الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحُقبة الماركنتيلية الجذور السياسية والثقافية وانعكاساتها على الواقع الإقتصادي

تامر البطراوي

2016 / 8 / 28
الادارة و الاقتصاد


الحُقبة الماركنتيلية الجذور السياسية والثقافية وانعكاساتها على الواقع الإقتصادي
انطلق الغزو العربي بِدءاً من أربعينيات القرن السابع الميلادي في شن حملاته العسكرية (الجهاد) للتوسع وبسط النفوذ على الأراضي الواقعة تحت سيطرت الإمبراطوريتين الرومانية والفارسية ، والتي بدأت بالسيطرة على أقاليم الشام والساحل الإفريقي التابعة للإمبراطورية البيزنطية ، ثم التوجه نحو الإمبراطورية الغربية والتي كانت قد تفككت عام 476م إلى ممالك مُمزقة مما مهد لسقوط شبه الجزيرة الأيبيرية (إسبانيا) بجنوب أوروبا عام 718م بيد الغزاة العرب الذين أطلقوا عليها "الأندلس" ، وحينها بدأت تُدرك الممالك الأوروبية بالغرب والإمبراطورية البيزنطية بالشرق ذوي الثقافة المسيحية الخطر العربي الإسلامي وتهديداته السياسية والثقافية ، مما قادهم لتكوين تكتل عسكري لمجابهته من ناحية ، ومن ناحية أخرى لإستعادة السيطرة على منطقة "القُدس" موطن ميلاد "يسوع" وذات الأهمية بالثقافة المسيحية ، وقد بدأت تلك الحملات عام 1096م واستمرت حتى عام 1270م إلا أنها لم تنجح في تحقيق أهدافها بل ساهمت بشكلٍ كبير في إضعاف الإمبراطورية البيزنطية كنتيجة مباشرة لمرور الحملات بها ذهاباً وإياباً وما تخلفه من فوضى وأثر مدمر على الإمبراطورية ، لا سيما الحملة الصليبية الرابعة عام 1202م والتي توجهت إل القسطنطينية وقامت بتخريبها بسبب الإختلاف على تكاليف الحملة ، وقد ترتب على فشل تلك الحملات أن وجهت الممالك والقوى العسكري المسيحية بغرب أوروبا جهودها لإستعادة شبه جزيرة أيبيريا (إسبانيا) مرة أخرى والذي بدأ فعلياً بسقوط إمارة قرطبة الإسلامية عام 1236م وحتى سقوط إمارة غرناطة عام 1492م ، أما الإمبراطورية البيزنطية في الشرق فقد أصابها قدر كبير من التخريب والضعف بسبب تلك الحملات مما مهد لسقوطها بيد العثمانيين واقتحام عاصمتها القُسطنطينية عام 1453م والتي أطلقوا عليها إسم "إسلامبول" (تغير عام 1930 إلى إسطانبول) ، ومنذ تلك الفترة بدأت تشهد أوروبا مزيجاً من التغيرات الثقافية والسياسية والإقتصادية اختلفت كثيراً عن الفترات السابقة ، حيث تصاعدت الأصوات الناقدة لإنحراف الكنيسة على تعاليم الكتاب المقدس بداية من المُصلح الديني التشيكي "جان هس" والذي تم إعدامه عام 1415م ، وحتى مُطلق عصر الإصلاح الديني في أوربا القس الألماني "مارتن لوثر" (1483-1546) والذي رفض سيطرت كنائس روما على الكنائس الألمانية ورفض إرسال أموال ألمانيا لإيطاليا واعتبرها سرقة وضياع للثروة القومية ، كما أثار الشكوك حول شكل الملكية الخاصة القائم آنذاك والذي كان قائماً على الإقطاع واعتبره من السيئات التي يجب أن يتخلص منها المجتمع ، رفض لوثر صكوك الغفران وفرض الكتاب المقدس باللغة اللاتينية واحتكار الكنيسة لتفسيره ، وقد أدت دعوته لظهور المذهب البروتستانتي عام 1517م ، وقد أدانته الإمبراطورية المقدسة وتم عزله بقلعة فرتبرغ عام 1521م والتي قام خلالها بترجمة العهد الجديد من اللاتينية إلى الألمانية ، إلا أن تعاطف الفلاحين معه قادهم إلى إحداث ثورة (اللوثرية) عام 1525م والتي لم تلقى تأييداً منه لما أحدثته من أعمال عُنف وشغب ، كانت تلك الأحداث صورة مُصغرة من ملامح الحياة الثقافية خلال تلك الفترة ، ومدى تغير النظرة المجتمعية تجاه نفوذ الكنيسة والتطلع إلى تغيير نمط الحياة الثقافية والدينية.
أما على المستوى الحياة السياسية فقد ظهرت الدولة كوحدة سياسية وكان أول ظهورها في فرنسا وعلى رأسها الملك لويس الحادي عشر (1423-1483م) ، ثم هنري الثامن في انجلترا (1491-1547م) والذي ظهرت في عهده انجلترا لأول مرة كدولة قوية ذات أثر على الساحة الأوروبية السياسية ، وقد أدى الصدام بينه وبين روما إلى انفصال الكنيسة الإنجليزية عن الكنيسة الكاثوليكية بروما ، وامبراطورية شارلكان أو كارلوس الخامس (1500-1558م) والتي شملت مملكة إسبانيا وإيطاليا والإمبراطورية الرومانية المقدسة (أغلب أراضي ألمانيا الآن) [1، p. 36] ، صاحب صعود تلك الكيانات السياسية رغبة في التوسع وبسط النفوذ السياسي والتراكم الإقتصادي ، والتي أدت إلى حالة من الصراعات السياسية والإقتصادية ، وكانت الثقافة السائدة آنذاك أن تلك الغايات السياسية والإقتصادية يحل من أجلها كافة الوسائل ، وهي النزعة التي عهد المؤرخون على تسميتها بالميكافيلية نِسبة للفيلسوف الإيطالي نيكولو ميكافيلي (1469-1527م) والذي يُعد كتابه الشهير "الأمير" تمثيلاً للفكر السياسي الذي ساد خلال تلك الفترة ، حيث دعا فيه إلى مبدأ الإهتمام بالمصلحة الذاتية فقط واستخدام كافة الوسائل لتحقيقها والذي لخصه بقوله "الغاية تبرر الوسيلة" ، وقد انتهت هذه الصراعات السياسية بتوقيع معاهدة ويستفاليا (بألمانيا) عام 1648م والتي تُعتبر أول اتفاق دبلوماسي في العصور الحديثة مبني على مبدأ سيادة الدول ، والتي انتهت بتوقيعها حرب الثمانين عاماً بين إسبانيا ومملكة الأراضي المنخفضة المتحدة (هولندا وبلجيا ولوكسمبورغ) (1568-1648م) ، وحرب الثلاثين عاماً (1618-1648م) في الإمبراطورية الرومانية المقدسة (معظم الأراضي في ألمانيا اليوم).
كان للتغيرات الثقافية والسياسية التي صحبت تلك الفترة بمحاولات التحرر الجزئي من الفكر الكنسي والموروثات الفلسفية ، والحروب الصليبية التي نبهت أوروبا لأهمية التجارة والأسواق الجديدة ، ونشأة الدول القومية (Etat national) ذات السيادة أثرها المباشر على الحياة الإقتصادية ، والذي انعكس في صورة مرحلة اقتصادية جديدة وصفها سميث بالمرحلة الماركنتيليية (التجارية) أو الرأسمالية الماركنتيلية (Mercantilism Capitalistic) والتي تزامنت مع عصر النهضة والتغيرات الثقافية (من القرن الرابع عشر إلى القرن السابع عشر) وفترة محاكم التفتيش (نشطت بالقرنين الخامس والسادس عشر) والتي انتهت بانتصار للعلم والحرية والعمل على القمع والأفكار الدينية والإقطاع.
تُمثل المرحلة الماركنتيلية بداية التحول من الريف إلى المدينة ومن الإقطاع الزراعي إلى التوسع التجاري ، توارى دور المُدرسين الفكري في معالجة المسائل الإقتصادية ليحل محله التُجار والسياسيين وكبار الموظفين ، اللذين صاغوا الأفكار والسياسات الإقتصادية لتلك الفترة [2] ، وبالطبع اختلفت نظرة التجار إلى الثروة والتي كانت في نظرهم تُمثل الذهب والفضة على خلاف نظرة الإقطاع للثروة باعتبارها الأرض والناتج الزراعي ، كان الثراء والسعي إليه مذموماً ومحل إدانة دينية واجتماعية ، ولكن أصبح في تلك الفترة أمراً مشروعاً ، وصاحب تلك النظرة ظهور التاجر لأول مرة بمظهر مقبول بالمجتمع (بداية ظهور البرجوازية) وإن كان التفوق الإجتماعي ظل مقصوراً على الطبقات صاحبة الأرض ورثة البارونات الإقطاعيين ، أما الربا الذي ظل محل إدانة بالعصور السابقة فقد فرضه الواقع التجاري الجديد بما يستلزمه من التوسع في عمليات الإقراض ، والذي تم حسمه بسماح البابا "ليون العاشر" (1457-1521م) به لأغراض التجارة طالما كان التعامل به من خلال هيئات معينة (بنوك التسليف) [3، p. 78] ، وأصبح تمويل العمليات التجارية بأموال مقترضة بفائدة عملا مشروعاً ، بعد أن كان عملاً محرماً يحرم التجار من دخول الجنة [4، p. 36] ، انعكس شعار "الغاية تبرر الوسيلة" على الحياة الإقتصادية أيضاً والتي قادها التجار بتأييد من الدولة من خلال مظاهر الإحتكار وإفقار الجار والتي تراجع معها مفهوم السعر العادل ، كما اعتبروا أن زيادة السكان سبب في الثروة الإقتصادية لأنها تسهل الحصول على يد عاملة رخيصة ومن ثمّ زيادة الأرباح والثروة للرأسماليين [5].
أدت هذه التحولات التي نقلت ظاهرة الإقتصاد من محدودية علاقات الإنتاج الزراعية والحرفية إلى علاقات الإنتاج القائمة على الزراعة والصناعة والتجارة ، وتوسع موضوع الإقتصاد من مجرد إشباع الحاجات الأساسية للأفراد وتحقيق فوائض الإقطاع إلى موضوع تراكم الثروة والتي تغيرت من مفهوم الأرض والناتج الزراعي إلى مفهوم الذهب والفضة ، ومن علاقات الإنتاج بالنطاقات الضيقة للأسرة والإقطاعيات المغلقة إلى علاقات الإنتاج داخل النطاق السياسي للدول القومية ، والتي ظهرت فيها الدول القومية كفاعل سياسي يعمل على دفع العلاقات الإقتصادية لصالحها فقط وتحقيق التراكم الداخلي للثروة ومنع خروجها ، إلى ظهور مصطلح "الإقتصاد السياسي" على يد الكاتب الفرنسي أنطوان دي مونكريتيان والذي وصف علم الإقتصاد لأول مرة بالإقتصاد السياسي بكتابه "بحث في الإقتصاد السياسي" عام 1615م ، ليشير إلى ذلك العلم الذي يهدف إلى تحديد معالم السياسة التي يجب أن تتبعها الدولة لزيادة ثرواتها بهدف استقرارها وبقاءها أو قوانين اقتصاد الدولة [6] ، وحيث كانت الثروة تُشير إلى الذهب والفضة محدودي الكمية والتواجد ، فقد سيطرت فكرة أن ثراء الدولة لا يقوم إلا على إفقار الدول الأخرى من خلال تبادل الفوائض الإنتاجية بما لديها من ذهب وفضة ، ولذلك اتصف الفكر الإقتصادي خلال تلك الفترة بتبني سياسة إفقار الجار [7] ، وقد اقتضت هذه السياسة الإهتمام بالصناعة (صناعة السفن، و السكك الحديدية لنقل المواد و السلع التجارية) وتطوير وسائل التبادل التجاري والتوسع في إنشاء الشركات التجارية ، كما وضعوا قوانين وسياسات اقتصادية اتسمت بالتدخل الشامل في كافة أوجه النشاط الإقتصادي بالدولة بهدف لتعزيز دور التبادل التجاري الدولي في تحقيق فوائض من الذهب والفضة لصالح الدولة ، ومن تلك السياسات فرض الضرائب على الواردات واعتبر التجاريون إن بيع البضائع للآخرين يكون دائما أفضل من شراء البضائع من الآخرين [4، p. 36] ، وضرورة اتباع سياسة الحماية الجمركية ولاسيما تطبيق سياسة منع الاستيراد لتوفير ميزان تجاري رابح يشكل فائضه مصدراً للثروة وهو ما قادهم إلى وضع نظرية الميزان التجاري [5] ، بالإضافة إلى التوسع في رحلات الكشف عن الأراضي والأسواق الجديدة للتوسع في التبادل التجاري واكتشاف المناجم الجديدة للمعادن النفيسة وتكوين المستعمرات ، وقد بدأت تلك الرحلات بداية من عام 1492م برحلات كريستوفر كولمبوس بالإتفاق مع ملوك إسبانيا (عقب سقوط غرناطة مباشرة آخر إمارة إسلامية بالأندلس) ، ورحلة فاسكو دي جاما إلى الهند ، وقد نتج عنها تدفق سلع جديدة وغير مألوفة من تلك البلاد إلى أوروبا بالإضافة إلى تدفق سيل الذهب والفضة من مناجم العالم الجديد إلى أوروبا ، والذي أدى وفقاً لتحليل "جان بودان" 1530-1596م (Jean Bodin) إلى ظاهرة ارتفاع الأسعار بأسبانيا خلال القرن السادس عشر نحو خمس أضعاف ثم انتقال تلك الظاهرة إلى جميع أنحاء أوروبا ، بالإضافة إلى الممارسات الإحتكارية التي ساهمت في ارتفاع الأسعار.
وإذا كان الاتفاق بين التجاريين على أن السياسة الاقتصادية العامة هي زيادة الثروة الاقتصادية للدولة ، فقد اختلفوا في السياسات الفرعية التي يجب أن تتبع من أجل تحقيقها باختلاف طبيعة وظروف كل دولة [1، p. 37] ، ففي إسبانيا ظهر المذهب التجاري المعدني (Bullionisme) والذي يمثل جوهر الفكر التجاري من حيث تبني سياسة التجارة الخارجية وفرض القيود السياسية المعززة لتدفق النقود المسكوكة من الذهب والفضة داخل الدولة ومنع تسربها ، إلا أنه لم يتضمن نظرية إنتاجية واضحة المعالم وإنما ركز على سياسات منع خروج النقود المسكوكة والسبائك وفرض الحماية الجمركية للحد من الاستيراد ، وألزم البواخر التي تحمل البضائع المصدرة تسليم الدولة قيمتها بالذهب والفضة مقابل السندات القابلة للدفع لحاملها ، ومنع التجار الأجانب الذين يبيعون سلعهم داخل إسبانية من إخراج الذهب والفضة وألزمهم شراء سلع إسبانية مقابلها [5] ، ومن هنا ظهر الدور النقدي للدولة وبداية ظهور فكرة البنكنوت الذي تحتكر الدولة إصداره ، وإن كانت فكرة البنكنوت تعود للصين في عهد سلالة الملك تانغ (618 – 907 م) حيث ظهرت تلك الفكرة كوسيلة لحماية التجار الذين يتنقلون من بلد إلى بلد بكميات كبيرة من النقود الذهبية التي كانت مُعرضة لمخاطر الضياع والسرقة ، فيقوم التاجر بدفع تلك الوثيقة المضمونة من هيئة إصدارها مقابل البضائع التي يتسلمها ليقوم حامل الوثيقة بعد ذلك بيتسلّم المبلغ المثبت على هذه الورقة من الشخص المودع عنده مال التاجر المشتري ، ثم تطور استعمال هذه الأوراق فصار بالإمكان دفعها إلى أي بائع أو مشتري بشكل متداول ليكون المرجع النهائي في القبض هو المركز المودع فيه المال [8, p. 156]. ، انتقلت هذه الفكرة من الصين إلى الدول الأوروبية والتي تطورت بها إلى أن ظهرت أول أوراق نقدية عُرفت بالمعنى الحديث "البنكنوت" (banknote) في استوكهولم بالسويد والتي أصدرها مصرف استوكهولم عام 1656م ، ثم انتقلت الفكرة إالى انجلترا والتي كانت تتبنى سياسة إقتصادية تجارية قائمة على التصنيع وجودة الإنتاج ، وأصدر مصرف انجلترا أول أوراق بنكنوت بريطانية عام 1694م ، إلا أن مصرف استوكهولم أعلن إفلاسه عام 1776 لعدم قدرته على الوفاء بالذهب إلا بـ 50% مما أصدره من صكوك لحاملها ، وهو ما دعا الحكومة البريطانية عام 1797 بوقف صرف الأوراق النقدية بالذهب خلال فترة حربها مع فرنسا خوفاً من نفاذ المخزون الذهبي ، مع التأكيد على استمرار قبولها كوسيلة للدفع بما تحمله من قيمتها الظاهرة ، حتى استأنفت الدفع لحاملها ما تعادله من قيمة بالذهب عام 1812 ، وقد تكرر ذلك الوقف أيضاً ببريطانيا عام 1914م وعاد عام 1925م ، إلى أن تخلت الحكومة البريطانية عام 1931م عن الإلتزام بتحويل الأوراق النقدية إلى ذهب لحاملها وإلزام الأفراد بقبول الأوراق النقدية غير القابلة للتحويل [9].
أما في فرنسا فقد ظهرت أوراق البنكنوت متأخرة عام 1800م ، وقد اتخذت الماركنتيلية بفرنسا اتجاها صناعياً (Industrialisme) على غرار الماركنتيلية الإنجليزية ، حث اعتبرت أن ثراء الدولة يتحقق من خلال تشجيع الصناعات المحلية لزيادة حجم الصادرات لأن المنتجات الصناعية أقدر على تحقيق التوسع في التبادل الدولي من المنتجات الزراعية ، ومن أبرز مفكري الماركنتيلية الفرنسية وزير المالية كولبير (Colbert) والذي كان يعتقد أن وفرة المعادن الثمينة في الدولة دليل على قدرتها وقوتها ، وأن تلك الزيادة لا تتحقق إلا على حساب الدول الأخرى لأنّ كمية المعادن الثمينة التي تدور في أوروبا محدودة ، ولذا لا يمكن زيادة النقود في فرنسا إلا بأخذ الكمية نفسها من دول مجاورة ، وفي سبيل تحقيق تلك الغاية اتبع سياسة تصنيعية ووضع قواعد لتنظيم الإنتاج تضمن تحسين جودته وزيادة قدرته على المنافسة ، حيث منح المساعدات والإعفاءات الضريبية للمصانع ، وفرض أسعار متدنية على المواد الغذائية ومنع تصديرها لتوفير يد عاملة رخيصة ، وفرض الحماية الجمركية لمصلحة الإنتاج الوطني ، بالإضافة إلى إعفاء المواد الأولية اللازمة للصناعة الوطنية من الضرائب ، كما عمل على توسيع الأسطول وتأسيس شركات تجارية كبيرة لتصريف المنتجات الصناعية في الخارج.
نتج عن تبني استراتيجية تراكم الثروة من الذهب والفضة داخل الدول الأوروبية والعمل على منع تسربها لفترات طويلة زيادة المعروض من الذهب والفضة داخل تلك الدول مقابل السلع والخدمات وهو ما أدى بدوره إلى ظاهرة ارتفاع الأسعار في القرن السادس عشر والتي بدأت في اسبانيا ثم انتقلت إلى كافة الدول الأوروبية ، وهو ما قاد "جان بودان" 1530-1596م (Jean Bodin) إلى تقديم "القانون الكمي في النقود" والذي فسر من خلاله أن زيادة الأسعار يعزى لسياسة تراكم الذهب والفضة ودخول الذهب إلى أوروبا بكميات كبيرة [10، p. 95] ، أما الفرنسي أنطوان دي مونكريتيان 1575-1621م (Atoine de Monchrétien) فقد انتقد سياسة تراكم الذهب باعتبار أن الأصل في النشاط الإقتصادي هو الإنتاج الذي يلبي حاجات المجتمع ، والذهب والفضة كقيمة استعمالية لا يلبيان تلك الحاجات إلا بقدر محدود جداً وإنما يتم استعمالهما للمبادلة بالمنافع التي تلبي الحاجات ، ولذلك أكد على أن الإنتاجية هي الأداة الوحيدة لضمان الثروة ، ومن رواد الفكر الماركنتيلي الإنجليز "توماس من" 1571 – 1641م (Tomas Mun) ، وجون تشايلد 1630 - 1699م (John Child) ، ووليام تمبل 1628-1699 (Sir William Temple) ، وويليام بيتي 1623-1687م (Sir William Petty) والذي نشر كتابه "بحث في الرسوم والضرائب" عام 1622م ، وقد مال إلى اعتبار أن الأرض والعمل ثروة أهم من الذهب والفضة ، ومن إيطاليا برز "انطونيو سيرا" والمولود عام 1568م (Antonio Serra) ، ومن الماركنتيلين بأسبانيا دوق أوليفارس غاسبار دي غوزمان 1587-1645م (Gaspar de Guzmán) والذي شغل منصب رئيس الوزراء خلال الفترة ما بين (1621-1643م) ، وكانت سياساته سبباً رئيسياً في حروب الثلاثين عاماً ، ومن ألمانيا برز الإقتصادي "فيليب ويلهيلم فون هورنيك" 1638-1712م (Philipp Wilhelm von Hornick).

البطراوي، تامر (2016). أبحاث في علم الثروة - النظرية الإقتصادية والنظرية الإدارية عرض ومناقشة - "الجزء الأول الإقتصاد السياسي" ، الطبعة الأولى: دار السلام ، الأسكندرية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أردوغان ونتنياهو .. صدام سياسي واقتصادي | #التاسعة


.. تركيا وإسرائيل.. مقاطعة اقتصادية أم أهداف سياسية؟




.. سعر الذهب عيار 21 يسجل 3080 جنيها للجرام


.. الجزائر في المرتبة الثالثة اقتصاديا بأفريقيا.. هل التصنيف يع




.. ما تداعيات قرار وزارة التجارة التركية إيقاف جميع الصادرات وا