الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ڤان ليو …. صائد الجميلات والفرسان

فاطمة ناعوت

2016 / 8 / 22
بوابة التمدن


قيل إنه سوف يصعد إلى القمر، وسوف يتزوج من نجمة مشهورة، لم يحددوا اسمها أبدًا. لكنه عاش وحيدًا دون زواج، وهل يحتاج إلى زوجة من عاش وسط وجوه جميلات العالم في معمله؟! لكن المصور العظيم الذي "رسم" هذه الصورة الخالدة سيظل حزينًا مدى عمره لأن الوسيم الأعمى لن يرى تلك الصورة الفاتنة أبدًا.
---


وأنا طفلة، كنت أرى هذه الحروف من حولي في كل ركن من أركان البيت. Van Leo. مكتوبة بطريقة رشيقة كتوقيع فنّان يجيد الرسم بالقلم وتطويع الخطوط بالفرشاة. كانت تلك الحروف الستّة معلّقة في إطارات خشبية أنيقة تنتثرُ على جدران البيت. في كل إطار كنت ألمح وجه أمي، ووجه أبي، يتماوجان تحت طبقات الظلال ودرجات الرمادي التي تتأرجح بين الأبيض والأسود.
وحين شبَّ وعيي وسرقني عالمُ القراءة الرغد، دخلتُ مغارة الكنوز المُسمّاة: “طه حسين". وقعتُ في غرامه من فوري؛ وبدأتُ أتتبع صورَه الفوتوغرافية لأجمعها، شأن العاشقة التي تطارد صور حبيبها، لتأنس بها في وحدتها وتأتنس بوجهه في لحظات نجواها. ومن بين تلك الصور، أحببتُ أكثر صورة يظهر فيها وجهه مشطورًا، بومضات الضوء، إلى شطرين. شطرُ وجهه الأيسر مشرقٌ بأشعة النور، فيما يغرقُ شطرُه الأيمن تحت كثيف الظلال. في ركن تلك الصورة السفلي الأيمن، لمحت الحروف الستة ذاتها، التي تطارد عيني في أركان بيتي، فعرفتُ أن هناك رابطًا أبديًّا يربطني بذلك العملاق طه حسين، لأن التوقيع الذي يظهر على صورته، هو ذات التوقيع الذي يظهر على كل صور أمي في فستان زفافها في ألبوم صور العائلة، وفوق جدران بيتنا القديم. لكن المصور العظيم الذي "رسم" هذه الصورة الخالدة سيظل حزينًا مدى عمره لأن الوسيم الأعمى لن يرى تلك الصورة الفاتنة أبدًا.
كلُّ من عاش فترة الستينيات وما قبلها في مصر، من الطبقة البرجوازية وما علاها، يعرف هذا الأستوديو الثريّ بشارع فؤاد بوسط القاهرة الذي افتتح عام 1947. يعرفون ذاك الفنان البوهيميّ الأرمنيّ المصري الموهوب الذي أبدع باللونين الأسود والأبيض وما بينهما من ملايين الدرجات الرمادية ليرسم تابلوهاته بعدسته السحرية وعينه الباحثة عن الجمال، فهو لابد واجدُه. أقول "يرسم" ولا أقول "يُصور" لأن الفوتوغرافيا التي تخرج من معمله بعدما تلتقطها عدستُه، من الظلم أن نسميها "صورًا فوتوغرافية"، بينما تبدو كأنما هي لوحات مرسومة بقلم الفحم الأسود، الذي يخبئ السحر بين خلايا كربونه.
ولد في تركيا، وعاش في الزقازيق المصرية، قبل أن تنتقل أسرته إلى القاهرة. ذهب إلى المدرسة الإنجليزية ثم كولاج دو لاسال، ثم الجامعة الأمريكية، لكنه لم يُكمل شهادته، عدا أنه أصبح أشهر وأنجح من زملائه الذين حصدوا الدرجات العلمية. اقتربت تقنية تصويره من السوريالية، فكان بومضات النور والظلال يطوّع ريشة عدسته لتفارق الواقع بحثًا عن اللا معقول. قيل إنه سوف يصعد إلى القمر، وسوف يتزوج من نجمة مشهورة، لم يحددوا اسمها أبدًا. لكنه عاش وحيدًا دون زواج، وهل يحتاج إلى زوجة من عاش وسط وجوه جميلات العالم في معمله؟! صادق رشدي أباظه الذي كان يعمل في شركة بنفس بناية الأستوديو. وبفضل صورة التقطها لرشدي أباظه، دخل الأخير عالم السينما وصار مَن هو. لكنه، إلى جوار الجميلات والفنانين وأعلام الأدب، كان مولعًا بتصوير بورتريهات لجنود أوروبيين ونيوزيلاند وأستورال حاربوا في الحرب العالمية الثانية، كان يسامرهم على مقاهي شارع عماد الدين وهو يتفرّس ملامحهم ليلتقط مكامن الفروسية التي سوف تخلّدها عدسته.
شكرًا للجميلة علا سيف التي مدّتني بمعلومات عن المصوّر الفذ "ڤان ليو" لأكتب هذا المقال الذي لم يفِ بحقّه. وشكرًا لها لأنها الحارسة الأمينة على إرثه العظيم في مكتبة الجامعة الأمريكية بالقاهرة. وشكرًا لأنها تعدّ الآن كتابًا عن الفوتوغرافي الذي خلّد وجوه أسلافنا في لوحاته. ننتظر الكتاب بشغف، وللفنان الجميل الذي رحل عن عالمنا عام 2004 نقول: سلامٌ عليك.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. التوتر يشتد في الجامعات الأمريكية مع توسع حركة الطلاب المؤيد


.. ما هي شروط حماس للتخلي عن السلاح؟ • فرانس 24 / FRANCE 24




.. استمرار تظاهرات الطلاب المؤيدة للفلسطينيين في الجامعات الأمي


.. وفد مصري إلى إسرائيل.. ومقترحات تمهد لـ-هدنة غزة-




.. بايدن: أوقع قانون حزمة الأمن القومي التي تحمي أمريكا