الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المدرسة الإقتصادية للإسلاميون الجُدد

تامر البطراوي

2016 / 8 / 31
الادارة و الاقتصاد


لم يمضي قرن من الزمان حتى استقر للدولة الإسلامية بسط نفوذها على بلاد الشام والعراق ووادي النيل والساحل الإفريقي والتي باستقرارها تطورت الحياة الثقافية والسياسية والإقتصادية نحو درجة أعلى من التنظيم والإنتظام ، وقد صاحب تلك المرحلة ظهور عدد من المُفكرين الإسلاميين الذين عالجوا ظاهرة الأموال إنتاجاً واستهلاكاً من جانب الرؤية النظرية والتدخل السياسي ، وبالرغم من أن هؤلاء المفكرين إلتزموا الأفكار الإسلامية الأرثوذكسية أو الكلاسيكية تجاه ظاهرة الإقتصاد أو الأموال إلا أنهم تبنوا منهجاً مُغايراً للمنهج الأرثوذكسي بالإعتماد على الإستنباط المنطقي والإستقراء الواقعي ، ولذلك اتخذت نظرية الإسلاميون الجُدد مساراً مُغايراً للأفكار الإسلامية الكلاسيكية اتسم بعمق التحليل النظري والتطور السياسي ، ولذلك فأفكار هذه المدرسة لا توصف بالمدرسة الإسلامية وحسب بالرغم من التزامها الأفكار التقليدية الإسلامية (كالرؤية الإنتاجية لمتنوع النشاط الإقتصادي الزراعي والصناعي والتجاري وفعالية عنصر العمل والتأكيد عليه وحرية السوق وعدم تدخل الدولة في الإنتاج وسياسات الاقتصاد والملكية المقيدة بالشرع والتدخل في توزيع الدخل) ، لأن إضافاتها الإقتصادية الجديدة لم تكن مُستنبطة من نصوص مُقدسة لتحميلها الصفة الإسلامية (حاول بعض المُفكرين ربطها بتحايل بالنصوص المُقدسة) ، وإنما كانت استنباطات لقواعد منطقية كان يتم التقديم لها ، واستقراء لمشاهدات مُعاصرة بعدة مجتمعات إسلامية وغير اسلامية ، ولذلك فهي إضافات جديدة تُنسب لذلك الإتجاه التجديدي لا للإتجاه الأرثوذكسي ، فالفكر يُنسب إلى منهجه وقواعده الأصولية لا للقواعد الأصولية لشخص المُفكر ، فالنتائج الإقتصادية لسميث بإنجلترا المسيحية لا توصف بالإقتصاد الكاثوليكي ونتائج ريكاردو لا توصف بالإقتصاد اليهودي وكذلك نتائج ماركس لا توصف بالإقتصاد الإلحادي ، طالما لم تقم تلك النتائج على القواعد الفكرية لشخص المُفكر ، ولذلك فمن الخطأ تصنيف نتائج تلك المدرسة بالإسلامية وحسب لكونها اختلفت عن النظرية الكلاسيكية منهجاً ونتيجة لتمثل مدرسة جديدة من الفكر الإقتصادي يُمكن وصفها بالإسلاميون الجُدد ، وكان من أبرز مُفكري هذه المدرسة اجتهاداً وتمثيلاً المُفكر العربي الإسلامي "عبد الرحمن بن خلدون" (732-808هـ/1332-1406م) تونسي المولد ذو الأصول الحضرمية ثم الأندلسية ، والذي كان من عائلة مرموقة من الطبقة الحاكمة ورجل دولة ، ولذلك فقد اتسمت أفكاره بالرؤية الكُلية للإقتصاد القومي بجانب التحليل الجزئي ، حيث عُين وزيراً بمنطقة بجاية بالجزائر واستعان به أهل دمشق لطلب الأمان من القائد المغولي "تيمورلانك" ، ثم قدم إلى مصر عام 1384م وتولى القضاء المالكي بالقاهرة إلى أن توفي ودُفن بها ، وقد جمع أفكاره عام 1377م بكتاب "المقدمة" ، اتفق تحليل بن خلدون مع الماركنتيليين من حيث الرُؤية الكُلية ، إلا أنه اختلف معهم من حيث سياسات والتي أراد بها رفع معدلات الإشباع لدى الأفراد (الرعية) وتحقيق التوازن ، بخلاف سياسة الماركنتيليين التي استهدفت ثراء الرأسماليين والأمير بشكل أساسي ، كما أن الماركنتيليين أولو أهمية نسبية للتجارة في حين أن بن خلدون أولى أهمية نسبية للصناعة [1، p. 25] ، والذي يختلف أيضاً عن الأفكار الإقطاعية بالعصور الوسطى ونظرية الفيزوقراط بالإهتمام بالزراعة ، إلا أنه اتفق مع الفيزوقراط نسبياً بالتأكيد على عدم تدخل الدولة الإقتصادي وتحليل كيفية إضرار ذلك التدخل بالمجتمع ، والأثر السلبي لزيادة الجباية والمكوس (الضرائب) على معدلات الإنتاج بغرض زيادة إنفاق الدولة عن المجتمع فضلاً عن توسع الحُكام في التكسب منها [2، p. 91] ، وإن كان مفهوم بن خلدون لعدم التدخل في الظاهرة الإقتصادية لم يأخذ تلك الصرامة لدى الفيزوقراط وكان أقرب لمفهوم الإنجليز الكلاسيك لعدم التدخل ، وكان من أبرز إضافات بن خلدون التي توافقت مع المدرسة الكلاسيكية الإنجليزية بريادة آدم سميث عام 1776م نظرية بن خلدون تجاه عنصر "العمل" ، حيث اعتبر أن العمل أساس الإنتاج وأساس تحديد قيمته ، وأن قيمة العمل التي يتضمنها الإنتاج تتحدد بالوحدات الزمنية للعمل ووالمهارة والتي اعتبرها دالة للتعليم والتدريب ، والحاجة إليه ، وشرف العمل (حيث قسم الأعمال إلى ضرورية كالفلاحة والبناء ، وشريفة كالطب والكتابة) ، كما تتحدد القيمة بعوامل أخرى كالإحتكار والضرائب والعوامل الطبيعية والتكاليف الأخرى ، [2، p. 134] ، وخلافاً لمالتس فقد اعتبر أن زيادة السُكان يترتب عليها وفرة الإنتاج وزيادة جودته وانخفاض الأثمان ، حيث أن زيادة السكان سيترتب عليها زيادة حجم المعروض من العمل وبالتالي الإتجاه إلى التخصص وتقسيم العمل مما يترتب عليه وفرة الإنتاج وتحسين جودته ، ليتفق بذلك مع أرسطوا سابقاً وسميث لاحقاً ، كما ستؤدي تلك الزيادة في الإنتاج إلى انخفاض الأثمان ، أما الظلم وشيوع الفساد فقد اعتبره ذو نتائج عكسية على الإقتصاد عموماً والأثمان خصوصاً لأنه سيؤدي إلى انخفاض حجم العمل الكلي فينخفض الإنتاج وتزداد الأسعار ، [2، p. 113] ، واخيراً فقد بن خلدون نظريتين في تفسير النمو الاقتصادي ، النظرية الأولى تقوم على فرض مُفسر (Explanatory Hypothesis) يتخلص في أن البيئة الجغرافية خاصة درجات حرار المناخ ذات أثر على حجم النشاط الاقتصادي ، والنظرية الثانية تقوم على فرض مفسر يتلخص في أن النمو الاقتصادي لأي مجتمع يمر بعدد من المراحل وأن هذه المراحل ترتبط بحياة الدولة السياسية والاجتماعية من المنشأ إلى النهاية [3، p. 32].
وبذلك فقد اتسمت أفكار بن خلدون كالتحليل الكُلي والإهتمام بالمدنية والتصنيع والربط ما بين التخصص وتقسيم العمل والتعليم والتدريب وما بين جودة الإنتاج وزيادة وفرته بالإضافة إلى سياسة السوق الحُر وعدم التدخل وتخفيض الضرائب بالسبق للعديد من المدارس اللاحقة كالرؤية الكُلية للإقتصاد القومي التي ظهرت لاحقاً مع الماركنتيليين ، والإهتمام بالتصنيع والحرية الإقتصادية وتقسيم العمل وأثر التدريب والتعليم عليه التي قدمها الكلاسيك بريادة سميث عام 1776م ، ولذلك يصف البعض "بن خلدون" بكون مؤسس علم الإقتصاد ، إلا أن ذلك الوصف لا يخلو عن قدر من المُبالغة بشبيهه الذي يتجاهل إضافاته ، لكون بن خلدون لم يطرح "المقدمة" ككتاب اقتصادي وأن ما تضمنته المقدمة من أفكار اقتصادية لم تأخذ نفس القدر من المنهجية والتنظيم والتكتل الذي قدمه آدم سميث بكتابه المتخصص "ثروة الأمم" فضلاً عن كون أفكار بن خلدون ظلت أفكاراً حبيسة غير مشهورة حتى العصر الحديث مع عدم حُجية وإثبات فرضية تأثر سميث بن خلدون واطلاعه على "المقدمة" ، بينما أطروحة سميث تميزت بكونها أكثر تجميعاً وتلخيصاً للأدبيات الإقتصادية السابقة ككتلة واحدة وجسد مُنظم للعلم وضبطه بالمنهجية العلمية معتمداً على الإستنباط العلمي فضلاً عن انتشارها وشهرتها ووصلها بالحياة النظرية والعملية.


البطراوي، تامر (2016). أبحاث في علم الثروة - النظرية الإقتصادية والنظرية الإدارية عرض ومناقشة - "الجزء الأول الإقتصاد السياسي" ، الطبعة الأولى: دار السلام ، الأسكندرية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - emad.emad
تامر البطراوي ( 2016 / 9 / 2 - 02:33 )
انت متخصص؟؟

اخر الافلام

.. أردوغان ونتنياهو .. صدام سياسي واقتصادي | #التاسعة


.. تركيا وإسرائيل.. مقاطعة اقتصادية أم أهداف سياسية؟




.. سعر الذهب عيار 21 يسجل 3080 جنيها للجرام


.. الجزائر في المرتبة الثالثة اقتصاديا بأفريقيا.. هل التصنيف يع




.. ما تداعيات قرار وزارة التجارة التركية إيقاف جميع الصادرات وا