الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عراق نوري السعيد - ج 1

وليد يوسف عطو

2016 / 8 / 20
مواضيع وابحاث سياسية


هذه سلسلة مقالات مختارة من كتاب ( عراق نوري السعيد: انطباعاتي عن نوري السعيد بين سنة 1954 – 1958)وهي مذكرات سفير الولايات المتحدة في العراق فالديمار غالمان – دراسة وتحقيق :ا.د سيار الجميل – ط 1 – 1965 – الطبعة الاولى المحققة :2015 –الناشر: دار ميزوبوتاميا للاعلامي والباحث مازن لطيف –بغداد – شارع المتنبي .

يؤكد ا. د سيار الجميل في تقديمه للكتاب انه ( ربما كان الصراع البريطاني الامريكي وراء اقتلاع النظام الملكي في العراق عن جذوره!
ويتساءل البروفيسور سيار الجميل ( هل يعقل ان يكون السفير غالمان في بغداد ليلة 14 تموز 1958 وتمر القطعات العسكرية قادمة من معسكر في شرق العاصمة لكي تقلب نظام الحكم في فجر ذلك اليوم من دون ان يعلم السفير الامريكي وطاقمه ماالذي كان يجري ؟).

يؤكد السفير غالمان ان نوري السعيد قد مثل دورا شخصيا في تحقيق الاتحاد العربي بين العراق والاردن .ولكنه لم يكن اتحادا عراقيا – سوريا كما تخيل حدوثه في كتابه الازرق , بل اتحادا عراقيا -اردنيا . ولد بصياغة تاريخية سياسية سريعة ليوازن وحدة مصر وسوريا التي سبقته بايام .ان مشروع الاتحاد العربي قد تم التداول فيه قبل انبثاق الوحدة المصرية السورية بزمن طويل . بالرغم من تخرج نوري السعيد من المؤسسة العسكرية العثمانية , الا انه كان مؤمنا بتحديث المجتمع العراقي وحرصه على توفير التعليم المتميز والصحة للناس . كان نوري السعيد سياسيا داهية له طرقه في اقتناص الفرص .

لايدعي السفير الامريكي بان حكم نوري السعيد كان مثاليا , ولكنه كان الافضل بين حكام العراق في القرن العشرين .باستثناء الملك فيصل الاول الاب الروحي والمؤسس الحقيقي للدولة في العراق .لقد كان نوري السعيد , بحسب مذكرات السفير الامريكي , كريما غاية الكرم على اصدقائه وعلى نفسه وحتى على من ياتيه ساخطا وناقما من معيشته , ولكنه بخيل جدا ومقتر كثيرا في التصرف باموال البلاد.ولا يصرفها الا في مكانها الحقيقي.
يؤكد البروفيسور سيار الجميل ان الدولة العراقية بدات استثماراتها من الاموال في مشاريع البنى التحتية ببناء السدود لمنع الفيضانات ولزيادة الري وشبكاته .وتنفيذ خطط مجلس الاعمار في توسيع القاعدة الصناعية مع ثورة الري من اجل استصلاح الاراضي وبدء ثورة زراعية متبعة نفس الخطط التي حصلت في كاليفورنيا الامريكية .

ولتوسيع ميناء البصرة ليستوعب حجم اكبرمن السفن ولتوسيع مطار بغداد وبناء المعاهد والجامعات والمستشفيات .ولقد رصد مجلس الاعمار في العراق 75%من الميزانية خلال فترة الخمسينات . لكن اطاح بهذا المشروع النهضوي التنموي العملاق الانقلاب العسكري الدموي في 14 تموز 1958 والذي سار بالعراق نحو اتجاه آخر .لقد كان نوري السعيد ظاهرة عراقية وعربية ودوليةغير مسبوقة وغير عادية .لقد شهد العراق على يديه بناء العراق المعاصر الحديث بمؤسساته .كان يؤمن بالوحدة والقومية العربية , ولكن من خلال رؤية واقعية .

كان نوري باشا السعيد واحدا من رجالات الرعيل الاول الذين ساهموا في تاسيس النظام السياسي في المشرق العربي برمته .وكان نوري السعيد وراء عدة مشروعات ستراتيجية بعضها نجح وبعضها الاخر فشل .وكان من ابرزها مشروع الاتحاد العربي والذي تحول فيما بعد الى مشروع الجامعة العربية .ومنها كتابه الازرق الذي يعلن فيه عن مستقبل وحدة الهلال الخصيب او سوريا الكبرى .

لقد اقترح نوري السعيد مبادرة في نهايةعام 1942 تبنى فيه قيام اتحاد كونفدرالي عربي يؤمن العرب فيها استقلالهم واقترح ان تصدر الامم المتحدة بعد انتهاء الحرب اعلانا بتوحيد سوريا ولبنان وفلسطين وشرق الاردن فيما عرف لاحقا باسم ( سوريا الكبرى).ويطرح المشروع قيام اتحاد كونفدرالي موسع يوحد كل من سوريا والعراق .وينظم من يريد الالتحاق به من البلدان العربية . ويتاسس مجلس لهذا الاتحاد لكي يكون مسؤولا عن شؤون الدفاع والعلاقات الخارجية والنقد والجمارك .

وتضمن مشروع نوري السعيد منح اليهود شكلا من اشكال الحكم الذاتي تحت اشراف الدولة السورية الكبرى.وان يمنح موارنة لبنان نظاما خاصا مثل الذي تمتعوا به في ظل الدولةالعثمانية .لقد جوبه مشروع نوري السعيد برفض كلا من مصر والسعودية.

كان صديقا للانكليز ولكن كان يعاملهم معاملة الند للند . وكانت صداقته هي نقطة ضعفه في السياسة الداخلية والخارجية .كانت له ادوار في عقد الاحلاف والمواثيق لذا اعتبرته اغلبية الناس عميلا وخائنا .خصوصا في منشورات السياسيين الراديكاليين والانقلابيين والقوميين والاسلاميين العرب.

لكن وجد البروفيسور سيار الجميل اليوم ان العراقيين يترحمون على زمن نوري السعيد.( ولكني وجدت اليوم البعض من خصومه واندائه يترحمون عليه.صحيح انهم يقولون بان الباشا لم يكن متكلما بارعا متضلعا ولا زعيما كاريزميا ساطعا . الا ان له فلسفته النوعية في الحكم وقدرته الفائقة في التعامل مع الاحداث ومع الاخرين .

وانه قد تميز بدهائه السياسي الذي ابقاه سنوات طويلة مهيمنا على السياسة العراقيةكما ونجح في عقد اكبر تحالفين دوليين اقليميين في الشرق الاوسط : ميثلق سعدآباد وميثاق بغداد .. الخ ).

النهاية البشعة للباشا نوري السعيد وسقوط النظام الملكي

يقول البروفيسور سيار الجميل في خاتمة مقدمته , ان انقلاب 14 تموز – يوليو 1958 حلقة اساسية في زمن الانقلابات العسكرية التي استمرت من 1949 حتى 1979 . صدرت الاوامر بارسال قطعات عسكرية الى الاردن . فتحرك اللواء 19 واللواء 20 في طريقهما عبر بغداد . وفي فجر 14 تموز 1958 توزعت القطعات بقيادة العقيد الركن عبدالسلام عارف على ثلاثة محاور :مبنى الاذاعة وقصر الرحاب الملكي وقصر نوري السعيد .

تكونت العائلة المالكة من الملك فيصل الثاني وخاله الامير عبد الاله ولي العهد وزوجة عبد الاله الاميرة هيام.والملكة الام نفيسة والدة عبد الاله وابنتها الاميرة عابدين والعديد من الخدم وطباخ القصر, فسقطوا جميعا بعد ان تم قتلهم باوامر كانت قد اتخذت من قبل زعيمي الانقلاب .

ولقد سحبت الاميرة هيام من بينهم وانقذت من موت محقق.دخلت الجثث الى مستشفى الرشيد العسكري ثم اخذت الى مثواها الاخير باستثناء جثة عبد الاله التي سحبت من قبل الغوغاء وقاموا بسحلها في الشوارع وقاموا بتقطيعها . وعلقت الاشلاء عند بوابة وزارة الدفاع .. وتم نهب قصر الرحاب . لقد قتل العديد من العراقيين والاردنيين الابرياء والاجانب لمجرد وجودهم في بغداد وضربوا حتى الموت وسحلوا وتم التنكيل باجسادهم .

اما نوري السعيد فهرب بملابس النوم وقد اخفى مسدسه معه وبواسطة احد الزوارق وصل الى دار البصام ومنه الى دار الاستربادي في الكاظمية . ثم انتقل الى البتاويين بحثا عن صديقه محمدالعريبي لكن الناس اكتشفت وجوده وقد تخفى تحت عباءة نسائية برفقة زوجة الاستربادي .ولما احاط به الناس اطلق النار على نفسه بحسب رواية زوجة ابنه صباح عصمت السعيد .ولما وصلت القوة العسكريةاطلقت النار عليه مجددا وعلى زوجة الاستربادي ونقلت جثته الى قبو وزارة الدفاع وقد نهب داره واحرق . وبعد ان عاين الضباط جثة نوري السعيد تم دفنها في نفس اليوم .

لكن قسم من الغوغاء استخرجوا جثته وسحلوها في شوارع بغداد ثم تم احراقها وتقطيعها ولم يبقى منها اثرا في منظر سيذكره التاريخ يذكرنا بهولاكو وتدميره لبغداد .
استنتاجات اخيرة :

انقلاب ام ثورة ؟

لايمكن وصف الاحداث في 14تموز 1958 بالثورة لان المؤسسة العسكرية غير مستعدة لتسليم السلطة الى المدنيين وعودة الحياة الدستورية والبرلمانية . فليس في العالم العربي سوى عبد الرحمن سوار الذهب فقط .لقد الغى عبد الكريم قاسم الدستور الدائم للبلاد( القانون الاساس ) واوقف العمل بالبرلمان ولم يتم تشريع قانون للاحزاب السياسية واجازتها ولم يتم الغاء المليشيات وقام قاسم بالدمج بين السلطات الثلاث وبدلا من تقديم رجالات العهد الملكي الى محكمة جنائية مدنية تم تقديمهم الى محكمة عسكرية خاصة . لقد بقيت العلاقات الاقتصادية تقوم على قوانين السوق الراسمالية والعلاقات شبه الاقطاعية.
لقد كان نوري السعيد والعائلة المالكة ضحية للصراع الامريكي البريطاني حول تقاسم النفوذ في الشرق الاوسط .

لقد كان لبريطانبيا قاعدتين عسكريتين في العراق احداهما في الشعيبة في البصرة والاخرى في الحبانية قرب بغداد .لم تتحرك القطعات البريطانية للقضاء على الانقلابيين رغم ان العراق عضو مؤسس في حلف بغداد والذي يضم بريطانيا وباكستان وايران وتركيا .ولم تتدخل حكومة الاردن لاسقاط الانقلابيين . لقد تم سقوط قصر الرحاب بقوة سرية مشاة تقدر بستين جندي مسلحين ببنادق خفيفة .لم تقم القوة المكلفة بحمايةقصر الرحاب بالدفاع عن العائلة المالكة رغم امتلاكها للدبابات والمدرعات ويبدو ان الاوامر صدرت اليها من الامير عبد الاله بعدم التعرض للانقلابيين .كما ان عبد الكريم قاسم ذهب الى لندن قبل الانقلاب وغاب عن العودة الى بغداد لمدة شهر وقام رئيس اركان الجيش العراقي غازي الداغستاني باصدارعفو خاص وتسوية فترة غيابات عبد الكريم قاسم ويبدو ان قاسم استلم التعليمات الاخيرة بخصوص الانقلاب وتم التباحث حول مصير العائلة المالكة هل يتم تسفيرها خارج العراق ام تقديمهم الى المحاكم او تصفيتهم جميعا وابادتهم.

لم يفسح نوري السعيد ولا عبد الاله المجال لاصحاب الشهادات الحديثة لشغل منصب رئيس الوزراء لان تغيير الوجوه بات مهمة مستعجلة ولم يقوم عبد الاله بطلب احالته الى التقاعد ولم يعطى الملك فيصل الثاني الفرصة للحكم بمفرده . ان الغليان الشعبي الداخلي ضد الحكم الملكي لم يلاحظه نوري السعيد ولا عبد الاله ولا الملك.ولم يدرسوا المتغيرات السياسية والاحتماعية .

لقد خرج الاتحاد السوفييتي منتصرا من الحرب العالمية الثانية وتشكلت الدول الاشتراكية وظهرت قوة الاحزاب الشيوعية ولم يلاحظ الطاقم الحاكم في العراق الملكي هذه المتغيرات .
في الختام اظهر نوري السعيد حدسا كبيرا في التنبؤء بمستقبل العراق كما ورد في وصيته :
( والان انني ارى كوارث مقبلةفي الافق البعيد .فهي ان حلت عن طريق الياس فلابد ان يتجدد سعيرها الملتهب على ايدي شيوعيين او ارهابيين في المستقبل القريب , ويقيني ان اخمادها حين ذاك لن يكون هينا باي حال من الاحوال )..

يتبع ..













التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. خبراء عسكريون أميركيون: ضغوط واشنطن ضد هجوم إسرائيلي واسع بر


.. غزة رمز العزة.. وقفات ليلية تضامنا مع غزة في فاس بالمغرب




.. مسيرة إسرائيلية تستهدف سيارة مدنية شمال غرب مدينة رفح جنوب ق


.. مدير مكتب الجزيرة في فلسطين يرصد تطورات المعارك في قطاع غزة




.. بايدن يصف ترمب بـ -الخاسر-