الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جورجيا أوكَيف . . .أيقونة الفن التشكيلي الأميركي

عدنان حسين أحمد

2016 / 8 / 26
الادب والفن


قراءة مختلفة تتفادى الجانب الإيروسي

نظّم مُتحف الـ "تيت مودرن" بلندن معرضًا استعاديًا كبيرًا للفنانة الأميركية جورجيا أوكِيف التي وصفها النقّاد الفنيون بـ "أم الحداثة الأميركية". وسوف يستمر المعرض، الذي أُفتتح في 6 يوليو / تموز الماضي، لغاية 30 أكتوبر 2016. يضم المعرض 115 عملاً فنيًا بأحجام مختلفة، إضافة إلى بعض التخطيطات الأولية، ودفاتر الاسكتشات، والصور الفوتوغرافية التي التقطها المصوران ألفريد ستغليتز وبول ستراند.
لم ينبثق هذا المعرض الاستعادي من فراغ وإنما جاء نتيجة مُلحّة لتقديم قراءات نقدية متعددة لتجربة فنية استمرت على مدى سبعة عقود لكنها خضعت، مع الأسف الشديد، لقراءة أحادية ترى شبهًا كبيرًا ومقصودًا بين الورود التي أبدعتها خلال ثلاثين سنة وبين الأعضاء التناسلية الأنثوية. كما ينبِّه هذا المعرض إلى استمرار همينة الرجل على المشهد الفني في القرن العشرين على الرغم من بروز فنانات كبيرات من طراز جون ميتشيل، كادي نولاند، فريدا كاهلو، أغنس مارتن، يايوي كوساما وغيرهن من الفنانات اللواتي تباع لوحاتهن بأسعار فلكية. لا يمكن أن يؤخذ هذا المعرض بمعزل عن لوحتها المعنونةJimson Weed أو "الوردة البيضاء"1932 التي بيعت في مزاد سوذبي بمبلغ 44.405.000 دولار عام 2014 لتصبح أغلى لوحة تباع لفنانة تشكيلية في العالم وسوف تكون هذه اللوحة مُحفّزًا لاجتذاب أكبر عدد ممكن من محبّي الفن التشكيلي.
لا يمكن الإحاطة بهذا الكم الكبير من الأعمال الفنية التي شغلت 13 صالة من متحف الفن الحديث خصوصًا وأنها تمثل كل المراحل التي مرّت بها الفنانة جورجيا أوكيف مذ قررت أن تصبح فنان تشكيلية في سن الثانية عشرة في بلدة صن بيريري حتى وفاتها عن 98 عامًا في مدينة سانتا فيه، لذلك سنتوقف عند أبرز المحطات الفنية في حياتها.
لعبت المصادفة دورًا مهمًا في حياة جورجيا فقد أرسلت عام 1916 عددًا من رسوماتها إلى أنيتا بوليتزر ، صديقتها أيام الدراسة، التي بعثتها بدورها إلى المصور الفوتوغرافي المشهور ألفريد ستيغليتز الذي أعجب بالرسوم وعرضها في صالته Fifth Avenue)291 (بنيويورك من دون أن يأخذ إذنًا منها لكنها ستوافق لاحقًا وتُبقي أعمالها معروضة قبل أن يُنظّم لها في السنة التالية معرضها الشخصي الأول.
يمكن القول إن جورجيا كانت فنانة تجريدية بامتياز وقد تعلمت هذا الأسلوب وأتقنته حينما كانت تدرّس الرسم في فرجينيا وتكساس. كما كانت ملوِّنة بارعة، وماهرة في استعمال الألوان المائية. تضم الصالة الأولى لقطات فوتوغرافية لجورجيا بعدستي ستغليتز وستراند، كما تحتوي على عدد من الرسومات التجريدية المنفَّذة بقلم الفحم التي عُرضت في غاليري ستيغليتز من بينها "خطوط سوداء"، "تلّة زرقاء"، "شروق الشمس"، إضافة إلى تمثال "المرأة المكفّنة" الذي أنجزته بعد وفاة أمها، وثمة صورة فوتوغرافية توثق لوحاتها التي عُرضت في الغاليري ذاته عام 1916، أي قبل مائة سنة من هذا المعرض الاستعادي.
تتمحور لوحات الصالة الثانية على علاقة الرسم بالموسيقى وقد ساعدها أستاذها ألون بيمينت في التعرّف على كتاب "فن التناغم الروحي" لكاندنسكي، كما مهّدّ لها الطريق إلى معرفة كتاب "الإنشاء" لآرثر ويزلي داو الذي أثّر فيها كثيرًا وأخذت تردد لاحقًا "أن جوهر الإنشاء هو أن تؤثث المكان بطريقة جميلة". وهي ترى أن الإنشاء "التكوين" التجريدي يعكس موجات صوتية آخذين بنظر الاعتبار أن جورجيا كانت موسيقية ضليعة لكنها تخلّت عن الموسيقى لمصلحة الرسم. ثمة لوحات في هذه الصالة تهيمن عليها القراءة الفرويدية التي رسخّها ستغليتز 1924 ولم تستطع التخلص من هذه القراءة الإيروسية التي عزّزها نقاد آخرون.
بعد زواجها من ستيغليتز عام 1924 وانتقالها إلى نيويورك يمكن أن نتلمس مرحلة فنية جديدة في حياتها وهي انهماكها في رسم ناطحات السحاب على مدى أربع سنوات وكان الهدف منها هو تفادي الموضوعات الإيروسية ومن أبرز هذه الأعمال "ليل المدينة"، "شارع نيويورك مع القمر" و "نهر إيست" وغيرها من اللوحات التي تكشف عن التأثير المتبادل بينها وبين ستيغليتز.
انقطعت جورجيا مدة ثلاثين سنة لرسم الورود والحياة الجامدة وقدمت نماذج فنية لا تُجارى ومن بينها لوحتها الشهيرة "الوردة البيضاء" 1932 التي تبدو وكأنها مرسومة بعدسة مكبرة. تتفتح هذه الورود في الليل وتذبل في النهار وهي ذات عطر ناعم وقد رسمت هذه اللوحة حينما انتقلت إلى أبيكيّو في نيومكسيكو التي تمثل مرحلة ثالثة تجاوزت فيها عالم نيويورك المعقد حينما كانت ترسم لوحاتها بعين الطائر من الطابق الثلاثين.
يمكن اعتبار حياة جورجيا في نيومكسيكو مرحلة فنية جديدة بسبب المعطيات الجغرافية لهذه الولاية الأميركية من جهة، وبسبب اهتمام الفنانة بموضوعات مختلفة تجاوزت فيها الورود وناطحات السحاب لتكرِّس حياتها لرسم المناظر الطبيعية والعظام والجماجم من جهة أخرى ولعل لوحة "من البعيد، القريب" 1937 هي خير مثال لما نذهب إليه في تجسيد هذه المرحلة التي زاوجت فيها بين العظام والمناظر الطبيعية للمناطق الجبلية والصحراوية في نيومكسيو.
اكتشفت جورجيا مزرعة غوست عام 1934 وسكنت في بيت طيني سوف تشتريه عام 1940 وتقيم فيه بعد أن ترممه ليوفر لها إمكانية رسم العديد من المناظر الطبيعية المذهلة لنهر "تشاما" و "الهضبة الصوانية" الذي كانت تراها من نافذة بيتها، وأشجار الصنوبر التي تنتشر في تلك المضارب الريفية.
لعبت رحلاتها الجوية دورًا مهمًا في إنجاز لوحات كثيرة للغيوم والتضاريس الأرضية التي كانت تشاهدها من علو شاهق ويكفي أن نشير هنا إلى لوحة "سماء فوق الغيوم" 1963 وسواهما من الأعمال الفنية المنفذّة من أبعاد منظورية مختلفة.
لم يلتفت النقاد كثيرًا إلى اهتمام الفنانة جورجيا أوكيف بالسكّان الأصليين Kachinas الذين يعيشون في القسم الجنوبي الغربي من أميركا حيث حفرت أشكال الأرواح على الأخشاب، أو صوّرتها على الصلصال، أو نقشتها على الورق كما يفعل الهنود الحمر، فقد اهتمت بثقافتهم المحلية، وأبدت إعجابها بطقوسهم الحياتية، وقد أكدت غير مرة بأنّ رسمها لهذه الموضوعات هي طريقة ما لرسم البلد برمته.
تنوعت تقنيات جورجيا O keeffe على مدى العقود السبعة المثمرة في حياتها لكنها ظلت تركزّ على على المنحيين التجريدي والسوريالي. وقد قالت ذات مرة بأن "الرسم الموضوعي ليس رسمًا جيدًا ما لم يكن جيدًا بالمعنى التجريدي. لا تستطيع تلّة أو شجرة أن تصنع رسمًا جيدًا لمجرد أنها تلّة أو شجرة، إنها الخطوط والألوان التي نضعها معًا كي تقول شيئًا". وفي السياق ذاته تنوعت الموضوعات التي جسّدتها جورجيا في أعمالها الفنية التي توزعت بين التجريد، والستيل لايف، والمناظر الطبيعية، والورود، والتكوينات السوريالية.
ولو دققنا في أعمالها جيدًا فسوف نكتشف الأفكار الروحية والثيمات الثيوصوفية كتلك التي نجدها عند كاندنيسكي وموندريان والفنانة السويدية هيلما أف كلينت.
نخلص إلى القول بأن جورجيا أوكيف تأثرت بالعديد من الفنانين والكتّاب والمصوريين الفوتوغرافيين ولكن تظل موهبتها الأصلية، وتقنيتها الأولية، وطريقة رؤيتها الصافية في تجسيد الموضوعات التي تراها أول مرة هي الأس الإبداعي الذي وضعها في مقدمة الفنانين المُلهمين الذين تركوا بصمات قوية في ذاكرة المتلقين الأميركيين والأجانب على حد سواء.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. محمد محمود: فيلم «بنقدر ظروفك» له رسالة للمجتمع.. وأحمد الفي


.. الممثلة كايت بلانشيت تظهر بفستان يحمل ألوان العلم الفلسطيني




.. فريق الرئيس الأميركي السابق الانتخابي يعلن مقاضاة صناع فيلم


.. الممثلة الأسترالية كايت بلانشيت تظهر بفستان يتزين بألوان الع




.. هام لأولياء الأمور .. لأول مرة تدريس اللغة الثانية بالإعدادي