الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سورية بين دولة العدالة و سراب الدولة

خالد قنوت

2016 / 8 / 21
مواضيع وابحاث سياسية


لا يمكن لأحد أن يحاسب العالم على صمته تجاه جرائم تحصل كل يوم بحق شعوب تذوق الويلات من نظم استبدادية أو من مستعمرين او مافيات أو تنظيمات ارهابية طوال فترات زمنية طويلة صارت صور القتل و الموت فيها خبر عادي جداً يتفوق عليه خبر وقوع قطة او كلب في مستنقع و توظيف فريق كامل لانقاذ ذاك الحيوان.
الجريمة الانسانية التي تحصل في سورية هي جريمة متعددة الاسباب و التدخلات منها الاقليمي ومنها الدولي بطواقم مخابراتية لم يشهد لها التاريخ من تعقيد و اختراقات و تداخلات, حتى خرج الصراع كلياً من ايدي اصحاب الارض و اصحاب المصلحة الاساسية في التغيير الذي طالبت بها اجيال من شهداء ثورة سورية الشعبية لتحقيق دولة الحق و القانون و بناء دولة المواطنة و الحرية و العدالة لكل السوريين.
لا يغبيب عن ذهن عاقل أن جميع تلك القوى الدولية لها المصلحة في ابقاء الوضع على ما هو عليه حتى تتوفر شروط موضوعية لضمان مصالحها في سورية و في المنطقة لذلك تتفق تلك القوى على بقاء رأس النظام السوري بشخصه كحالة شرعية لاستمرار الصراع الدامي الى نهايات تفرضها الحرب و تفرضها المصالح و يدفع ثمنها السوريون جميعاً في وطن صار مرتع للصراعات الدولية و الدينية و الطائفية و المخابراتية و لمصالح تجار الحروب الموت و التطرف.
كسوريين متضررين من هذا الصراع, لم و لن يمكن لنا ان نحاكم العالم و ان نحاسبه لأنه عالم المصالح و التوازنات الدولة و قرارات القوى العظمى, لكن في ناحية اخرى يمكننا, و لو بعد مثة سنة, أن نحاكم من تسبب بهذه الكارثة الوطنية و أن نتمسك بتطبيق اقصى العقوبات بحق كل القتلة و المجرمين و تجار الموت في سورية, من سوريين و غير سوريين, شاركوا بهذا الموت المجاني و بتكريس اوضاع الحصار و التجويع و الارهاب و الاقصاء.
من اهم الممارسات السياسة الدولية هي تدوير الزوايا لتحقيق اختراقات و تحالفات و تنازلات للقوى القائمة على الارض و هي بالنهاية لا تضمن للقوى الضعيفة و المهمشة اي دور و اي زاوية للمناورة او الاستفادة باضيق حدودها.
الشعب السوري اليوم, هو اكثر القوى الضعيفة و المهمشة في لعبة الصراع الدولي على سورية لذلك سيكون الاكثر تضرراً من أي اتفاقات دولية تقوم بها الدول المنخرطة بالصراع على الارض السورية بأيدي سوريين بالاجمال و بوجود مقاتلين غير سوريين بين اطراف الصراع.
كل القوى العسكرية المتقاتلة اليوم, بأكثريتها, هي اليوم ادوات هذا الصراع فلم يعد هناك شيء اسمه الجيش السوري و لم يعد هناك, عملياً, شيء اسمه الجيش الحر (إلا بعض التشكيلات المتواضعة القوة و بعض التشكيلات العسكرية التي ترفع راية الثورة تحت ضغط حالة الحرب على الارهاب) و لم يعد هناك شيء اسمه الجبهة الجنوبية (التي كانت املنا الاخير في قيام حالة عسكرية وطنية), ناهيك عن جيوش ليس لها من شكل أو هدف سوى الحالة الاسلامية الخالصة التي تتجاوز فكرة الدولة السورية الوطنية و لا تؤمن بأهداف الثورة الشعبية السورية بالاساس, مع كل القناعة الكاملة بدور العامل الديني الاسلامي الايجابي في تاريخ سورية منذ قيام الدولة السورية في تحقيق الاستقلال و في الدفاع عن حدود الوطن خلال حروب ال48 و ال67 و 73 و ال82 حتى تحت راية النظام الأسدي المصنف علمانياً.
مصالح الدول لا تتعاطى مع المستحيلات و كما كانت مصالح روسيا تتعارض مع مصالح الولايات المتحدة الامريكية البارحة فهي ستتفق في زمان ما و مكان ما, على تقاسم المكاسب لذلك فإنه و بنفس القدر من التحليل يمكن ان نرى الانعطاف التركي الاردوغاني بعد محاولة الانقلاب العسكري الفاشلة تجاه روسيا و اسرائيل و ايران و قريباً لنظام بشار الاسد المتداعي و ستجد كل المبررات لتبرير هذا التقارب و حتى التحالف من اجل مصالحها في محاربة الارهاب القاعدي و الكردي القومجي المتطرفين. بالنتيجة سنكون نحن السوريين من سيدفع ثمن هذا التقارب في فترة الانتخابات و الانتقال الرئاسي الامريكي المتعطل بحمى الانتخابات. خاصة بوجود شخصية اشكالية للمرشح ترامب و انشغال الامريكيين و العالم به مع كل الاقرار بأن الولايات المتحدة الامريكية باتت منخرطة بالحالة السورية ليس سياسياً و حسب بل عسكرياً بوجود قاعدة جوية قرب الرميلان و بوجود تحالف مع الاكراد الطامحين لدولة كردية على شمال شرق سورية و لو تحالفوا مع الشيطان.
السوريون, مدعوون اليوم و ليس غداً و هنا أتحدث عن السوريين الذين ينظرون لسورية وطناً لهم و لابنائهم و يؤمنون بأن وجود سورية و مستقبلها يعني وجودهم و مستقبلهم و بأن سورية لا يمكن أن تكون بدون كامل فئاتها الاثنية و الدينية و الطائفية و المذهبية و بحرية الانتماء و العقيدة و التفكير لكل سوري و كل سورية و على كامل ترابها الوطني تحت ظل دولة المواطنة و الحرية و الحق و العدل, هؤلاء السوريين مدعوون اليوم و لو بحدود الممكن أن يتمسكوا بحقهم الوطني بمحاسبة و محاكمة كل من اوصلنا لهذا الوضع المأساوي الوطني و باصرارنا على عدم القبول باي مهادنة في تحقيق العدالة الوطنية بحقهم لأن الوطن الذي يقبل بالتسامح او العفو على كل ما ساهم بالقتل و الخطف و الحصار و التجويع و التهجير لأي سوري أو سورية إنما يبني مشروع دولة من سراب و وطن من ملح كما هو حال الجوار الفاقد لاي اسس قيام الدولة بل هي عصابات متطرفة و عصبوية و مافيوية ترتدي بدلات رسمية باسم مؤسسات دولة كالعراق و لبنان و غيرها.
ربما هو حلم و لكن الانجازات العظيمة دائماً تبدأ بحلم و كما كانت الثورة الشعبية حلماً وطنياً سورياً لكنها تحولت لعمل عظيم لن تمحوه السنين من الذاكرة الوطنية حتى و إن سحقت الثورة نهائياً تحت اقدام الغزاة و الخونة و الارهاب المتطرف. إن اصرارنا اليوم و غداً على تقديم بشار الأسد و كامل فريقه في الدولة الاسدية من اجهزة امن و جيش و اعلام و اقتصاد للمحاكمات الوطنية العادلة هو بناء لسورية و لمستقبل سورية و بنفس القدر اصرارنا على محاكمة كل القوى السياسية, المعارضة و الموالية, التي تآمرت على الثورة و حتى على سورية و ساهمت بمنع قيام بدائل سياسية و عسكرية و اقتصادية وطنية للنظام المجرم لوصول تلك القوى لحالة توريث للسلطة باي ثمن أو للحصول على اجزاء من سورية لبناء كياناتها الخاصة الدينية او الطائفية او الاثنية أو لاكتساب الثروات على حساب حياة السوريين و أمنهم.
لن تقوم سورية جديدة و حقيقية بدون عدالة و بدون استئصال اسباب و مسببي الكارثة الوطنية السورية و بدون تحرك الضمير الوطني السوري من منطلقات الثورة الشعبية الاولية من جديد و بتحالف سياسي - اقتصادي - عسكري وطني حقيقي ينشد تحرير كامل الوطن و يسعى لبناء دولة القانون و العدالة و وضع اسس تحقيق مشروعها الديمقراطي الطويل الامد.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عمليات بحث تحت الأنقاض وسط دمار بمربع سكني بمخيم النصيرات في


.. مظاهرات في تل أبيب تطالب بإسقاط حكومة نتنياهو وإعادة المحتجز




.. رغم المضايقات والترهيب.. حراك طلابي متصاعد في الجامعات الأمر


.. 10 شهداء في قصف إسرائيلي استهدف منزلا في حي النصر شمال مدينة




.. حزب الله يعلن قصف مستوطنات إسرائيلية بعشرات صواريخ الكاتيوشا