الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دواة مائلة

أنوار الأنوار

2016 / 8 / 23
الادب والفن


الدّواة مائلة
1*
لم تكن مالحة، كانت سرًّا كثّف في القطرة قواميسَ الحياة، لتشرق الحقيقة جليةً: وحدها الحياة مقدسة، ووحده من خلع عباءةَ الماضي منه ملك سرّ السفر.
ستدرك كنهها حين تعتنق المستقبل، فلا تتعلق بأحدهم سوى كونه مجذافًا آخر يهَب ذاته لمركب سفرك نحو ذاتك القادمة. يأتي كلٌّ في أوانه كي يرحل في أوانه أيضًا. يمّحي المجذاف بسقوطه عند مدخل موجة فتعانق مجذافًا آخر سيسقط عند موجةٍ أخرى كي تستمرّ رحلتك المقدسة. وحين تصرخ : لستُ ابن الماضي ولا نتاج الغياب ستتفتح لك أبواب أناك الأرحب لتضيف: هو القادم أبي وابني، ألده ويلدني، أخلقه فيخلقني.
سترتشف الدمعة بشفتين تتفتّحان شوقًا الى النور مثلما فعلت مَن عانقت الأملَ كلما قتلوها، ترتشفها لا حزنًا ولا ألمًا بل شهوةً دافئةً تنهمر واقعا أصفى من الأحلام.
وحدهم أبناء المستقبل يستحقون الحياة، فاترك من سكنه الماضي واختار الغياب.
لم تكن مالحة. كانت أغنيةً حرة حرّة: في الدمعة تتجلى رجولة الرجال يا صغيري، وإذّاك وحسب تنبعث الأنوثة كاملةً لتشهد: إن الحياة تكامُلٌ فاكتمل بذاتك وبهما فيك لعلك تكون.
وإذ تتذوق سرّ الرحلة ستدرك كم من الملايين قضَوا رحلاتهم يسبحون على شاطئ من رملٍ وحصى سكنته أوساخ ما ألقت الأمواج دون أن يلامسوا الماء فغابوا في وهم الحضور.
لم تكن مالحة.. كانت دافئةً كالسكر واذ انسابت على وجنتيه صبّت في قلبي نهرًا يتدفق، فانبعثت من بريق النجمة المتلألئة قرآنًا يرتفع نحو السماء لا يهبط منها، لتلتمع الآية:
تصدُق العاشقة إذ تبتسم لمرأى زهور حبيبها في أواني الجميلات على شرفاتهنّ في الجزر الممتدة، فتهتف بعين أم حانية: من هنا عبَر، وهنا تخصّبت تربة إحداهن بعبيره. وحده من كان حرًّا بارك حرية المسافرين كي تتكاثر السفن، فتغدو المجاذيف ذكرى لا يشوبها الحنين إلا نحو القادم وحسب. حينها ستعترف بذاتك، ممنّيًا نفسك أنك قد عرفت الحياة.
***
2**
لم أكن كاتبة، ولم أسع لأن أكون. كانت الكتابة رديفَ الاحتراق، صوتَ قرقعة النيران التي لا يراها الآخرون. وحده من ذاق لهيبَ مجمرةٍ في صدره يدرك وجع أن يصفّق أحدهم لوهج احتراقك ظنًّا خائبًا أنك تضيء.
وحين انطفأ السعير واستحال رمادًا لم يعد للحرف من وجود. فهمتُ أن ما حسبته موهبةً لم يكن غير صرخةٍ موءودة من اختناق الكبح فيها.
في العقود التي بذلتُها كي أتحرر كانت تخاتلني صور كتاباتي القادمة. كنت أهذي بأنني يوم أنزع عني كلّ القيود سأكتب حروفًا محلّقة. لم أفعل. حطمتُ ما صبّوا حولي من جدران إسمنتية. تخلصتُ من الدين والوطن والقضايا والأيديولوجيا. نزعتُ عني أنوثتي وأعباءها. وهجرتُ حتى الله الذي سكنني طوال سنوات القهر،لأعتنقَ آخرَ لا يطالبني بالموت شرطًا ليمنحني الحياة. بيد أني إذ خلعت آخر الأصفاد فقدتُ حروفي.
تحولتُ إلى عصفورة. رأيتُني أعشق الغناء. حلمتُ بأن لصوتي عمقَ نبرات آندريا بوتشيلي حين تمتزج بعلوّ طبقات سارة برايت. ثمّ اكتشفت أن سنوات التحرر سرقت مني اللبَّ فصار صوتي أجوف. لا حرف يسكن فيه أو يحركه. وحده شقّ الأفق بشبق شهوة التحليق ظلّ صامدًا معي. قلتُ سأرسم في رقصات عناق السماء لوحاتٍ من الدهشة. سرعان ما خانتني الألوان وفرّت هاربة. كيف يرسم لوحةً من غدا بياضًا كاملا؟ لا يحلم بالسماء الحرّة إلا من أوجعته أسياخ القضبان. وأنا لم تعد توجعني منذ كسّرتها بأسناني قبل أن تستحيل منقارًا ضئيلا. فكرت لوهلة أن أصيرَ راقصة باليه، وبعد جهودٍ مميتة تجلّى لي الجذل: كي تنتصر في رقصةٍ لا بد من أرضية تسعى للتغلب عليها. لا يعرفها من حطّم الجاذبية وطار. علقتُ نفسي في السماء كنجمةٍ تتدلى. منقاري خارج الكون وريشاتي تهفّ على القمر مداعبة. لم أجد سوى حروف أربعة تتطاير من بين أجنحتي مع كل دوران : ح ر ي ة .. وكنت كثيرًا ما القي من الياء نقاطها فأراها تتمدد أو أُبدلها بالراء بعد تقويمها.. هي الحرية أن تحيا الحياة.
لم أكن كاتبة. لا رسامة ولا مغنية ولا راقصة. كنتُ كلهنّ كلما سعيت أن أحيا الحياة، وكنت لا شيء كلما حسبتُ وهمًا أنني بلغت.

أنوار الأنوار (سرحان) - الجليل








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وفاة زوجة الفنان أحمد عدوية


.. طارق الشناوي يحسم جدل عن أم كلثوم.. بشهادة عمه مأمون الشناوي




.. إزاي عبد الوهاب قدر يقنع أم كلثوم تغني بالطريقة اللي بتظهر ب


.. طارق الشناوي بيحكي أول أغنية تقولها أم كلثوم كلمات مش غنا ?




.. قصة غريبة عن أغنية أنساك لأم كلثوم.. لحنها محمد فوزي ولا بلي