الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحرب الاهلية الاسبانية/موت ثورة!.(1)

ماجد الشمري

2016 / 8 / 27
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


اقتصر المؤرخون الغربيون في معالجتهم وتناولهم لتاريخ الحرب الاهلية الاسبانية على الجوانب التقنية والعسكرية واللوجستية:نوعية الاسلحة وكمياتها:طائرات ودبابات ومدفعية ورشاشات،الخ.والدعم الكثيف والمتواصل لجيش فرانكو الجرار،ورفده برجال محترفون وخبراء في الحرب والقتال.
ولكن هذا وحده ليس كافيا لتفسير انتصار الفاشية والثورة المضادة(المحقق)على الجمهورية الاسبانية الفتية والقضاء عليها.صحيح وثابت ان الناحية العسكرية والحربية والفنية هامة جدا وذات تأثير كبير وفعال في تاريخ الثورات،ولكنه غير حاسم ونهائي في الثورات الاجتماعية والانتفاضات والحروب الاهلية،دون التحشيد والتعبئة والعمل الجماهيري العام والواسع والمتغلغل في عمق الطبقات الكادحة:من عمال وفلاحين فقراء وبرجوازية صغيرة وغيرها من الفئات المحرومة والمستغلة.وايضا دون توحد اليسار في جبهة عريضة ضد العدو الطبقي الاساسي، وتغليب التناقض الرئيسي في ادارة الصراعات،وهيمنة غالبية الشغيلة سياسيا واجتماعيا على السلطة والنفوذ الطبقي،واستمرار الزخم الثوري والوعي والحس الطبقي،وتوفر قيادات تاريخية كفوءة ومتمرسة وثورية مبدعة في نشاطها العملي والفكري وتحقيق الانتصار على الفاشية.وهذا لم يحدث!بل جرى العكس تماما مع الاسف..
لم تكن الحرب الاهلية الاسبانية،ومصير الجمهورية المأسوي حدثا عابرا في تاريخ الثورات والهبات الجماهيرية وحروبها الاهلية.بل كانت لحظة باهرة،وانعطافة نوعية تاريخية وعالمية فريدة.استقطبت وجمعت حولها ذلك الزخم الهائل والتأييد والاسناد والمشاركة الشعبية الواسعة(60الف متطوع من 50 دولة)من قبل كل احرار وديمقراطيو وثوار العالم من شتى الشرائح والطبقات الاجتماعيةوالمستويات الفكرية والسياسية:عمال ،فلاحون،مثقفون،اكاديميون،الخ.فتجربة الثورة الاسبانية افرزت موقعان او خندقان،مع الثورة،وضدها،انصار الشعوب المضطهدة،وحقوق الانسان،والحريات،والشرعية البرلمانية،والديمقراطية والعدالة الاقتصادية والسياسية و الاجتماعية،انتصار للانسان العامل المستغل والمستعبد والمحروم .والخندق الاخر ضم كل:اعداء الشعوب الظلاميين،واعداء كل القيم الانسانية والثورية النبيلة،من:ملاك الارض الكبار مصاصي دماء الفلاحين الفقراء،والبرجوازية الصناعية الجشعة والمتخمة بعرق وبؤس العمال،والكنيسة الكاثوليكية عدو قيم المسيح والفقراء الاسبان،وملكيين متعفنين،وجنرالات فاشست معادون لكل ماهو انساني وجميل وعادل.
ولكن المشهد العالمي المنحاز،والظروف المحلية القاصرة والمتذبذبة كانت تشير ومنذ البدء لتراجع وانكفاء قوى الثورة والجمهورية،ومآلها الكالح والحزين المقبل،والنهاية الكارثية التي بلغتها كانت متوقعة وشبه حتمية لمن قرأ الاحداث والوقائع التي كانت تتفاعل وتتداعى.فقد وقفت من الجمهورية الاسبانية،موقف اللامبالاة(الحياد)والبرود والنذالة والنفاق والخسة!ليست الامبرياليات(الديمقراطية)و(الحريات)بل-وهنا الطامة الكبرى!-حتى دولة (العمال)!التي بدلا من ان تسعى وتعمل من اجل انقاذ الجمهورية من السقوط،ساهمت بالعكس في ذبحها وهزيمتها!.فكانت الجمهورية الاسبانية مغدورة كحال الثورات التي انطفأت وحيدة دون ناصر،وكحال ثورة اكتوبر المجيدة التي غدرت وتخلت عن اهدافها بعد موت لينين!..كانت القضية الاسبانية ورقة للمساومة والانتفاع والبيع والشراءبين المفترسين الكبار!.
ثلة قليلة من المؤرخين هي من رسمت صورة بانورامية كاملة وغنية بالتفاصيل والوقائع والسرد التحليلي الموضوعي المنصف والنزيه لصعود وافول الجمهورية الاسبانية الذبيحة،وتناولتها تاريخيا واجتماعيا واقتصاديا وسياسيا وعسكريا في مايتعلق بالحرب الاهلية.ومن هذا النفر كان المؤرخ الانكليزي واستاذ التاريخ المعاصر في جامعة ريدنج:هيو توماس.ففي عرضه التاريخي للحرب الاهلية الاسبانية بكتابه الضخم"الحرب الاهلية الاسبانية"اعتمد هيو توماس على"جمع ودراسة كل الحقائق المتوفرة عن اكثر قصص هذا القرن بطولة ومدعاة للرثاء".وقدم تحليلا موضوعيا شاملا للعوامل والاسباب التي قادت لاول صدام عالمي بين الديمقراطيات والفاشية.
فتوماس يستهل كتابه التاريخي بعرض تفصيلي واحاطة بالاوضاع التي سادت اسبانيا عام1936،ومن ثم قدم لمحة عن تاريخ اسبانيا،والقوى الطبقية المتصارعة من اجل الاستحواذ والسيطرة السياسية..
فقد كانت"الجبهة الشعبية"المؤلفة من:ليبراليي الطبقة المتوسطة،والحزبين:الاشتراكي والشيوعي،قد فازت في انتخابات شباط البرلمانية عام1936 على "الجبهة الوطنية"المكونة من:الحزب الكاثوليكي،والحزب الملكي-التحالف الممثل لاسبانيا القديمة-وكبار الملاك والجيش والكنيسة والبرجوازية الكبيرة.
.فلم تكن الازمة التي واجهت اسبانيا في حزيران من عام1936 والتي تميزت بالحدة واعمال العنف والاحتراب،واجواء من التربص والمواجهة والعداء والتوتر والتناحر من اليمين واليسار على السواء،بالازمة الطارئة المستجدة،بل كانت لها جذورها وخلفياتها المحتقنة،والتي تعود الى مطلع القرن التاسع عشر.حين بدأ الصراع حول طبيعة ومضمون وطريقة واسلوب حكم البلاد والنظام السياسي الذي يسود،ومن هي الفئة او المجموعة الاحق والاجدر بالقيادة السياسية لاسبانيا..
فالملكية المطلقة في اسبانيا كانت قد زالت على يد نابليون،ولكن الانكليز بقيادة "ولنغتون"اعادوا اسرة"البوربون"الى حكم اسبانيا من جديد،ولفترة طويلة.تركز الجدل السياسي بعد ذلك حول مسألة الدستور الليبرالي بين الجيش والكنيسة:القوتان الرئيسيتان اللتان استمرتا فاعلتين بعد حرب الاستقلال..ففي عام1820 فرض الجيش دستورا جديدا على الملك.الامر الذي استدعى من الاخير القيام بطلب النجدة من القوات الفرنسية عام1823 للتخلص منه.تطور الصراع عام1834 ليؤدي الى حرب"الكاوليست"الاولى والتي انتهت بأنتصار الليبراليين.اعقبتها سلسلة من الانقلابات العسكرية،والتي كان يتزعمها الجنرالات لتغيير الحكومات!.وانتهت هذه المرحلة الشاذة والغريبة بقيام الجنرال"بريم"يطرد الملكة"ايزابيلا".وتنازل"اماديو"خليفتها عن العرش عام1873نتيجة للضغوط السياسية والاضطرابات والحراك الجماهيري لتنتهي تلك الحقبة بأعلان الجمهورية الاسبانية الاولى عام1873،لتعود الملكية وآل بوربون للحكم بعد عام في1874.ونتيجة لفشل الجنرالات في السيطرة على الاوضاع!.
في عام1879صدر دستور ليبرالي جديد،وكان دستورا اسميا خاويا تجاوزه جميع الاطراف!.كما صدر تشريع صوري عام1890 يمنح الحرية لجميع الذكور بالانتخاب والترشيح.الا ان هذا التشريع ظل بلا معنى وعقيما،مع التزييف والتزوير المنهجي والمستمر لمهزلة الانتخابات.الامر الذي حدا بالجماهير والشغيلة الاسبانية للعزوف عن المشاركة فيها لانها ادركت بعمق ان النظام البرلماني هو كوميديا سياسية وتهريج،وهو وسيلة مثلى لابعادها وعزلها عن ممارسة اي دور او نشاط سياسي يقرر مصيرها.وهنا اضطرت الطبقة العاملة للجوء الى سلاحها التقليدي،الا وهو التنظيم النقابي،متراسها الاخير في الدفاع عن نفسها،وكبديل نضالي لغيابها عن الكورتس(البرلمان).(سيطرت على الطبقة العاملة الاسبانية تعاليم باكونين الفوضوية،وبرز اتحادان قويان للعمال:كونفدرالية العمال الفوضويين،وكونفدرالية العمال الاشتراكيين،فلم يشكل الفوضويين الاسبان حزبا او تنظيما سياسيا،وكان نشاطهم سنديكاليا اقتصر على التنظيمات العمالية النقابية).
وبحلول عام1923 وكنتيجة للفشل في معالجة المشاكل الناجمة عن مطالبة مقاطعة"كاتالونيا"بالحكم الذاتي،وايضا نتيجة لفشل الجيش في انهاء حرب الريف المراكشية،بات النظام البرلماني مهشما بالغ الضعف والتفسخ.لذا ايد الملك الانقلاب العسكري الذي قام به الجنرال"ميكيل بريمو ديريفيرا"والذي حكم اسبانيا حكما عسكريا ديكتاتوريا خنق الانفاس وسحق كل معارضة طيلة ست سنوات.ولكن لضعف قاعدته السياسية،وغياب الدعم له اقدم على تقديم استقالته.وعند سقوط "ديريفيرا"عام1930كانت القوى السياسية الرئيسية في البلاد قد تحولت عن تأييد ودعم الملكية.فقد كان الجيش متذمرا وناقما،والكنيسة منحازة لتعزيز النظام البرلماني،وايضا لم يكن العمال والفلاحون او الطبقة الوسطى وبقية الشرائح الدنيا يأملون خيرا او جدوى من استمرار النظام الملكي.
وأثر الحركة الانقلابية الفاشلة عام1931والتي قام بها ضباط جمهوريون اعدموا بعد ذلك،تقرر بعدها اجراء انتخابات عامة دعا اليها الملك مضطرا لاراغبا وتحت تأثير ضغوط شعبية.مني بها انصار الملكية بهزيمة كاملة في كل المدن الاسبانية،ولكنهم ونتيجة لتلاعبهم بنتائج الانتخابات حصلوا على الاغلبية المطلقة في المقاطعات الريفية!.فانتشرت بسبب ذلك الاضطرابات العنبفة والدموية،فأجبر الملك لمغادرة البلاد قسرا،واعلان الجمهورية الاسبانية الثانية في شباط عام1931..
...........................................
يتبع..


وعلى الاخاء نلتقي...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حركات يسارية وطلابية ألمانية تنظم مسيرة في برلين ضد حرب إسرا


.. الحضارة والبربرية - د. موفق محادين.




.. جغرافيا مخيم جباليا تساعد الفصائل الفلسطينية على مهاجمة القو


.. Read the Socialist issue 1275 #socialist #socialism #gaza




.. كلب بوليسي يهاجم فرد شرطة بدلاً من المتظاهرين المتضامنين مع