الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


روزا لوكسمبورغ- البلشفية طريق الثورة

آلان وودز
(Alan Woods)

2016 / 8 / 29
مواضيع وابحاث سياسية




الفصل الأول: ميلاد الحركة الماركسية الروسية

روزا لوكسمبورغ

ترجمة: هيئة تحرير موقع ماركسي

عندما ذهب ليادوف عند رئيس تحرير الصحيفة الاشتراكية الديمقراطية الألمانية Vorwarts مع طلب بنشر المراسلات حول الوضع داخل الحزب الروسي، قيل له إن Vorwarts «لا يمكنها أن تخصص مساحة كبيرة لأخبار الحركة في الخارج، وخاصة الحركة الروسية، التي ما تزال غير ناضجة ولا يمكنها أن تقدم سوى القليل جدا من الفائدة للحركة الألمانية». يمكن بالفعل تمييز الخطوط العريضة للتطورات المستقبلية من هذه النبرة المتعجرفة المتعالية المشوبة بضيق الأفق القومي. لم يكن لموظفي الحزب الألماني "العمليين" هؤلاء أي اهتمام بالقضايا النظرية. وفي حين كانوا يكيلون المديح للماركسية بالكلمات، كانوا منغمسين في الروتين اليومي لمهام الحزب والنقابات العمالية. ما الذي يمكن للحزب الألماني بنقاباته القوية وفريقه البرلماني الكبير أن يتعلمه من النزاعات الداخلية لحزب أجنبي صغير؟ كانت الأممية قد صارت بالنسبة لقسم كبير من القادة الألمان كتابا مختوما بسبعة أقفال.

كان الشيء الذي أضر أكثر بقضية البلاشفة هو موقف الجناح اليساري داخل الحزب الألماني. استمر لينين إلى حدود عام 1914، يعتبر نفسه مناصرا لكارل كاوتسكي، زعيم اليسار الأرثوذكسي داخل الحزب الاشتراكي الديمقراطي. لكن كاوتسكي رفض السماح بتخصيص مساحة للينين في جريدته Die Neue Zeit لشرح وجهة نظر البلاشفة. وفي إحدى رسائله كتب كاوتسكي: «على الرغم من أنه ما تزال بالكاد بارقة أمل ضئيلة في قدرة الاشتراكيين الديمقراطيين الروس على التغلب على خلافاتهم، فإنه لا يمكنني أن أكون لصالح تعرف الرفاق الألمان على كنه تلك الاختلافات. لكن إذا تعرفوا عليها من مصدر آخر، سيكون علينا بالطبع آنذاك اتخاذ موقف واضح»[1]. وتحت ضغط المناشفة وقف كاوتسكي ضد لينين، لكنه فعل ذلك بحذر. فطالما أن الانقسام في روسيا لم يخل بالحياة الداخلية للحزب الألماني، فليست هناك حاجة لإعطائه أهمية كبرى، على أمل أن تحل الأمور من تلقاء نفسها. إذ على كل حال إذا تمكن الحزب الألماني من استيعاب الجميع بدءا من بيرنشتاين على اليمين وصولا إلى روزا لوكسمبورغ وبارفوس على اليسار، فإنه يتعين على الرفاق الروس أن يعملوا على السير معا دون انشقاق حول مسائل تافهة.

وبهذه الطريقة كانت حجج المناشفة فقط هي من وصلت إلى أسماع الأحزاب الاشتراكية في أوروبا الغربية. وروزا لوكسمبورغ التي تعرضت للتضليل بفعل تقارير المناشفة الكاذبة والمغرضة عن الخلافات، كتبت مقالا نشره كاوتسكي في Die Neue Zeit تحت عنوان محايد: "مسائل تنظيمية للاشتراكية الديمقراطية الروسية". وقد تم نشر هذا المقال باللغة الإنجليزية تحت عنوان مضلل لم يستخدم أبدا خلال حياة روزا لوكسمبورغ: "اللينينية أو الماركسية؟" في هذه المقالة رددت روزا لوكسمبورغ هراء المناشفة حول "المركزية المتطرفة" و"الأساليب الديكتاتورية" المنسوبة زورا إلى لينين. كان رد لينين على هذا المقال بالضبط هو الذي رفض كاوتسكي نشره. في رده، حطم لينين كل تلك الخرافات التي اختلقها المناشفة حول أفكاره عن التنظيم، وهي الخرافات التي ينشرها بدأب أعداء البلشفية. لقد سبق للينين الرد على هذه المزاعم:


«تقول الرفيقة لوكسمبورغ، على سبيل المثال، إن كتابي [خطوة إلى الأمام خطوتان إلى الوراء] هو تعبير واضح ومفصل عن وجهة نظر "المركزية المتصلبة". وبالتالي فإن الرفيقة لوكسمبورغ تفترض أنني أدافع عن نظام معين للتنظيم ضد آخر، لكن الواقع ليس كذلك. لقد دافعت، من الصفحة الأولى إلى الصفحة الأخيرة من كتابي، عن المبادئ الأساسية لأي تنظيم حزبي يمكن تصوره. ليس كتابي معنيا بالاختلافات بين نظام معين وآخر، بل بمسألة كيف يمكن لأي نظام أن يستمر وينتقد ويصحح بطريقة تنسجم مع فكرة الحزب».[2]

لم يكن موقف روزا لوكسمبورغ من قبيل الصدفة. فقد كانت منخرطة منذ سنوات عديدة في نضال عنيد ضد التيار البيروقراطي والإصلاحي داخل الحزب الاشتراكي الديمقراطي الألماني. كانت تشاهد بجزع تشكل جيش واسع من موظفي النقابات العمالية والحزب في تيار محافظ قوي. كانت تعرف هذه الظاهرة أفضل من أي شخص آخر، أفضل حتى من لينين الذي كان يخوض أول تجربة مباشرة له مع الحزب الألماني. فهمت روزا لوكسمبورغ أن هذا الجهاز البيروقراطي الضخم يمكنه أن يتحول في اللحظة الحاسمة للصراع الطبقي، إلى كابح عملاق لنضالات الجماهير. وهذا ما اتضح في غشت عام 1914، عندما تأكدت أسوأ مخاوف روزا لوكسمبورغ كلها.

حتى لمحة خاطفة على كتيب روزا لوكسمبورغ تكفي لإظهار أن الأفكار التي كانت تجادل ضدها حقا ليست أفكار لينين (التي تعرفت عليها فقط من خلال الكاريكاتير الذي قدمه المناشفة عنها)، بل ضد ذلك الانحطاط البيروقراطي والإصلاحي الذي كانت تعرفه جيدا جدا في حزبها، الحزب الاشتراكي الديمقراطي الألماني. كم هي كلمات هذه الثورية العظيمة ملائمة لوصف الوضع الراهن داخل حزب العمال البريطاني وأمثاله من الأحزاب الأوروبية! كتبت:


«مع نمو الحركة العمالية، تصبح البرلمانية نقطة انطلاق للسياسيين الوصوليين. وهذا هو السبب الذي يجعل الكثير من الطموحين الفاشلين من الأوساط البرجوازية يتزاحمون على راية الأحزاب الاشتراكية. إن القوة المادية والنفوذ الكبيرين للمنظمات الاشتراكية الديمقراطية الكبيرة مصدر آخر للانتهازية المعاصرة.

يلعب الحزب دور حصن لحماية الحركة العمالية ضد الانحراف في اتجاه المزيد من البرلمانية البرجوازية. ولكي تنتصر هذه الميول يجب تدمير الحصن. يجب عليهم تذويب القطاعات النشيطة والواعية طبقيا بين صفوف البروليتاريا في الحشود الواسعة من "الناخبين"».[3]

بطبيعة الحال، إن النضال من أجل التحويل الاشتراكي للمجتمع لا يستبعد المشاركة في الانتخابات أو في البرلمان. بل على العكس من ذلك، كانت الطبقة العاملة في جميع البلدان في طليعة الكفاح من أجل الحقوق الديمقراطية، وسوف تستخدم كل الحقوق القانونية والدستورية من أجل تحسين موقعها ووضع نفسها في موقع قيادي لتغيير المجتمع. كما أن بناء منظمات نقابية قوية هو بدوره جزء حيوي في مسيرة إعداد الطبقة العاملة لإنجاز المهام التاريخية الملقاة على كاهلها. لكن لهذه السيرورة وجهان اثنان. إن الطبقة العاملة ومنظماتها لا توجد في الفراغ، وتحت ضغط الطبقات الأخرى، تصير المنظمات، التي بناها العمال لأجل تغيير المجتمع، منظمات مشوهة ومنحطة. إن ضغط الرأي العام البرجوازي ينيخ بثقله على الفئات القيادية داخل تلك المنظمات.

لقد طورت الطبقة الحاكمة ألف طريقة وطريقة لإفساد واستيعاب حتى أكثر المناضلين النقابيين نزاهة وكفاحية إذا ما كانوا يفتقرون إلى تكوين نظري صلب في النظرية الماركسية ومنظوراتها. إن انعزال فئة من المسؤولين النقابيين المتفرغين، والذين ينفصلون بشكل متزايد عن الواقع في أماكن العمل، إضافة إلى جميع أنواع المنح والامتيازات الصغيرة التي يتلقونها، يؤدي إلى خلق عقلية متميزة ومغتربة عندهم، ولا سيما عندما لا يشارك العمال في النضالات الجماهيرية، والذين هم بمثابة الرقيب على القيادة. لكن خلال عقود طويلة من الازدهار النسبي والعمالة الكاملة والسلام بين الطبقات، يكون الاتجاه السائد هو عدم مشاركة القواعد بنشاط في الحياة الداخلية لمنظماتهم، والثقة في القادة والمسؤولين للحصول على وظيفة. كان هذا هو الوضع الذي ساد في ألمانيا على مدى عقدين تقريبا قبل كارثة الحرب العالمية الأولى، عندما عززت بيروقراطية محافظة، ماركسية بالكلمات، لكن إصلاحية في الممارسة العملية، قبضتها على الحركة العمالية تدريجيا؛ وهي السيرورة التي تكررت في فرنسا وفي كل بلدان أوروبا الغربية الأخرى. وما كان صحيحا بالنسبة للنقابات كان مائة مرة صحيحا بالنسبة للفريق البرلماني في الرايخستاغ.* قيادات الحزب الاشتراكي الديمقراطي في البرلمان، الذين كان يهيمن داخل صفوفهم المثقفون والسياسيون المحترفون، ذوو مستوى معيشي يختلف عن ملايين العمال الذين يمثلونهم، اتجهوا نحو اليمين، وتخلصوا من رقابة الطبقة العاملة عليهم وتحولوا، في نهاية المطاف، إلى فئة اجتماعية متميزة ومحافظة.

وكرد فعل ضد هذا الوضع، أعطت روزا لوكسمبورغ أهمية بالغة للحركة العفوية للطبقة العاملة، ورفعت فكرة الإضراب العام الثوري إلى مستوى المبدأ تقريبا. رد الفعل المبالغ فيه هذا أدى بها بشكل حتمي إلى سلسلة من الأخطاء. ويمكن للمرء أن يقول إنها في كل خلافاتها مع لينين، بما في ذلك هذا الخلاف، كانت دائما على خطأ. ومع ذلك لا يمكن أيضا إنكار أن كل تلك الأخطاء يمكن إرجاعها إلى غريزة ثورية حقيقية، وإيمان لا حدود له في الطاقة الإبداعية للطبقة العاملة وعدائها الشديد للوصوليين والبيروقراطيين الذين يمثلون، على حد تعبير تروتسكي، "أكثر القوى محافظة في المجتمع بأسره". لقد جرى تبني شكوك روزا لوكسمبورغ حول "مركزية لينين القاسية" المزعومة، ولنفس السبب، من طرف يساريين ألمان آخرين مثل الكسندر. ل. هيلفاند، الشهير باسمه الحركي بارفوس، والذي كانت أعماله تثير إعجاب لينين، وكذلك إعجاب تروتسكي الذي، بعد أن قطع مع المناشفة، عمل بشكل وثيق معه لفترة من الزمن.

في سنوات لاحقة، اعترف تروتسكي بأنه كان مخطئا وأن لينين كان محقا بخصوص المسائل التنظيمية. تضمن كراسه "مهامنا السياسية"، الذي نشر في خضم الصراع التكتلي، العديد من الانتقادات ضد لينين، والتي وصفها مؤلفها لاحقا بأنها "غير ناضجة وخاطئة"[4]. ومع ذلك، فإن حتى ذلك الكراس يحتوي على أكثر من ذرة من الحقيقة فيما يتعلق بجانب معين من البلشفية، وهي سيكولوجية وقواعد سلوك الموظفين الحزبيين، تلك الشريحة من "العمليين" و"رجال ونساء التنظيم" الذين كان على لينين نفسه الدخول في صراع مرير ضدهم بعد أشهر قليلة فقط على ظهور كراسة تروتسكي المثيرة للجدل.

حاول لينين تجنب الحرب، ورفض الرد على الهجومات المتواصلة الموجهة ضده. لكن نتيجة محاولة بليخانوف أقنعته بأنه لا حل آخر ممكن لهذا الوضع. وقد اتضح ذلك بجلاء من خلال مقال وقعه بليخانوف في العدد 52 من الإيسكرا، بعنوان: "من أين يجب ألا نبدأ"، والذي هو محاولة مخزية لتوفير تبرير نظري لاستسلام صاحب المقال. تحولت الإيسكرا الآن، تحت سيطرة المحررين الجدد، إلى جهاز تكتلي في يد الأقلية. كانت الأغلبية ما تزال تسيطر على اللجنة المركزية. لكن بعد أن تمكنت الأقلية من إعادة دمج المحررين القدامى في هيئة التحرير، صار لها الآن أغلبية في مجلس الحزب، وهو أعلى سلطة في الحزب. وبحلول نهاية العام، كان لينين قد وصل إلى الاقتناع بأن السبيل الوحيد لحل الأزمة كانت هي الدعوة إلى عقد مؤتمر جديد للحزب.

وكما كان متوقعا فإن أنصار الأقلية، الذين كانوا يسيطرون آنذاك على مجلس الحزب اعترضوا على اقتراح لينين. لكن عندما قدم لينين طلبه إلى اللجنة المركزية، التي تسيطر عليها الأغلبية نظريا، اصطدم بمقاومة غير متوقعة من طرف مؤيديه. وفي أعمال لينين، نجد الرسائل تلو الرسائل التي بعثها لينين حيث يسعى جاهدا لإقناع أعضاء اللجنة المركزية بصحة المقترح. لكن البلاشفة في اللجنة المركزية رفضوا ما اعتبروه قطيعة نهائية مع المناشفة. قال لينين بمرارة: «أعتقد أننا نمتلك فعلا أناسا بيروقراطيين وشكليين داخل اللجنة المركزية بدلا من الثوريين. المارتوفيون يبصقون في وجوههم وهم يمسحون البصاق ويقولون لي: "لا جدوى من القتال"».[5]

هوامش:

[1] Istoriya KPSS, vol. 1, pp. 518, 523 and 524.

[2] LCW, vol. 7, p. 474.

[3] Rosa Luxemburg, Leninism or Marxism? p. 98 (التشديد من عندي - آلان وودز -).

[4] Trotsky, Stalin, p. 62.

[5] LCW, To the Central Committee of the RSDLP, February 1904, vol. 34, p. 233.

* مجلس النواب الألماني - المترجم-








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نزوح مئات العائلات على وقع غارات إسرائيلية مكثفة على جنوب لب


.. مسؤول إسرائيلي عن استهداف حسن نصرالله: نقطة تحول في الصراع ل




.. حزب الله يقصف مستوطنة إسرائيلية


.. الجيش الإسرائيلي يشن غاراته على مناطق بالضاحية الجنوبية




.. القبة الحديدية تعترض صواريخ أطلقت من جنوب لبنان