الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أي تدبير استراتيجي لمأسسة الأمازيغية بعد ترسيمها في دستور 2011 ؟ الجزء الأول: مواقف من الأمازيغية عبر تاريخها العريق

الحسين أيت باحسين

2016 / 8 / 24
مواضيع وابحاث سياسية


ينبغي التأكيد على أن هناك ثلاثة مواقف من الأمازيغية؛ عبر تاريخها، وخاصة منذ ظهير 30 ماي 1930 (الذي ينعت كذبا ب"الظهير البربري")؛ لا يستطيع أحد أن ينكرها، وهي:
1 - موقف التهميش والإقصاء، بل والتحقير في كثير من الأحيان، وهذا ما حال دون مأسستها ودون اعتمادها الكتابة؛ بالرغم من أنها استطاعت أن تصمد ضد كل الرياح والعواصف والأمواج إلى اليوم، في الوقت الذي انقرضت فيه لغات عاصرتها في العصور القديمة، ضمن حضارات عرفت آنذاك إشعاعا كبيرا، وكانت لها أبجديات خاصة بها، وتمت بواستطها مأسستها في مختلف مرافق ومهام تلك الحضارات؛ ومن بينها الفرعونية والسريانية والآرامية والعبرية القديمة والفينيقية والبونيقية واليونانية القديمة واللاتينية. وهذا الموقف الإقصائي والتحقيري الذي حال دون مأسستها ساهم فيه ب "وعي" أحيانا، و"بدون وعي" في كثير من الأحيان، حتى ذووها، فضلا عن خصومها "العقائديين"، خاصة منذ نشأة "الأيديولوجيا العروبية البعثية"، حيث سعت الأنظمة التي أنشأت تلك الأيديولوجيا، وبكل الوسائل المتاحة لها، (من وسائل ثقافية وسياسية و"ديبلوماسية" ومخابراتية وعسكرية وغيرها) إلى تعريب كل بلدان شمال إفريقيا، وإلى إماتة اللغات الأخرى التي كانوا يطلقون عليها اللهجات.
2 - موقف يرى أن الأمازيغية مجرد لهجات كثيرة، داخل كل منها فوارق جزئية أخرى، تجعلها (أي الأمازيغية) في وضع المستحيل من أن تصبح لغة موحدة من شأنها أن تكون اللغة الموحدة للتعليم والإعلام ولباقي مرافق الدولة بالنسبة لكل الناطقين بمختلف لهجاتها، فبالأحرى لغير الناطقين بها. لكن ينبغي التأكيد على أن هذا الموقف هو مجرد موقف أيديولوجي، إن لم نقل ديماغوجي وسياسوي، ورأي عامي لا يستند إلى أسس علمية وأكاديمية؛ بل إن له جذورا في مواقف بعض المنظرين اللسانيين الكولونياليين الذين ينتسبون إلى المشروع الاستعماري الذي يتبنى شعار: "فرق، تسد". لقد أثبت كثير من المتخصصين في علوم اللغة، الأجانب، النزهاء منهم وكذا المغاربة أو المغاربيين، أن البنيات الأساسية للهجات الأمازيغية (من نحو وصرف وتركيب وغيرها) مشتركة، وليس هناك من فروق طفيفة إلا على المستوى المعجمي أو الفونولوجي، وهي فروق تعرفها مختلف اللغات، حتى الممعيرة منها. كما أن باحثي المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، وكذا بعض الباحثين على مستوى البحث الجامعي وطنيا أو دوليا، قد أنجزوا أبحاثا ودراسات وأطروحات معززة لوحدة اللغة الأمازيغية وتمت، على أساس ذلك، معيرتها؛ كما تم، إلى حد كبير، تأهيلها لكي تقوم بدورها المنتظر منها في التعليم والإعلام وغيرها من المرافق العمومية ذات الأولوية.
3 - موقف يتساءل عن القيمة المضافة لترسيم اللغة الأمازيغية وعن الكلفة التي يستلزمها هذا الترسيم؛ هذه اللغة (أي الأمازيغية) التي ستنضاف إلى اللغة العربية التي أضعفتها اللغات الأجنبية المستحوذة على كثير من المؤسسات ومن مرافق الإدارة والحياة العامة؛ فإن لم يكن الهدف من ترسيمها فقط إقصاء اللغة العربية ومحاربتها؛ فإن إضافة لغة إلى لغات أخرى (العربية والفرنسية والإنجليزية والإسبانية وغيرها من اللغات الأخرى المعتمدة في التعليم وفي الإدارة وتدبير المقاولات) سيثقل كاهل المتعلمين، كما سيثقل كاهل الأسر والدولة من حيث التكلفة. وإذا كانت اللغة العربية، وحتى اللغة الفرنسية، تجد صعوبات في مواجهة هيمنة اللغة الإنجليزية في مجالات الاقتصاد وتدبير المقاولات وفي مجالات الدبلوماسية، فكيف تستطيع اللغة الأمازيغية، كتعابير لهجية وغير المؤهلة على مستوى السوق اللغوية الوطنية والدولية، أن تنافس اللغات المسايرة للعولمة المتوحشة ؟ هذا الموقف لا يأخذ بعين الاعتبار ما تنص عليه المواثيق الدولية الحقوقية المتعلقة بالعدالة اللغوية وما تدعو إليه بعض المؤسسات الدولية المهتمة بالشأن الثقافي والتربوي مثل اليونيسكو، خاصة في ما يتعلق بحق وأهمية التعلم بلغة الأم. كما أنه لا يأخذ بعين الاعتبار أهمية التعدد اللغوي والتنوع الثقافي، اللذين لا يخلو منهما أي مجتمع، واللذين لهما دور أساسي في الأمن الثقافي والسلم الاجتماعي؛ ولقد اثبتا، منذ انهيار جدار برلين، كيف أن عدم أخذهما بعين الاعتبار يؤدي إلى عدم السلم الاجتماعي؛ بينما تكون رعايتهما سياسيا وقانونا من أسباب التنمية المستديمة ومن عوامل تلاحم مكونات المجتمع، ذلك التلاحم الذي من شأنه أن يشكل أكبر وقاية ضد كل محاولة خارجية تستهدف النيل منه (أي من ذلك التلاحم). وفي هذا الإطار من المستبعد ألا تكون للدولة استراتيجيتها بالنسبة للقضية الأمازيغية (أي إرادة سياسية مّا واضحة)، لكن عدم ترجمة الأقوال بالأفعال على مستوى أرض الواقع؛ خاصة منذ ترسيم الأمازيغية في دستور 2011، وتحميل كل مؤسسة من المؤسسات السيادية الثلاث (المؤسسة الملكية والمؤسسة التنفيذية والمؤسسة التشريعية) في ما بينها مسؤولية تفعيل القوانين التنظيمية؛ يجعل دسترة الأمازيغية غير مكتملة وترسيمها غير مفعل إلى حد الآن وفق مقتضيات أسمى قانون للبلاد ألا وهو الدستور نفسه. وهذا ما جعل الحركة الأمازيغية تؤكد خوفها من أن يكون الهدف هو مجرد استنزاف الوقت بمبررات لا تفتأ تتناسل في كل ظرف وحين.

الحسين أيت باحسين
باحث في الثقافة الأمازيغية








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وفاة الرئيس الإيراني ووزير خارجيته في تحطم طائرة مروحية كانت


.. إيران تعلن وفاة الرئيس إبراهيم رئيسي ومرافقيه في تحطم مروحيت




.. وفاة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي في تحطم مروحية.. ماذا نعر


.. ما هي ردود الفعل على مصرع الرئيس الإيراني بحادث تحطم مروحية؟




.. ماذا يحدث في إيران بعد وفاة رئيس البلاد وهو في السلطة؟