الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حكايا جدو أبو حيدر -16-

كمال عبود

2016 / 8 / 31
الادب والفن


نماذج ، نموذجيّه...
عطّارَة

كان يوماً فارِقاً ... يومذاكْ صبّتْ على رأسها ثلاث زجاجات عطر كاملة، عطر رائحتهُ قويّة ، حادّة ، نفّاذة ... لبستْ ثوباً جديداً ومشتْ في الشارع الوحيد المحيط بالقرية ، مُمنيّةً النفس بِأن يخرج جميع من في القرية كي يروا ( زنوب) ويشمّوا رائحةَ عطرها!

كان الوقتُ قبيل الغروب ، الناس أمام البيوت على المصاطب يبتردون في المساءات الصيفيّة ، مشتْ (زنوب) بهدوء ... خطواتها بطيئة ... حاولت أن تتغندر في مشيتها ... كالغزالة كما توهمتْ... اجتازت بضعة بيوتٍ .. بدأالناس يتهامسون ... ينظرون إليها مبتسمين يلمزون ... بعضهنَّ وضعنَ أيديهُن على الأنوف ...
ماهذه الرائحة؟ ...

زنوب تنشر عطرها في الحارة التالية ، ينظرون إليها ... يراها ( عناد ) الشاب المعروف لغلاظته ووقاحته حيث يغازل جهاراً نهاراً بنات القرية العانسات ... يسير خلف زنوب ، يتراقص في حركاته ... يهز كتفيه ... يهز خصره رافعاً يديه بحركات ذات معنى ويغني:
عطّارَه عطريتنا
وبحبك جننتينا ...
ثبت اسمُها ( عطّارَه ) ، وهي أحبت اللقب ، مضت الايامُ ولم يأتِ لخطبتها أحداً...

عطّارَه اشترتْ خرافاً ، ربَّتها .. أطعمتها .. سارت بين الحقول ترعاها .. تغسلها كل يوم ، تأخذها الى بئر الشيخ حسن ، تسحب الماء بالدلو الحديدي ... تغسل خرافها بالماء والصابون ... صارت خرافها مضرب المثل بالنظافة والشكل ، ثم باعت الخراف بعد أن كبرت .. ربحت مالاً اشترت به أساورَ ذهب .. زيّنت بها معصمها وخرجت تخشخشُ ذهبها ، ترفع أكمام فستانها وتخشخش ...
من أين للعطارةِ كُلُّ هذا الذهب ..؟ يتساءل البعض
وعلى الرغم من امتلاكها للذهب وخشخشته أياماً طوالاً لم يأتِ لخطبتها أحداً...

تقدّم بالعطّارة العمر ، أعطتْ ذهباً للأستاذ كي يخطبها، اختفى الذهب واختفى الخطيب...

بيوت الحارة الغربية متفرقة ، هناك بيتُنا وبيت العطّارة، وهناك سمعنا اللغط والأصوات العالية المتداخلة ، كان الوقتُ ظهراً ، خرجنا حيث الهرج والصراخ الآتي من جهة بيت أبي ابراهيم .. كان هناك أمام شجرة المشمش ثلاثُ نسوة وشابان وبضعة من الأولاد ، والسيد أبا ابراهيم يلبس سرواله الداخلي الأبيض الطويل وقميصاً أبيض طويلاً ذي أكمام...
كان يدور حول جذع شجرة المشمش يضرب بكفيه الكبيرتين على فخذيه فوق السروال الأبيض غاضباً حانقاً كأنَّ مَسّاً أصابه :
يا ناس .. يا عالم .. ياهوْ .. ... يا ناس..

يقول رجل قدمَ لتوّه : شو القصة .. خبّرونا ..؟
يدور أبا ابراهيم حول نفسه وحول الشجرة : اسمعوا منها ...
قالت العطّاره : بدهم يخطبوني لابراهيم وبعد فتره نتزوج ، وبدهم يتركونه حتى يصير عنا أولاد وبعدين يجبروا ابنهم يطلقني ...
ابتسم القادم لتوّه وأشار إشارةً خفيفة للغاضب أبا ابراهيم ...

هدأ الغضب قليلاً ...
يا عطّارَه اسمعي : لن نخطبكِ ولن تتزوجي من عندنا ولن يصير لك أولاد ولن نطلّقكِ .. فهمتِ .. مع السلامة
...
عمر العطّاره الآن ثمانين عاماً وما زالت تنتظرْ ...

----
نموذج العطّاره هم العقل المشوّش هم قادة الأحزاب السياسية والجماعات يقاتلون كي يخطبون السلطة ويتزوجونها وتثمر لهم أموالاً وبنين ويشعلون الحرب الآن ... ضدّ من يجعلون السلطة تطلّقهم

*****
اللاذقية، القنجرة، 2016








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حورية فرغلي: اخترت تقديم -رابونزل بالمصري- عشان ما تعملتش قب


.. بل: برامج تعليم اللغة الإنكليزية موجودة بدول شمال أفريقيا




.. أغنية خاصة من ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محمد علي وبناتها لـ


.. اللعبة قلبت بسلطنة بين الأم وبناتها.. شوية طَرَب???? مع ثلاث




.. لعبة مليانة ضحك وبهجة وغنا مع ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محم