الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التنمية والمعرفة .. ملازمة مُلِحّة

مصطفى المغراوي

2016 / 8 / 23
مواضيع وابحاث سياسية



لقد أصبحت تنمية الإنسان تنبني على أساس القدرة على الاختيار وعقلانية القرار، بشكل يدعم بناء مجتمع المعرفة، هذه المعرفة التي تتحول الى شرط رئيسي لتحقيق التنمية المنشودة عن طريق محاربة الجهل وتحرير الفكر، ليتمكن الفرد من تحقيق الإندماج في مجتمعه، معبرا عن صوته ورأيه بوصفه مواطنا ايجابيا، داخل مجال سياسي يضمن المساواة ويتيح الفرصة لتطوير سبل الإبداع والابتكار.
ولما عدنا بالذاكرة إلى الوراء لاحظنا إن المعرفة قديما لم تكن شرطا ضروريا للنهوض بالعملية الديمقراطية، خصوصا في المجتمعات التي عرفت سيادة نسبة كبيرة من الأمية، مقابل انتشار العلم والمعرفة بين النخب الارستقراطية، وجعلهما امتيازا لا تحظى به غالبية أفراد الشعب، لكن الواقع الآن في العصر الحالي أصبح غير ذلك تماما. فقد غدت كل الدول والمجتمعات ولاسيما المتقدمة منها، تتسابق إلى اكتساب المعرفة، بشكل جعل النفوذ الدولي يرتكز على امتلاك المعلومة، والحفاظ عليها ثم استغلالها وتوظيفها في الوقت المناسب، قصد التحكم في اقتصادات وسياسات دول العلم وخصوصا الفقيرة والنامية منها.
إن القرن الواحد والعشرين هو قرن التنمية المبنية على المعرفة بامتياز ودون شك ، مما يعني أن السلطة الاقتصادية لم تعد كما كان عليه الشأن في القرن الماضي، تقوم على اكتساب المعادن الثمينة والتسابق نحو امتلاكها، عن طريق غزو الأراضي واحتلال المستعمرات والتحكم في الآلة وغيرها، بل أصبحت السلطة تُكتسب بالقدرة على وضع برامج المعلوميات التي تحظى الآن بعناية كبيرة من قبل الدول المتقدمة، والتي تسعى جاهدة إلى الوصول إلى المعلومة الحصرية، عن طريق أجهزة التجسس الحديثة من اجل حماية نفسها من كل المخاطر التي قد تعصف بأمنها القومي.
وفي هذا السياق يمكن القول أن اكتساب المعلومات والمعارف أصبح يشكل لبنة أساسية لبناء صرح الإنسان المعاصر، الذي غدا مهووسا بامتلاك المعلومات المُحَيّنَة والتي سوف تصل إليه أينما حل وارتحل بفضل ما توفره الآن وسائل الإعلام الحديثة، ومن ضمنها الشبكات الرقمية والانترنيت والألياف البصرية والهاتف المتحرر وأنظمة الاستشعار عن بعد، مما يؤهل كل هذه الوسائط للمساهمة بقوة في تحريك عجلة التنمية، بما توفره من إمكانيات اختزال الزمان والمكان، عن طريق تقريب الفضاءات وإلغاء الحدود، وجعل المعرفة في متناول الجميع.
فإذا كانت التنمية تنزع دائما لترقية البشر وبلوغ الغايات الإنسانية، فان المعرفة أصبحت عنصرا جوهريا لبلوغ هذه التنمية، لكن ذلك يبقى رهين بمدى توظيفها التوظيف الأمثل، عن طريق استيعاب العالم الخارجي والتوفيق بين نقل المعرفة وتوطينها وفق مقاربة شمولية، تأخذ بعين الاعتبار المشروع التنموي الذي يجب أن ينخرط فيه كل الأطراف، لتحقيق قفزة نوعية نحو غد مشرق وضّاء.
ففي هذه الألفية الثالثة نلاحظ إجماعا دوليا حول أهمية المعرفة في مواجهة تحديات التنمية، فتنمية العقل وتعليمه يفوق كل تنمية مادية، فالمدارس قبل المصانع، والكتب قبل الآلات، ذلك أن عدم قدرة الإنسان على قراءة واقعه بعِلمية وإيجابية، مرده إلى عدم امتلاكه منهجا معرفيا إنسانيا يستطيع بواسطته تحليل هذا الواقع وتحديد سبل التفوق عليه، ومن هنا كان لزاما وجوب بناء إنسان قارئ متعلم عارف، قائم بواجباته ملتزم بمسؤولياته تجاه محيطه .
إن التنمية في العصر الحالي تراهن على جعل المعرفة بمثابة المحرك الأساسي في عملية النمو، فهي سلعة ذات منفعة عامة تدعم شتى المجالات كالاقتصاد والبيئة والسياسة وغيرها، ولن تتأتى هذه المعرفة إلا بتظافر عناصر عديدة،على رأسها دمج قطاع الاتصالات بقطاع الإعلام لإتاحة المعلومات للجميع بأدنى مجهود وأقل كلفة، وهذا وغيره سيساهم لا محالة في نشر الثقافة العلمية بالتركيز على الشق النوعي وليس الكمي، مما يشكل رأسمالا معرفيا يتطور تصاعديا فتتغير معه مؤشرات النمو و التقدم في الحياة الإنسانية وفي المشاركة السياسية والاقتصادية.
وبناء على ما سبق يمكن الجزم بأن المعرفة تؤثر إيجابا أو سلبا على حال التنمية، إذ كلما ارتفعت درجات المعرفة إلا وتحققت مستويات تنمية عالية، وبذلك فالمعرفة تمثل مدخلا مهما لعمليات الإصلاح الشاملة، فهي وعي وإدراك وفهم لحقائق عديدة، لاكتساب معلومات عن طريق التجربة والتأمل في طبائع الأشياء، من اجل اكتشاف المجهول و تطوير الذات.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صورة مفجعة لفلسطينية في غزة تفوز بجائزة -أفضل صورة صحافية عا


.. وسط تفاؤل مصري.. هل تبصر هدنة غزة النور؟




.. خطوط رفح -الحمراء- تضع بايدن والديمقراطيين على صفيح ساخن


.. تفاؤل في إسرائيل بـ-محادثات الفرصة الأخيرة- للوصول إلى هدنة




.. أكاديمي يمني يتحدث عن وجود السوريين في أوروبا.. إليك ما قاله