضفة والقطاع، ناس من أروع ما يكون. ناس لا زالت طيبة ومبدئية وصابرة. فمن تكونوا أنتم لتتحدثوا عن هؤلاء العمالقة الفلسطينيين ولا أقصد نفسي ولكن أعني فلسطينيي الداخل، الذين يعيشون على خط النار؟

في ذات مرة، قامت إمرأة خليجية بسؤالي، أثناء تجوالي في أحد المولات عن متجر ضخم معروف بتبرعاته لإسرائيل. فمن باب العلم بالشيء. قلت لها: "أنت تعرفين أن هذا المتجر يعطي نسبة من أرباحه إلى إسرائيل " وأضفت: "أنا شخصيًا مقاطعته." فردت علي قائلة بسخرية: "أنا لا أومن بهذا الكلام، لأنه لازم نقاطع البضائع الأمريكية كمان." وفي الآخر كان لا بد من نقدٍ لادع للفلسطينيين الذين يردد كثيرون أن الفلسطينيون خانوا بلدهم وباعوا أراضيهم لليهود وإذا كانوا هم بذات أنفسهم عملوا اتفاقيات سلام مع اسرائيل، فلماذا لا نعمل نحن؟ أولاً؛ مالكم إنتم ومال إسرائيل؟ يعني هل ستموتون إذا قاطعتم إسرائيل؟ هل سينتهي وجودكم بدون وجود هذه العلاقة الفارقة مع إسرائيل؟ بموقفكم هذا، أنتم تناصرون إسرائيل وقمعيتها، فيما لا تساومون أنتم على حريتكم، التي ينبغي أن تنتهي عند حدود القضية الفلسطينية. ولهذا المطلوب منكم أن تقولوا خيرًا أو فلتصمتوا. إسرائيل لن تطير. دعوا الفلسطينيون يحلون مشاكلهم بأنفسهم أولًا، و"حلوا عنّا!"

وعندما كنت في باريس العام الماضي، كنت على موعد لقاءٍ مع صديقةٍ سوداء، فأرسلت لي برسالة على الموبايل تقول بأنها تنتظرني في مقهى كذا، المعروف بدعمه المالي لإسرائيل. فذهبت أبحث عنها في الطابق الثاني. ووجدت فتياتٍ عربياتٍ يملأن المكان. وبما أني لا أحب المواعظ ولا من يعطيها، إلا أنني قررت الحديث مع واحدة منهن لأكتشف إن كن يعرفن بهذا الأمر. وبما أني أؤمن أن أي قليلٍ نستطيع أن نفعله لا بد أن نفعله لأننا نؤثر ونتأثر. فجربت مع واحدة منهن وسألتها إن كانت تعرف أن هذا المقهى يعطي نسبة من أرباحه لإسرائيل. فردت أن: "أنظري حواليك، لست العربية ولا المسلمة الوحيدة هنا." فقلت لها: "حاولي على الأقل أن تفكري في الموضوع، إن تناول فنجان قهوة في مقهى صغير يملكه شخص يعيل عائلة أشرف بكثيرٍ من ارتياد مقاهي الشركات العالمية التي تحصد أرباحًا طائلة مشبوهة. " وتركتها تتمعن في الموضوع. ثم نزلت إلى الطابق الأول، فوجدت صديقتي السوداء في الطابور لشراء قهوة وسألتني: "ماذا ستشربين". فأجبتها: "لا شيء، لا تأبهي لي، إشتري قهوتك". فسألتني: " ما الأمر"، فرددت بأني أقاطع هذا المكان لدعمه إسرائيل. فمسكتني من يدي، وقالت: "لنخرج من هنا".

وقد طلب مني أحد الأصدقاء بأن أشتري له حاجياتٍ من متجرٍ يدعم إسرائيل، فتلكأت لكنه ألح علي، فصرحت له بمقاطعتي للمتجر. ورغم عدم معرفته بالأمر، إلا أنه ظل يتذكر نوعٌ مخصص من الحلوى لا يباع إلا في هذا المتجر وهو مدمنٌ على هذه الحلويات ولا يستطيع الإستغناء عنها. فرددت عليه بالقول: " خلاص، أقتل طفل فلسطيني بلاش عشرة. " وهو فهمها بأنها تعني : "إشتري الحلويات هذه ولا شيء آخر." إننا لا نضحي كثيرًا حين نغير السوبرماكت والمتجر والسلع التي تعودنا عليها. هناك بدائل أكثر أخلاقية دائمًا ومتوفرة خصوصًا في الغرب، أنا أؤمن بالفعل الصغير، الذي يمكن أن يصبح ممارسة يومية قبل أن يتحول إلى مبدأ أخلاقي لا نستطيع أن نحيد عنه. وأتفاخر بالصناعات الوطنية وأشجعها وأدعمها. وكم من مرة تباهيت بملابس لا أشتريها فقط من باريس ولندن ولكن من الصناعات العربية، التي أعطيها الأولوية، كنوعٍ من تعزيز الإيمان بالذات. ومن باب المعارضة المدنية السلمية، آخذ قراري الشخصي بمقاطعة إسرائيل قدر ما استطعت. ربما لن أؤثر أنا وحدي على أي شيء، لكني على الأقل أخذت موقفًا من الأشياء. ربما لا أستطيع فعل الكثير لفلسطين، لكن هذا هو القليل الذي أستطيع أن أقدمه بشكلٍ يومي وثابت. ربما تكون هذه المساهمة بمثابة قطرة الماء التي تحفر في الصخر يومًا بعد يومٍ.

وأحاول بشكلٍ عام أن أشتري من الكادحين، الذين يقفون طوال النهار، يكسبون من عرق جبينهم بدلاً من أن أشتري من المحال الكبرى المشبوهة التي أضيع فيها أصلاً. معًا نستطيع أن نغير، لكن هذا يتطلب وقفة مبدئية أخلاقية. دعونا لا نتفزلك ونتفلسف، الأمور بسيطة. الواحد يبدأ بنفسه، بعض الأشخاص قد يتعلمون عن تصرفاتك وقد يطلبون منك تفسير أسباب مقاطعتك إسرائيل. هذه المعادلة الصغيرة السهلة هي التي ستطرح أفكارًا جديدة عند الآخرين حتى لو لم يتضامنوا مع الفلسطيين، لكن نحن نزرع بذرة، قد تنمو وتكبر وتزهر إما الآن أو فيما بعد. وقد تموت! إن مواقفكم الأولية المبدئية والأخلاقية هي الأهم. بدعمكم إقتصاد إسرائيل، أنتم تساهمون في جرائم بشعة ضد الفلسطينيين، وستكون ضمائركم ملطخة بالدم الفلسطيني. لذلك حلوا عنا! وبالفلسطيني المشبرح كمان!

وحينما كنت في وادي الملوك في مصر قبل عدة سنوات، فوجئت برجلٍ مصري يصرخ من بعيد: "عملوها الفلسطينيين أولاد الكلب " قاصدًا أحداث سيناء. ولأول مرة أكتشف أن مصر المحبة لفلسطين، كما يُرينا ذلك الإعلام المصري، لربما تكذب علينا، كما يكذب علينا كثيرون، يبتسمون في وجوهنا، يقولون أنهم يحبون فلسطين والفلسطينيين فيما هم يطعنونا من الخلف ومن الأمام، لأن الناس ما عادت تستحي. فحلوا عنا بالفعل. والأوروبيون ليسوا بأحسن حالاً من أشقاءنا العرب، فهم يعرفون قصة فلسطين جيدًا، لكنهم يتظاهرون بالغباء ويتذرعون بأنهم لا يعرفون شيئًا أو لا يفهمون الأوضاع وغالبيتهم تؤيد إسرائيل حتى ولو لم يعلنوا ذلك ولا ننسى أنهم أول من باعونا في المزاد العلني من أصله! ولذلك أنا لا أؤمن بمسألة التضامن مع الفلسطينيين، بمعنى من يريد أن يتضامن مع الفلسطينيين، فعليه أن يفعل ذلك لأنه مؤمن بذلك من داخله، وأهلاً وسهلاً، لكن علينا أن لا نبعث كروت دعوة للتضامن معنا. كل ما نحتاج إليه هو أن نتضامن مع أنفسنا وأن يحل عنا مصاصي الدم! ولنقل بصوتٍ واحد ولترددوا معي: "نحن نقاطع إسرائيل، واللي مش عاجبه، يحل عنا!"








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بلينكن مصمم على التوصل لاتفاق لوقف إطلاق النار بين حماس وإسر


.. شبح الحرب يخيم على جبهة لبنان| #الظهيرة




.. ماهي وضعية النوم الخاصة بك؟| #الصباح


.. غارات إسرائيلية تستهدف كفركلا وميس الجبل جنوب لبنان| #الظهير




.. إسرائيل منعت أكثر من 225 ألف عامل فلسطيني من الوصول لأماكن ع