الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


محاولة للخروج من فخ المكان

سامي العباس

2005 / 12 / 21
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


قراءة في تموضع إدوارد سعيد ( خارج المكان )

(( أخمن أحياناً أن ضهور الشوير – في تجسيدها المغري , لكن المزيف في نهاية المطاف , للأصالة الريفية – قد ضللتنا جميعاً , فاعتقدنا أن خّفتها العقيمة , و بساطة حياتها المضبوطة , و الإجماع المسيحي القسري فيها , قد لعبت دوراً ما في تطرفها السياسي اللاحق , كما في التطرف السياسي لشارل مالك نفسه . لكنني أعتقد في الآن ذاته أن الانسحاب الناعس من الحياة الذي كانت تعد به خلال أشهر الصيف , إنما كان أيضاً نقضاً للبيئة العربية التي ننتمي إليها. فبعد انقضاء الحقبة الكولونيالية بزمن طويل , ظللنا نعتقد أننا جميعنا قادرون على عيش حياة بديلة تستوحي النموذج الأوروبي للمنتجعات الصيفية , ذاهلين عما يجري حولنا .
حاول أهلي إعادة إنتاج شرنقتنا القاهرية في الجبال اللبنانية . فمن يستطيع أن يلومهم على ذلك , إذا أخذنا بالاعتبار موقعنا الخاص المصدع بما نحن كسرات فلسطينية – عربية – مسيحية – أمريكية هشّمها التاريخ , وقد تمكنت نجاحات أبي التجارية من أن تعيد إليها شيئاً من التماسك , و هو ما سمح لنا بهامشية شبه خرافية , مريحة و إن تكن سريعة العطب . و عندما أدّ ت الإضطرابات في مصر ما بعد الملكية إلى تفكك البلاد من حولنا , حملنا آثارها أنّى ذهبنا , بما في ذلك إلى ضهور الشوير . هناك كان شارل مالك أول رمز لمقاومتنا , رمزاً لرفض لبنان المسيحي مسايرة القومية العربية , و قراره الانضمام إلى المعسكر الأمريكي في الحرب الباردة و اعتماده لغة القتال و التصلب بدلاً من الحساب لإستدعاآت عبد الناصر المتصاعدة و من السعي إلى التكيف معها ... )) .
فّضلت أن أقتطع هذا المقطع المطول من مذكرات المفكر الفلسطيني اللامع إدوارد سعيد (( خارج المكان )) لأجعلها بوابة الدخول على المشهد اللبناني الراهن , لباقة من الأسباب :
1- شخصية إدوارد سعيد المماسة بشكل فكري – نفسي لأربع هويات : فلسطينية – عربية – مسيحية – أمريكية , مع ما يعطي هذا التموضع على البرزخ لإدوارد سعيد من قدرة على التقليب في جدلية على هذا المستوى المركب .
2- يضيء هذا المقطع و لو بشيء من الغبش ردود الأفعال التي أثارتها الموجة الثانية من القومية العربية ( بقيادة عبد الناصر و البعث ) بعد أن طّعمت نفسها بمكونين :
أ?- لاهوتي ( إسلامي )
ب?- اجتماعي ( اشتراكية )
3- حالة الخوف المقيم الذي استعصى على كل أنواع المسكنات بما فيه آخرها ( الديمقراطية ) الذي تحتفظ به الأقليات حيال الأكثرية ( السنية العربية ) و فشل نخب هذه الأخيرة في استحضار روشيتة التهدئة المناسبة حتى الآن .
4- الموقف النقدي لإدوارد سعيد حيال هويات أربعة , تتقاطع على هذا النوع الدرامي , مفسحة الطريق لخلق توازن فكري مشبوب العاطفة حيال هويات وضعها الشرط البشري الراهن للاجتماع الشرق أوسطي في مواجهة بعضها البعض .
من بين الهويات الأربعة لإدوارد سعيد أجرب الانتقاء مؤقتاً لإحداها بغية وضعه على الطاولة , غير غافلٍ عن نقاط التمفصل الكثيرة التي تربط بين هذه الهويات ليس على الصعيد الشخصي لإدوارد سعيد , بل بما هي هويات جماعية شاءت لها الصدفة أن تتصادم كما تتصادم كرات البليار , لكنها في تصادمها و ارتداداتها العشوائية محكومةٌ بهذا المآل الأخير , أن تهبط عبر الكوة الوحيدة لطاولة البليار , لتهجع هامدةً بعد أن استنفذت الطاقة التي تزودتها من عصا اللاعب .
تشبه العبثية التي تْصرفْ بها كرات البليار المتصادمة طاقتها الحركية , العبثية التي تْصرْف بها الهويات المتصارعة للبشر شحنتها القتالية . و رغم أن الهويات بنيوياً تقتطع لبناتها من مقالع متنوعة : فالمركب السلالي , أو الاندماج الثقافي , أو شبكات تبادل المنافع المادية , تتشاطر المهام أو تعمل على نحو منفرد لنحت هوية ما . إلا أن الملاط الذي يشد لبنات الهوية و يمسكها عن التداعي شيء يشبه لزوجة الحساء التي تتوقف على درجة انحلال مركباته التي سمحت بها التجربة الخاصة للجماعة إياها إلى المستوى التي تختبيء به المكونات عن العين غير المتفحصة.
أهمية تجربة ادوارد سعيد كما يرسمها في خارج المكان المذاق التراجيدي للمآلات التي أفضت إليها جدلية هوياته الأربعة..لكانه يختصر على نحو مخبري مجريّات مسرح ,خشبته تمددت حتى أصبحت خارجها,وهو ما أوحى لادوارد سعيد باعتقادي عنوان كتابه .أو لعله وهو يحاول أن يرى المكان ,اكتشف استحالة ذلك بدون أن يخرج منه .كالجندي لا يستطيع رؤية المعركة وهو فيها.
إلا أن السؤال:هل افلح سعيد في الخروج؟؟..أشاطر فالح عبد الجبار تساؤله(1) ((كيف يتأتى لسعيد إن يفك عقله من اسر الهوى؟..كيف يمكن له أن يطلق عقله في هذا الهوى الآسر؟!!..))
تلك هي معضلة المثقف العضوي بمفهوم غرا مشي..أن يكون جنديا وسط المعركة وأن يستطيع أن يراها كما لو انه خارجها. كيف لسعيد أن يحتفظ بتوازنه النفسي /الفكري عندما تتصادم هوياته المتعددة عند كل منعطف مرّت به عربة التاريخ في المنطقة؟؟
كيف للمتصّدع أن يحتفظ بتماسكه تحت ارتفاع منسوب الضغط على مكوناته عند هذه المحطة أو تلك ؟؟
أرى في تجربة سعيد سلسلة متصلة من المساومات لجأاليها عقله الجبار للمصالحة مشيرا لاجتماعه الشرق أوسطي على نحو حاسم إلى الاتجاه الذي عليه أن يثبت إبرة البوصلة للتملص من الشرط الحضاري الراهن لهذا الاجتماع..
يترنح الاجتماع الشرق أوسطي منذ قرنين كما ترنح ادوارد سعيد بين الدوائر الأربعة لهوياته المركبة
وكلاهما :ادوارد سعيد والاجتماع الشرق أوسطي, كسفينة تشق طريقها وسط العواصف مضّطرة إلى أقلمة وضعها مع هذه الموجة أو تلك,متفادية بذلك المصير الذي ينتظرها إن انتصرت فيها الحماقة على التعّقل..
جزء من بحث اطول,,








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما الذي يربط الحوثيين بحركة الشباب الصومالية؟ | الأخبار


.. نتنياهو يحل مجلس الحرب في إسرائيل.. ما الأسباب وما البدائل؟




.. -هدنة تكتيكية- للجيش الإسرائيلي في جنوب قطاع غزة ونتانياهو ي


.. جرّاح أسترالي يروي ما حصل له بعد عودته من غزة




.. حل مجلس الحرب الإسرائيلي.. والترددات على تطورات الحرب في غزة