الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


معاقبة الطفل سارق المناديل الورقية، وترك لصوص الدولة!

نادية محمود

2016 / 8 / 29
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


سطور عن العلاقة بين الدولة والطبقة في العراق
من الواضح ان ترتيب العلاقة الجديدة بين الدولة والطبقات في المجتمع يأخذ شكلا بالغ الوقاحة وسافر الوحشية بشكل لم تكن له سابقة. يظهر هذا في فحوى علاقة الدولة بالطبقات الفقيرة، وعلاقة الدولة بالطبقة البرجوازية. ففي الوقت الذي يتعرض طفل من الطبقات الفقيرة الى عقوبة السجن لمدة عام كامل لسرقته 4 علب من المناديل الورقية، في الاسبوع المنصرم، لم يحاكم احد من الطبقة البرجوازية الحاكمة على سرقة المليارات على امتداد 13 عاما. لقد اثارت محاكمة الطفل الغضب الشديد على هذه الطبقة الحاكمة.
ان هذا الامر ليس صدفة بكل تأكيد. ان هذا يعكس حقيقة محتوى علاقة الطبقة البرجوازية مع الدولة، وعلاقة الدولة مع الطبقة البرجوازية. ففي الوقت الذي تكون فيه الدولة غفورة رحيمة مع سراق الطبقة البرجوازية، الا انها شديدة العقاب مع اي فرد من الطبقات الفقيرة. ان هذه يؤكد صحة تحليل ماركس وانجلس ولينين لمسالة الدولة وعلاقتها بالطبقات. فالدولة كما يعرفها هؤلاء القادة الشيوعيون بأنها اداة قمع، اداة لاستخدام العنف من اجل فرض هيمنتها على المجتمع. يعرف لينين الدولة بأنها "نوع خاص من تنظيم القوة. هي تنظيم للعنف بقصد قمع طبقة من الطبقات".
ان ماهو مهم الاشارة اليه هو ان هنالك سمة خاصة ميزت علاقة الطبقة والدولة في العراق بعد 2003 جاءت من حقيقة كيفية تأسيس دولة ما بعد 2003. فرغم انه عادة، وتاريخيا، وعلى امتداد عصور، تؤسس الطبقات المالكة "دولا لها" لتسود ولتفرض هيمنتها سيطرتها وسيادتها على المجتمع عبر اداة الدولة ذاتها. الا انه بالنظر الى ما جرى في العراق بعد 2003 يمكن التوصل الى ان البرجوازية لم تؤسس دولتها بنفسها ولنفسها، بل قامت الولايات المتحدة بتوليد "دولة" في العراق بطريقة قيصرية، بعد شن حرب، وتحطيم الدولة السابقة، احتاجت معها الى تشكيل طبقة لحمايتها، طبقة من المستفيدين منها ليقوموا بالدفاع عن وتثبيت دعائم الدولة الجديدة.
من هنا، كانت الطبقة البرجوازية، طبقة ضرورية واساسية لمشروع اعادة انشاء دولة في العراق. وبالتاكيد لم تعدم الولايات المتحدة ايجاد اشخاصا واحزابا سياسية لهذا الدور. فقد عملت الحكومة الاميركية على جلب زعماء الاحزاب البرجوازية الاسلامية الشيعية والسنية والقومية (المعارضة للنظام انذاك) بالدرجة الاساس الى السلطة، والذين كانوا قد طرحوا أنفسهم بديلا للنظام، ليشكلوا دولة العراق "الجديد"، لملأ الفراغ السياسي الذي اعقب اسقاط النظام. من جهتهم، ادرك الاخيرون فرصتهم التاريخية بوضع ايديهم في ايدي المحتل سيتيح لهم موقع في الدولة الجاري تشكيلها، يتيح لهم الوصول الى السلطة والقوة والثروة والتي تركت لبرهة من الزمن بدون صاحب، وبدون مسؤول مع الاطاحة بنظام البعث.
لذلك، ونظرا لحاجة "الدولة" الجديدة لطبقة تدافع عنها، اصبح مغفور للطبقة الجديدة التي تمسك بمقاليد الحكم، فسادها، ونهبها وسرقتها ثروات المجتمع بشكل متواصل دون حسيب او رقيب، دون قضاء، ودون قانون. فالقانون والقضاء يصيبه الخرس امام سرقة المليارات من قبل هذه الطبقة، ولكنه صوته يلعلع حين يتعلق بامر طفل يمد يده على اربع علب مناديل ورقية. 13 عاما مضت على تـاسيس طبقة برجوازية جديدة، اكتنزت المليارات من الدولارات وتتفاخر بسرقاتها وفسادها ونهبها على شاشات التلفاز وبدون ادنى حياء، وذلك بسبب وفقط بسبب تواجدها وامساكها واخضاعها مؤسسات الدولة لها، بل هي تبتلع مؤسسات الدولة، وتتصرف بها كما لو كانت هي الحدائق الخلفية لمنازلهم.
أفراد هذه الطبقة يسيطرون على البرلمان، يحتلون مواقع وزارية، يشكلون ميشليات كلما خطر لهم الرغبة بذلك، لا احد يردعهم، يقومون باعمال فساد لم يبزهم فيها الا دولتين اثنين او ثلاث في العالم. لا قضاء يستطيع ان يقاضيهم، واي قضاء؟ ان القضاة شركاء معهم. لذلك، النتيجة الطبيعية ان لا احد من شركاء هذه الطبقة البرجوازية يمكن ان يتحمل او يتقبل ان يتعرض احد منهم الى المحاسبة. لان ذلك سيفسد العقد غير المكتوب لهذه الطبقة التي انتفعت من وجودها بسبب وجودها في الدولة. من هنا، الدفاع عن "مؤسستهم" مؤسسة البرلمان امام اتهامات العبيدي، وعدم قبولهم بمحاكمة السراق، كما جرت محاكمة ذلك الطفل، يعني الدفاع عن دولتهم، مظلتهم التي يستظلون بها وتحميهم من الحساب والعقاب، مصدر عيشهم واثرائهم.
ان معاقبة طفل بالسجن لمدة عام كامل على سرقة مناديل ورقية، بدلا من استخدام اساليب تربوية معه، وترك السراق الحقيقيين الذين يسرقون ملايين ومليارات الدولارات من الطبقة المالكة والمتحكمة والغنية في الهواء الطلق، محتمين بمؤسسات الدولة، بشرطتها، وبقانونها، وبقضائها وميلشياتها، يعني ان هذه الدولة وهذه الطبقة، اللذان يكادان ان يصبحا شيئا واحدا، لن تحسن "اخلاقها"، او " تعدل من سيرها. بل يجب اسقاطهما معا. ولن يسقطهما احد غير الطبقة العاملة والجماهير المحرومة نفسها، وليس من سبيل امام الطبقة العاملة والجماهير الواسعة من اجل الحفاظ على امن وحياة الجماهير، وتوفر مستلزمات حياتها، بحيث لا يضطر طفل الى ان يبيع مناديل ورقية او حتى ان يخطر في باله سرقة مناديل ورقية. ان اولئك الذين دفعوا باطفال الى السرقة هم الذين يجب محاكمتهم بل وازاحتهم من سدة الحكم وبشكل تام.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ليس الحرب الحالية.. ما الخطر الذي يهدد وجود دولة إسرائيل؟ |


.. مجلس النواب العراقي يعقد جلسة برلمانية لاختيار رئيس للمجلس ب




.. هيئة البث الإسرائيلية: توقف مفاوضات صفقة التبادل مع حماس | #


.. الخارجية الروسية تحذر الغرب من -اللعب بالنار- بتزويد كييف بأ




.. هجوم بـ-جسم مجهول-.. سفينة تتعرض -لأضرار طفيفة- في البحر الأ