الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العنصرية الدينية والتطرف يهزما الحب في -شوق الدراويش-

حامد المسلمي

2016 / 8 / 18
الادب والفن


علي هامش تاريخ السودان استعرض الكاتب السوداني المتميز حمّور زيادة في تحفته الفنية رواية "شوق الدراويش" كيف انهزم الحب أمام العنصرية، حيث كان البيض (من أهل الشمال الأوروبيين المسيحيين) ينظرون إلي السود (من أهل الجنوب السودانيين المسلمين) بنظرة عنصرية، وأن الله قد جعل ذرية حام عبيداً وخدماً لأخوته، وأنهم خراف الرب وواجب علي البيض المسيحيين هدايتهم، وكذلك يرون بأن رائحة السود نتنه، ولا يجوز للراعي أن يحب الرعية (حب الزواج) ولكن عليهم أن يحبوهم ويهدوهم لكي يحبهم الرب ويرضي عنهم، وفي نظرة عنصرية مضادة يري السود أن البيض لحومهم مسلوخه ومشوهه ورائحتهم كنحاس صدئه، وأنهم مجانين وضالون وعلي المسلمون هدايتهم وإلا سيدخلون النار، وكلاهما لا يحب ممارسة الجنس مع الأخر.
في هذا الإطار كان بخيت منديل (العبد الأسود المسلم الأصولي) يحب ثيودورا (الفتاة البيضاء الأوروبية المسيحية الأصولية) وكانت تحبه، ورغم أن بخيت قبلها رغم عنصريته وأرائه، فحبه لها كان أكبر من أي شئ، وهي لم تقبله ولم تدرك الحب حقاً إلا بعد فوات الآوان.
كما كان للتطرف الديني (والأساطير الدينية) أن تهزم الحب عند الحسن الجيرفاوي الذي ترك زوجته فاطمة، ليخرج لنصرة الثورة المهدية، ولم يتمني سوي النصر أو الشهادة، وكانت السبيل لنصرة الثورة مزيداً من الدماء للمخالفين للثورة سياسياً أو دينياً، ومع الدماء تضيع المحبة وتتوه الروح، ليجد الحسن أن الثورة قتلت الصوفيين وغيرهم من المسلمين واستلبت أموالهم، وبعدما خمدت جذوة الثورة قليلاً، تكالب الناس علي الدنيا ولم يقيموا دنيا ولا دين، والخليفة يريد تنصيب أبنه وريث للخلافة في مخالفة صريحة للنبوءة وللمهدي، ولم يكن الدين إلا وسيلة لحشد الأنصار للوصول إلي السلطة والثروة، فلم يحذر الحسن الجيرفاوي من "أن الإيمان بعضه مُهلِك كالكُفر".
وقد استعرض الكاتب حقبة مهمة من تاريخ السودان عانت فيها من حكم الاحتلال التركي المصري، وخاصة الأتراك الذين جَسَموا علي صدور المصريين والسودانيين علي السواء، وقد استعرض ما تفعله الثورات الأصولية الدينية بشكل عام والإسلامية بشكل خاص، وكيف مزقت أوصال الشعب الواحد وفتحت شلالات دماء لا تنضب، وفجرت صراعات دينية لا تنتهي، وكيف يتحول القتل إلي مهمة مقدسة يظن فاعلها أنه مأجور عليها بحسن الثواب.
وقد ضرب الكاتب المثل بشخصية الخادمة "فضل العزيز" وأن التعصب بعضه يحرق بعض، فقد كانت فضل العزيز خادمة لدي الإرسالية الكنسية في الخرطوم، وكانت رغم حبها لثيودورا إلا أنها تتمني لو ينتصر المهدي ويفتح الخرطوم ويقتل الكفار (ومن بينهم ثيودورا)، فلم يكن من الفاتحين إلا قتل فضل العزيز في مستهل فتحهم للكنيسة.
وفي النهاية وجب أن أشكر الكاتب حمّور زيادة علي هذه الرواية الرائعة التي أخذتنا إلي عالم السودان في أواخر القرن التاسع عشر ليرينا جذور الصراعات والعنصرية والعنصرية المضادة بين السود والبيض، وكيف قتلت العنصرية والتطرف والأصولية للحب والتعايش بين البشر، والتي لازالت تلقي بظلالها علي سودان اليوم بشماله وجنوبه، وكأنه بعرضه للأسباب التي قتلت الحب قد قدم روشته للتعايش والحب بتجنب الأسباب التي قتلته من عنصرية وتطرف.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رحيل الممثل البريطاني برنارد هيل عن عمر 79 عاماً


.. فيلم السرب يتخطى 8 ملايين جنيه في شباك التذاكر خلال 4 أيام ع




.. الفنان محمد عبده يكشف عبر برنامج -تفاعلكم- أنه يتلقى الكيماو


.. حوار من المسافة صفر | الفنان نداء ابو مراد | 2024-05-05




.. الشاعر كامل فرحان: الدين هو نفسه الشعر