الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


باريس وتفجيرات نيس والتطرف

سندس القيسي

2016 / 8 / 24
الارهاب, الحرب والسلام


باريس وتفجيرات نيس والتطرف

أكاد أفتح فمي مشدوهة، لبعض ما سمعت في باريس. تناقض العربي المسلم على الأخص جد كبير. وحين أشير إلى العربي في باريس، فإني أقصد شمال إفريقيا. ما زلت غير قادرة تمامًا على فهم هذه الشعوب، وربما تكون هناك بعض التناقضات المشتركة مع شعوب الشرق الأوسط. وقد نستطيع القول بأننا مزدوجين جميعًا، لأننا في الواقع ننقسم إلى ثقافتين، ثقافة نظمنا التعليمية المترجمة، وثقافتنا المحلية السائدة. ثقافة لغتنا الأم والثقافة الأجنبية التي نتكلمها،

لكن راقب هؤلاء الأشخاص ذاتهم كيف يتعاملون مع المرأة الأوروبية معاملة من الطراز الرفيع بما فيها من وومانسية وتحضر واستيعاب، وحينما يتعامل ذات الأشخاص مع المرأة العربية، تلقائيًا يعتبرونها إمرأة من الدرجة الثانية، حيث أن على الرجل أن يحاصرها بأحكامه القاسية، ويتحكم فيها قدر الإمكان. ويصنفها إلى تصنيفات ٍ بشعة!

وجميعنا نصبح كوول عندما نتحدث بلغة إنجليزية أو فرنسية، وتقنيًا نتحول إلى أشخاص مهذبين، نقول لطفًا وشكرًا وأسف، وكأن لا داعي لهذه المصطلحات عندما نتحدث بالعربية.
هناك من الأشخاص من يستطيع أن يعيش مع نفسه، وَمِمَّا لا شك أن هذا يتحتم علينا أحيانًا كجزءٍ من طبيعة الحياة الأوروبية. إلا أن الحياة العربية تفرض عليك أن لا خيار إلا الزواج. ثم نقع في مطب آخر رغم أن حياتنا مريحة نسبيًا في الغرب، والفرد هنا ليس بحاجة أن يعرض نفسه لضغوطات نفسية، هو في غنى عنها أصلاً. أقصد أن يسترخي المرء، فإذا أتي الزواج أتى، وإذا لم يأتِ ، ها نحن هنا.

وعندما تختار الأجيال العربية زيجاتها في الغربة، فهي قد تأتي متأخرة، وقد تنجح وقد تفشل، وقد تكون عن حب وعلاقة، أو تقليدية، وغالبًا ما يريد كثير من الشباب الأختيار من بلدانهم الأصلية. وهناك من يتزوج الأوروبية.
أما ما علاقة تفجيرات نيس بهذا الكلام، فإني سأوصل النقاط ببعضها لاحقًا. لكن قبل ذلك، أريد أن أتحدث عن مصطلح يستخدم في فرنسا واسمه خدمة عربية، أو خدمة العرب، وهي تسمية سلبية طبعًا ولأشرح ما المقصود أصلاً، سأقص ما حدث معي هذا الصباح،

كنت في طريقي لمغادرة باريس، وقد خرجت من سكني وأنا أتدحرج بحقيبتن ثقيلتين، وكان الوقت باكرًا صباحًا، فلم يمر ولا تاكسي، مما عنى أني سآمشي مسافة لا بأس بها لأصل إلى الشارع الرئيسي، حتى وجدت تكاسي على الدور، وكان حظي مع شفير عربي، لكني لم أتكلم معه بالعربية، فأنا مستعجلة وليس هذا وقت النستالجيا العربية! كما أن معرفته بأني عربية قد لا تزيد ولا تنقص! بل قد تعود بالوبال علي. وأعتقد أن علي أن انتهج مزيدًا من سياسة تجاهل أصلي العربي مع نماذج من نوع هذا السائق، الذي قد "ينصب" علي إذا علم أني عربية.

لكنه عندما أنرلني، لم يوصلني إلى داخل المحطة، بل حواليها. فطلبت منه أن ينزلني في المحطة ذاتها بسبب حقائبي، وإلا فلماذا أستقليت سيارة أجرة؟ فكانت ردة فعله أن تظاهر بالغباء، وقال أن علي أن أسرع كي ألحق بحافلتي. ثم سألته: أين مكان المحطة، فوجهني وجهة خطأً. وقلت في نفسي: " لو أخذت تكسي سائقه فرنسي" كان أفضل. وأخذت بالتدحرج ثانية أنا وحقائبي، قلقة بشأن موعد السفر وكيف أجد المكان وأنا أتصبب من العرق، فهل عرفتم ما المقصود بالخدمة العربية، التي يستخدمها الفرنسيون ضد العرب؟ وهذه قد تكون صورة نمطية، منها الصحيح، ومنها الباطل. والسبب الذي قلت هذا لنفسي هو ليس لأَنِّي أؤمن بالصور النمطية، بل لأَنِّي أحب أن أتحداها. ولكن ما أجمل أن يتقن الإنسان عمله، ويصبح علامة ثقة.

أما تفجيراتِ نيس. فقد صحوت عليها، وكان في صحبتي فرنسيين وأوروبيين، ولم تكن هناك ردود فعلٍ، أو مجادلات. كان هناك صمت وما بدا لي بأنه تعود . لم يبدو أحد غاضبًا، ومر كأنه يوم عادي في الرقعة الباريسية التي أنا فيها.
تحدثت مع بعض أقراني الفرنسيين الذين لاموا العنصرية على الإرهاب. لماذا لا نسمع أكثر من هؤلاء؟ وآخرون اتهموا الدولة الفرنسية بتدبير الحادثة، لأنه لا يعقل لانتحاري أن يحمل أوراقه الثبوتية معه، وهو ذاهب لتنفيذ عملية. أما مسألة كونه غير مسلم، يشرب الخمر ويأكل الخنزير، فلم أفهم ما علاقة هذا بالأمر، أم هل هذا يعني أنه ليس المتطرفين هم المطلوبين، بل جميع العرب. هل هذا يعني أن دائرة الإتهام ستتسع؟

وفي وسط كل هذا، ناقشت مع زميلي الممثل الفرنسي فكرة أن أكتب مسرحية كوميدية للسوق الفرنسية، عنوانها أنا إرهابية ، وقال لي: "وقد تكون مواضيعها صعبة. " لكني أجبته: "بأننا بحاجة لأن نضحك." فهر رأسه وقال: "بالفعل، نحن بحاجة لأن نضحك." ً ولو أني أعتقد أن هكذا موضوع لا يمكن أن يطرح في بريطانيا.

وقد أوشكت أن أخسر صديقتي السوداء الفرنسية، من ساحل العاج بسبب حادثة إرهابية حصلت قبل أقل من عام بقليل، حيث كتبت لي مصرة على "أنهم لن يطفئوا أضواء باريس وأنهم لن يغيروا نمط الحياة الفرنسية وعادة ارتياد المقاهي والإستمتاع بالحياة".

وقد شعرت وكأنها تلومني على الإرهاب برمته، وقد شعرت بالمسافة تتسع بيننا، رغم أن صديقتي مناهضة للعنصرية من الطراز الأول. لكنها يبدو قد وقفت أمام شيء مرعب، لا تعرف كنهه. وأخافها مني وَمِمَّا أمثل. والمغزى الذي يمكن أن نتعلمه من تلك التجربة، هو أن العنف ومحاربة العنف بالعنف لا يستجدي نفعًا ولا يستقطب متعاطفين من الدول الأوروبية، لأنهم يفضلون الحوار والنقاش على الدموية.

والحقيقة هي أني لا أفهم لماذا يجب أن يكون هناك مبررات عقائدية، لقتل أبرياء عزل، هم لم يختاروا أن يكونوا طرفًا في الصراع. والذي لا أفهمه هو لماذا لا يستطيعون استخدام الحوار والنقاش
والإقناع، لفرض الحجة والدليل، وبالتالي كل واحد
حر بقناعاته، وما معنى الجهاد في سبيل الله، الموت، فالجنة؟ ما معنى كافر وزنديق وديوث؟ ما هي هذه الكلمات التي تصرخون بها في وجوهنا ليلاً نهارًا؟ هل تعتقدون أن هكذا تبنون الثقة بيننا، إنكم تنفروننا!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رغم المعارضة والانتقادات.. لأول مرة لندن ترحّل طالب لجوء إلى


.. مفاوضات اللحظات الأخيرة بين إسرائيل وحماس.. الضغوط تتزايد عل




.. استقبال لاجئي قطاع غزة في أميركا.. من هم المستفيدون؟


.. أميركا.. الجامعات تبدأ التفاوض مع المحتجين المؤيدين للفلسطين




.. هيرتسي هاليفي: قواتنا تجهز لهجوم في الجبهة الشمالية